الأقباط متحدون - الدكتور عصام حجى العالم المصرى بوكالة ناسا للفضاء فى حوار لـ«المصري اليوم»: مصر تعيش فى مشهد «عشوائى» يغذى الإرهاب
أخر تحديث ٠٥:٣٠ | الأحد ١٥ فبراير ٢٠١٥ | ٨ أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٧٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الدكتور عصام حجى العالم المصرى بوكالة ناسا للفضاء فى حوار لـ«المصري اليوم»: مصر تعيش فى مشهد «عشوائى» يغذى الإرهاب

«حجى» يتحدث إلى «المصرى اليوم»
«حجى» يتحدث إلى «المصرى اليوم»

 شرد بذهنه بعيداً، وصمت للحظات طويلة، عندما سألته عن حال مصر والمصريين وكيف يراها بعين العالِم، لم يقطع صمته إلا إعادة سؤالى فأجاب الدكتور عصام حجى، العالم المصرى بوكالة ناسا للفضاء، المستشار السابق للرئيس عادلى منصور للشؤون العلمية: «عندما أجلس فى مكتبى فى وكالة ناسا وأفكر فى هذا البلد بعد تجربتى الأخيرة كمستشار للرئيس أجد أن هذا البلد عظيم جدا ويستحق أكثر مما هو فيه بكثير».

 
وأضاف حجى، فى حواره لـ«المصرى اليوم»: «نحن من أكبر الشعوب إنفاقا على التعليم، وأقصد ميزانية الأسرة وليس موازنة الدولة، ومع ذلك المنتج التعليمى ضعيف وهش، ننفق على زواج الفتاة وتجهيزها أكثر مما ننفق على تعليمها، نتغنى بحب الوطن أكثر مما نعمل لنترجم الحب إلى واقع».
 
وتابع: «كنت أعتقد أن الكائنات الفضائية ليست موجودة إلا فى أفلام الخيال العلمى، إلا أننى للأسف شاهدتها عندما أتيت إلى مصر وتركت ناسا لأجلس فى الاتحادية».. وإلى نص الحوار:
 
■ ما تقييمك لطريقة تعامل كل من النظام الحاكم والشعب مع مشكلات المجتمع؟
 
- أكثر ما يزعجنى هو الرؤى الساذجة من قبل جميع الأطراف لكل شىء ولكل القضايا، رؤية ساذجة للديمقراطية، للوطنية، للسياسة وللعلم وغيرها، هناك أناس ترى أن الديمقراطية هى صندوق انتخابى نضع فيه الأصوات، وهناك من يرى الوطنية أن نغنى للوطن و«نحب فيه ليل نهار»، نحن الشعب الوحيد الذى يحب وطنه، ومع ذلك يرجع للوراء، لأننا لا ندرك أن الحب الحقيقى هو أن نعمل بجد وإخلاص وبدقة وتفان، وليس الأمر مقصورا على كتابة وتلحين وأداء الأغانى الوطنية وإذاعتها ليل نهار، أيضا أرانا فى حالة محاربة لبعضنا البعض وبدلا من التركيز على بناء الدولة أصبحنا نركز على تخوين كل من يختلف معنا بعد ٣٠ يونيو، القرار الذى كان يجب أن يتخذ بعد هذا التاريخ مباشرة هو أن نلم شمل الصف الوطنى، كما أننا للأسف، نظاما وشعبا، لا نرى العدو الحقيقى لمصر، فأنا كمواطن مصرى أرى أن العدو الحقيقى ليس الإرهاب وإنما الفقر والمرض والجهل، هذه هى التربة الخصبة التى ينبع منها الإرهاب، ولكى تقضى على الإرهاب لابد من محاربة هذه الظواهر والعمل على هذه القضايا والملفات، مصر حاليا فى مشهد عشوائى والعشوائية تغذى الإرهاب ولا تقضى عليه.
 
■ تحدثت عن الرؤية الساذجة للديمقراطية ألا ترى أن الرئيس السيسى الذى جاء بشعبية كاسحة بالصندوق يعد منتخبا وفق نظم الديمقراطية؟
 
- فى غياب التعليم لا تحدثينى عن الديمقراطية، الممارسة الديمقراطية تحتاج إلى شعب متعلم، وعلى درجه جيدة من الوعى، لكن ما يحدث فى مصر عملية تصويت تتم وفق العاطفة والمشاعر، الحب والكره، وهذا شىء مختلف تماماً عن ممارسة آليات الديمقراطية التى يعد الصندوق أحد مظاهرها، لكنه ليس العملية برمتها، ومع ذلك حتى الصندوق المقصود فى العملية الديمقراطية هو الصندوق الذى يصوت فيه الناس عن وعى وبعد دراسة متأنية للبرامج الانتخابية، فإحدى مشاكلنا مثلا أننا دائما نفكر فى من يحكم مصر، والأصح أن نفكر فى من لديه قدرة على تغيير مصر والمصريين، لا تهمنى الأسماء ولا أنشغل بها على الإطلاق، يهمنى قدرات الرئيس فى إحداث تغيير ملموس.
 
■ لماذا تركت وكالة الفضاء «ناسا» لتقبل بمنصب مستشار الرئيس؟
 
- كان لدى أمل كبير أن أحدث فارقا، وأن أساهم فى نهوض هذا البلد من كبوته، ولست نادما على قبول هذا المنصب، ففى الفترة التى مكثت فيها فى الاتحادية اشتغلت على عدد من الملفات المهمة، وأظن أن أغلبها يستكمله المسؤولون الآن، منها استراتيجية تطوير التعليم وملف مياه نهر النيل، وبالمناسبة لم نتقاض مليما واحدا، وكنت أقطن فى أحد الفنادق على حسابى لأنه ليس لدى منزل فى القاهرة، وكنت سعيدا لأننى أقدم شيئا لبلدى، لكن أن يتهمنى البعض بعد ذلك بالخيانة لأننى قلت إن جهاز عبدالعاطى خرافات وخزعبلات هذا ما يحزن بشدة.
 
■ من ناسا إلى الاتحادية ما ذكرياتك عن هذه النقلة؟
 
- أنا أعمل فى قسم الكواكب البعيدة فى وكالة ناسا، وهو يعد قسم «صفوة الصفوة» داخل الوكالة، ولكى أن تتخيلى أن الفرق فى التكنولوجيا الموجودة فى مكتبى داخل وكالة ناسا والشارع الذى يقع خلف مكتبى فى واشنطن يصل إلى أربعين عاما، فلكِ أن تتخيلى ما هو الفرق التكنولوجى بين مكتبى فى ناسا ومكتبى فى الاتحادية فى مصر، والفرق هنا ليس فرقا فى التكنولوجيا وإنما فرق فى العقول والأداء أيضا، لكن الحق يقال كل من تعاملت معهم من المسؤولين كانت نيتهم طيبة ومخلصة لكن الأدوات غير موجودة والتنسيق منعدم، غير أنه فى بعض الحالات كنت أشعر أننى أمام كائنات فضائية من هذا النوع الذى نشاهده فى أفلام الخيال العلمى ولم أكن أصدق أن هؤلاء جزء من صناعة القرار فى مصر.
 
■ انتهت المدة المخصصة للإعلان عن نتائج جهاز القوات المسلحة الذى قيل إنه سيشفى من فيروس سى والإيدز ولم يخبرنا أحد بالجديد.. كيف ترى ذلك؟
 
- لن يخبرنا أحد أن هناك جديدا لأنه لم يكن هناك اختراع من الأساس ولا جهاز من الأساس لننتظر النتائج، إنما كانت خديعة كبرى وجهلا يندى له الجبين.
 
■ قلت إن الجهاز أكبر فضيحة لمصر، فهل كنت تقصد الجهاز نفسه أم المشهد العام والملابسات التى أحاطت بالإعلان عنه؟
 
- نعم أقصد المشهد العام، وكيفية تعامل دولة بقامة مصر وعظمتها مع العلم، وكيف أنها استهترت بالعلم لدرجة جعلت من ملابسات الإعلان عن هذا الجهاز وتصديره على أنه أبو الاختراعات العليمة أكبر فضيحة تمر على مصر، فالقصة ليست قصة جهاز واختراع كاذب، ولكن المعنى الأكبر هو ما كشفه لنا الإعلان عن هذا الجهاز من استهانة واستهتار وازدراء للعلم بل وللمواطن المصرى، فالمشهد كان كاشفاً على كل المستويات وأظهر حجم العطب الذى يصيب العقول والمؤسسات، المشكلة لا تكمن فى وعد المصريين بتقديم العلاج الشافى لهم بالكذب والخداع، والتلاعب بمشاعر ملايين المرضى التواقين لأى بارقة أمل، وعدم دفاع الدولة عن كرامة المصريين، إنما الفضيحة أن يشاهد رئيس الجمهورية ووزراء الدولة رجلا يعبث بأحلام المصريين فى الشفاء ويستغل ثقة مؤسسات الدولة ليبيع لهم الوهم، والفضيحة الأكبر هو الدفاع المستميت عن الجهاز من قبل عدد من الإعلاميين وتسويقه على أنه أبو الاختراعات والمخلص من الآلام فى مشاركة حقيقية من قبل هذه المنابر الإعلامية فى إهانة المصريين والتلاعب بهم، أما الفضيحة الأخطر على الإطلاق والتى تنبئ عن تدنى مستوى العلم والعلماء فى مصر هو دفاع بعض العلماء عن هذا الجهاز فى فضيحة وجريمة علميه هى الأكبر من نوعها على الإطلاق.
 
■ من هؤلاء العلماء؟
 
- لن أذكر الأسماء، لكن للأسف هم أسماء كبيرة جداً فى المجال العلمى والأكاديمى، رؤساء جامعات ورؤساء أقسام، لذا لم أبالغ عندما سميتها «فضيحة فى الوسط العلمى».
 
■ بما أنهم أسماء لها ثقل علمى فربما رأوا وقتها منطقا علميا فى الجهاز أو ربما رأوا الأمر من باب الجدل العلمى؟
 
- بل كانوا يريدون مجاملة القوات المسلحة والتقرب من المؤسسة العسكرية بتأييد هذه الخرافات، وكان يجب إقالة كل قيادات الجامعات الذين أيدوا هذا الاختراع، فكيف لأستاذ جامعى أيد اختراع عبدالعاطى أن يعلم ويدرس فى الجامعة، وكيف يكون قدوة لطلابه.
 
■ قيل إن الجهاز طبى ولا علم لك به فمن أين جئت برأيك؟
 
- هذا ليس رأيى الشخصى إنما باعتبارى مستشار الرئيس للشؤون العلمية شكلت لجنة متخصصة واستشرت عددا من الخبراء والعلماء فى الداخل والخارج، وأخذت رأيهم بشكل رسمى، ونظرنا فى براءة الاختراع التى قدمها عبدالعاطى، بل وأرسلنا فى طلب تقرير لجنة سويسرا التى أرسل لها براءة الاختراع، وكانت المفاجأة أن تقريرها نص على أن مقدم براءة الاختراع ليس له الحد الأدنى من التقنيات العلمية، وقد رُفضت براءة الاختراع، لم يكن رأيى سياسيا إنما رأى علمى ولم أصدر تصريحى إلا بعد ثالث مؤتمر صحفى لفريق الجهاز، بل وبعد حصولى على كافة التقارير العلمية بشأن تقييم الجهاز.
 
■ البعض قال إن إهانتك كانت موجهة للمؤسسة العسكرية وليس لجهاز فيروس «سى»؟
 
- إطلاقا لم يكن انتقادى موجهاً للقوات المسلحة، فهل القوات المسلحة هى التى استفادت من اختراع عبدالعاطى، أم أن عبدالعاطى هو الذى استفاد من انتمائه لمؤسسة عريقة مثل القوات المسلحة، بل واستغل وخان هذه الثقة الموضوعة فيه؟!.
 
■ بماذا تفسر الهجوم الشديد عليك وتصوير الأمر للرأى العام على أنك تقف ضد المؤسسة العسكرية؟
 
- لأن هؤلاء الأشخاص أنفسهم كان لهم دور فى إظهار هذا الجهاز على أنه اختراع، واتخذوا منه وسيلة للتقرب من المؤسسة العسكرية دون النظر إلى صورة البلد، وبالتالى موقفى كان كاشفاً لهم، وبصراحة شديدة كان يمكن أن أسكت فهو أمر مريح للغاية وأجنب نفسى المتاعب والهجوم، لكن هذا ليس من أخلاقى، فلدينا أكثر من ١٢ مليون مريض بفيروس سى وقد وعدت الناس ألا أكون جزءا من المتاجرة بآلامهم. كنت متيقنا من الهجوم علىّ، بل وكنت أعلم أن بهذا التصريح قد لا أكمل عملى كمستشار للرئيس.. لكن أى عالم عندما يخير بين العلم والسياسة يختار العلم وليس السياسة، وأنا دورى أن أظهر الحقائق للرئيس والمسؤولين وليس تضليلهم.
 
■ ما رأيك فى موقف نقابة الأطباء مؤخرا وتحويل الأطباء الذين اشتركوا فى الدراسات إلى لجنة التأديب؟
 
- قرار جيد، لكنه جاء متأخرا، وما يدهشنى أن مجلس الخبراء من العلماء سكت عن هذا الأمر مؤخرا. وأتساءل: اذا ما كانت صحة المصريين لا تهمهم فأى شىء أهم يمكن أن يدافعوا عنه، ويعلنوا موقفهم صراحة منه؟!
 
■ لماذا اختفيت تماما بعد هذا التصريح.. هل طلب منك الصمت؟
 
- لا ليس كذلك، لكن شعرت أن وجودى غير مرغوب فيه، بسبب تصريحاتى، حيث لم يكن الأمر مقصورا على جهاز الكفتة، فكانت هناك مشاهد كثيرة صادمة علقت عليها، وتحدثت فيها مع الرئيس، فعندما أرى مثلا أن مؤسسة القوات المسلحة تكرم ٣ من الشباب، وتقدمهم للرأى العام على أنهم رواد فضاء مصريون، وسيتم إرسالهم للفضاء فى مهمة علمية، وخرج علينا المتحدث العسكرى وقتها العقيد أحمد على معلنا أن الجيش يكرم ٣ من رواد الفضاء الذين تدربوا فى الجيش المصرى، ثم تنكشف القصة، ويتضح أنهم شخصيات قدموا فى مسابقة إعلانات لكى يفوزوا برحلة تحاكى رحلة الفضاء فى مدينة ملاهى، وقد صدّر المشهد للإعلام على أنه تم تكريم لعلماء فضاء تدربوا فى الجيش المصرى، ومنهم الرحالة عمر سمرة، وحجاجوفيتش، فهذا كلام لا يعقل، لأن تدريب رواد الفضاء يحتاج لوقت طويل، وليس أسبوعين، لذا لم أعد أحتمل العبث بالعلم والعقول، فامتنعت عن الظهور فى الإعلام بقرار شخصى، لأن المطالبة بالحق لا تكفى للحصول عليه، وأنا لم أكن فى معركة مع عبدالعاطى، فقد جئت من أمريكا لتحقيق أهداف محددة، تركت عملى فى ناسا وبيتى وحياتى لأركز فى الملفات العلمية وتطوير بلدى، وليس لمحاربة شخص استغل ثقة الجميع به.
 
■ ماذا قال لك المستشار عدلى منصور بعد تصريحاتك وما تبعها من جدل وهجوم شديد عليك؟
 
- كان تعامل المستشار عدلى منصور رصينا للغاية، لم ينفعل، وتقبل كل ما قلت بصدر رحب، فقد كنت أرى أن الموضوع ليس صغيرا، وأن هيبة الدولة تنهار تماما إذا آمنت بتلك الخرافات، تكلمت معه فى الموضوع، ووضعت على مكتبه ملفا رسميا كاملا موثقا بكل الأدلة والبراهين يحوى كل آراء العلماء والخبراء والتقارير الدولية، إلا أنه طلب منى أن ننحى الموضوع جانبا، ولا نتحدث فيه، وأن نركز فى استراتيجية تطوير التعليم.
 
■ أين هذا الملف الآن؟
 
- موجود فى سكرتارية الرئاسة.
 
■ إذن لماذا لم يدرس الرئيس هذا الملف ويعلن توقف الدراسة.. أم أنه يخشى تعريض نفسه ومؤسسة الجيش للحرج؟
 
- لا شك أن النظام السابق أخطأ، لكن كل الخطأ وكل العيب أن نستمر فى الخطأ حتى الآن، وإصرار النظام الحالى والرئاسة على الاستمرار فى الخدعة وعدم الاعتذار عنها ينم عن عدم اهتمام بصحة المصريين، بل إن عدم الاعتذار فيما يخص صحة المصريين يعد جريمة.
 
■ لننتقل إلى قضايا الشباب.. مع قرب العودة للجامعات وتوقع البعض عودة المظاهرات.. كيف ترى المظاهرات الشبابية.. وهل هى ذات أبعاد سياسية وأمنية أم أن هناك شقا اجتماعيا؟
 
فى رأيى مظاهرات الجامعة ليست كلها سياسية ولا أسبابها أمنية، هذا جزء صغير جدا من الصورة، ما يحدث سببه الفراغ الأكاديمى، لأن الطالب فى الجامعة لا يتعلم شيئا، ولا يعرف كيف يتعلم، وعندما يتخرج ترفضه سوق العمل، وللعلم كل الفساد فى الدولة بدأ فى الجامعات أولا، ثم انتشر فى باقى مؤسسات وكيانات الدولة، فلقد بدأ التوريث للوظائف فى الجامعة، وبدأ التطرف من الجامعة، فكل جامعة فيها مسجد، ولا توجد بها كنيسة، فأين هو تعليم التسامح، سوء العلاقة بين الرجل والمرأة بدأ فى الجامعة، عندما أصبحت النظرة لحب شاب لفتاة من المحرمات والموبقات وتعامل الأساتذه مع هذه العلاقة بازدراء شديد، فبدأ التحرش فى المجتمع.
 
■ ما هى رؤيتك لإصلاح ملف الشباب.. ومن أين نبدأ؟
 
- يجب أن تتحول الجامعة إلى مكان ومجتمع ريادى وقيادى، يكون نموذجا للتسامح والانضباط واستخدام المنهج العلمى، يحقق فيه مبدأ تكافؤ الفرص، على أن يتم اختيار رؤساء الجامعات على أسس علمية، وليس على أسس أمنية، فإذا ساهمنا فى تخلص الشباب من إحباطهم، فسنكون أمام قوة هائلة تستطيع أن تدفع مصر للأمام فى كل الاتجاهات، لكن إذا خسرنا الشباب، فلا يمكن أن تنصلح مصر، فيجب تحسين المدرسة والجامعة، يجب تشجيع الشباب، وليس إحباطهم والذم فيهم. فأنا أذكر أثناء وجودى فى «الاتحادية» كانت الأجهزة الأمنية تقدم تقارير للرئيس تفيد بأن هؤلاء الشباب الذين سيلتقى بهم الرئيس ضمن لقاءاته بأطياف المجتمع- يتناولون المخدرات، وأن الفتيات لديهن علاقات متعددة مع الرجال، وكلام من هذا القبيل فى تشويه واضح للشباب.
 
الشباب هو صانع المستقبل، وأندهش عندما أجد الإخوان يريدون عودة مرسى، وآخرين يريدون عودة مبارك، ومحبى ومؤيدى السيسى يرون فيه عبدالناصر! كيف لشعب لديه حنين دائم للماضى أن ينطلق إلى المستقبل، كفانا تفكيرا فيما سبق، وكفانا حنينا للماضى، ولنصنع مستقبلنا.
 
■ أين نقطة البداية.. وهل صناعة المستقبل تبدأ من الاقتصاد أم من الأمن؟
 
- لا.. بل من المرأة المصرية.
 
■ كيف؟
 
- لقد قلت للرئيس عدلى منصور وقتها، وما زال هذا هو رأيى وقناعتى أن إصلاح هذا المجتمع يبدأ من المرأة، فلا إصلاح إلا من خلال تعليم المرأة وتحسين أحوالها ما ينعكس على الأسرة بالكامل، هذا لا يعنى إهمال الاقتصاد، إنما أقصد أن يكون للمرأة الأولوية فى التنمية، فإصلاح أحوال المرأة اجتماعيا وصحيا وتعليميا يصلح معه حال الأسرة كلها، وبالتالى المجتمع.
 
■ بعض الناس يرون أن البلد لن ينصلح حاله إلا بتطبيق القانون.. فهل فعلا مشكلتنا تكمن فى عدم تطبيق القانون؟
 
- لن نصلح الناس بالعصا، فليس هكذا تبنى المجتمعات، بل لنقل إن البلد لن ينصلح حاله إلا بتعليم شعبه وإخراجه من دائرة الجهل.
 
المصريون متعطشون للتغيير. فقط لنبدأ. كل طفل إذا تعلم جيدا، فسيؤثر فى عائلته، وكل شاب إذا نال تعليما جامعيا حقيقيا، فسيسهم فى ضبط سلوك أسرته، وبالتالى نخلق مجتمعا سويا، وكل امرأة وفتاة تتعلم تنشىء جيلا واعيا. الشعب متعطش للتعليم بدليل أن الأسر المصرية تنفق معظم دخلها على تعليم أولادها، فالمليارات التى تنفقها الأسر المصرية على الدروس الخصوصية لا تعنى إلا رغبة فى تعليم أولادهم.
 
■ ما تقييمك لحال التعليم فى مصر؟
 
- التعليم فى مصر خدعة كبيرة، فلا المدارس تقدم تعليما، ولا الطالب يتخرج فى النهاية وقد تعلم شيئا، ومع ذلك الناس تعى، وتقدر قيمة العلم والتعليم، وأرى ذلك فى عيون وترحيب الناس بى عندما يقابلوننى، فهم يرون فى شخصى العالم الموجود فى وكالة ناسا، وليس مستشار الرئيس القابع فى الاتحادية. إذن العالم فى نظرهم أهم من السياسى.
 
■ هل تعتقد أننا نعى مشكلاتنا؟
 
- بالتأكيد، فنحن لسنا مغيبين، ونعى جيدا مشاكلنا، لكن نريد من يقودنا إلى التغيير وتحطيم عاداتنا وتقاليدنا البالية، فمثلا إمبراطور اليابان عندما تزوجت ابنته أقام لها احتفالا بسيطا جدا حضره ٦ أشخاص، وقد جهز الإمبراطور مائدة الاحتفال بنفسه.. لكن انظرى هنا إلى المسؤولين عندما يزوجون أبناءهم، فهم يتجهون إلى الأفراح باهظة التكاليف التى يحضرها نجوم السياسة والفن والإعلام، ما يجعل الشباب لا يثق بهؤلاء، ولا يعتبرهم قدوة، ما أدى إلى انفصال الشباب عن النخب والقيادات.
 
على الجانب الآخر، علينا أن نغير من ثقافة الشعب، ونقضى على بعض العادات والتقاليد البالية، فنحن شعب يهتم، وينفق على جهاز البنت والطاقم الصينى فى الجواز أكثر من اهتمامنا بتعليمها،عموما أى إصلاح سياسى واقتصادى إذا لم يقابله إصلاح تعليمى، فهو وهم، وانظرى إلى الصين تجدى أن أشد مبنى نظافة هو المدرسة، إنما هنا فى مصر تجدين الفنادق والكازينوهات والسفارات أشد المبانى نظافة، أما المدارس فتشبه المقبرة بالنسبة للأطفال.
 
■ هل ترى أداء الرئيس والحكومة يشجع على العلم والاهتمام به؟
 
- كل الدول والحكومات تشجع على العلم، لكن التشجيع على العلم شىء، وأن يكون من أولوياتى شىء آخر، فكنت أتمنى عند زيارة رئيس الجمهورية لأمريكا وإلقاء أول كلمة لمصر فى الخارج التى كانت عن التغير المناخى، وهو موضوع علمى كنت أتمنى أن يلتقى بالعلماء المصريين المتخصصين فى التغير المناخى أو حتى فى العلوم الأخرى، ولكنه التقى برجال الأعمال والمستثمرين، حتى الإعلام غير عابئ بالقضايا العلمية، فأخبار العلم فى مصر توضع بين صور العنتيل وهيفاء وهبى فى الصحف والمجلات، فهل يعقل ذلك؟!
 
■ هل يوجد أمل؟
 
- دائما هناك أمل، ولا مكان فى العالم للمحبطين، بل ليس لدينا رفاهية الإحباط. نحن دولة فى وضع حرج، ويجب أن نعمل ليل نهار، علينا أن نراجع أنفسنا، وأن نتوقف عن التفكير بالعاطفة، وأن ننظر إلى المستقبل، بل نصنعه بأيادى الشباب، وليدرك الرئيس أن الاستثمار الحقيقى والأهم، يجب أن يكون فى عقول المصريين، وأن ينفتح على شعبه، فرغم أن الرئيس السيسى أشار عدة مرات إلى أنه لا يوجد فاصل بينه وبين الشعب، ولكنى أقول له بأنه يوجد فاصل كبير، وأنه يجب أن يكون رئيسا لكل المصريين، فهناك أصوات تخشى أن تتحدث، وتسكن داخل جدار الخوف.
نقلاعن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع