بقلم: مدحت عويضة
أولاً أريد أن أوضح إنني ضد مهاجمة أي عقيدة وأحترم كل العقائد حتى تلك التي لا أجد شيئاً بها يجبرني على إحترامها, ولكني أحترمها لأن هناك أناس يؤمنون بها, وبما أنني أحترم هؤلاء البشر لا بد أن أحترم عقيدتهم، وأنا شخصياً ليس لدي أدنى مشكلة مع العقيدة الإسلامية ولكن مشكلتي هي مع الإسلام السياسي، ويشاركني الرأي جنب بجنب مسلمين كثيرين يهاجمون هذا الفكر بكل ما يملكون من قوة ومنهم من ضحى بحياته من أجل محاربة الإسلام السياسي، كفرج فودة وكثيرين ضحوا بحرياتهم وأفنوا حياتهم خلف القضبان أو تركوا أوطانهم وعاشوا غرباء كنصر حامد أبو زيد وصبحي منصور وكريم عامر.
وفي حروبنا الفكرية مع تيار الإسلام السياسي ولكوننا مسيحيين نواجه من أنصار هذا الفكر بما يرونه يبرر فكرهم من وجهة نظرهم ويتحدثون عن العنف في المسيحية أو الحروب في المسيحية معتمدين على آيات من العهد القديم حتى أن في دفاعهم عن حد الردة يقولون أن الردة موجودة في العهد القديم، و يذكرني أن في برنامج الإتجاه المعاكس والتي كانت الدكتورة وفاء سلطان طرفاً فيه والطرف الآخر أحمد بن محمد أستاذ السياسة الشريعة وهو جزائري الأصل وتداخل في الحوار أبو إسلام أحمد عبد الله من مصر وقد طرح أبو إسلام هذا الموضوع ولم يكن رد وفاء سلطان كافياً.
وفي حديثي عن الحروب والعنف في المسيحية أنا لا أناقش نصوص دينية بل أناقش فلسفة الفكر المسيحي, وأنا لا أنكر نص من نصوص الكتاب المقدس ولا أتلمص منه فالسماء والأرض تزولان ولكن كلمة من كلام الكتاب لن تزول.. ولنعود للعهد القديم من بداية إخراج الله لشعب إسرائيل من أرض العبودية وقيادتهم لأرض الميعاد (أورشليم الأرضية) وفي وصول الشعب اليهودي لأرض الميعاد كان عليهم أن يتجاوزا كل العقبات لتحقيق هدفهم ولتحقيق قصد الله، فدخلوا في حروب مع أجناس أخرى وكان الله يدعم اليهود في حروبهم حتى دانت لهم السيطرة على أورشليم وفي سبيل المحافظة على أورشليم الأرضية خاض اليهود حروباً كثيرة وكان الله يحارب معهم بجيوش من الملائكة.
ولما كانت الشريعية اليهيودية هي شريعة ناقصة وكان المسيح هو المكمل لهذه الشريعة وقد قالها على الصليب(قد أكمل) وبقدوم السيد المسيح تغيرت فلسفة العقيدة, فرفع المسيح أنظارنا من الأرضيات للسمائيات ولم يعد لأورشليم الأرضية أي قيمة ولم تعد هي الهدف بل أصبح هدف المسيحيين وأملهم ورجاؤهم هو الوصول لأورشليم السمائية، ليتغير فكر الحرب (حروبنا ليس مع دم ولحم بل مع أجناد الشر الروحية) فلم تعد الأرض وبما فيها لها أدنى قيمة في الفكر المسيحي، ولما كانت الوصول والمحافظة على أورشليم الأرضية يلزمه الدخول في حروب مع الغير أصبح الوصول لأورشليم السمائية يلزمه جهاد ضد مملكة الشيطان التي هي مملكة الشر، وباختلاف العدو إختلفت أدوات وأسلحة الحرب فلم يعد للأسلحة القديمة أو الحديثة أي قيمة في حروبنا بل أصبحت الجهاد جهاد مع النفس الأمّارة بالشر وجهاد ضد مملكة الشر وجهاد من أجل الخير ونشر الحب والسلام بين البشر، حتى أن المسيح يطالبنا بحب أعدائنا ومباركة لاعنينا والصلاة من أجل الذين يسئيون إلينا.
لقد سمت المسيحية بأخلاق البشر وأصبح كل العالم لا قيمة له، فالعالم سيزول وشهوته تزول معه، فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟، وخسارة النفس في الفكر المسيحي هي الحرمان من دخول أورشليم السمائية (ملكوت السموات)، ولكي يكسب المسيحي نفسه لا بد أن يتسلح بسلاح الحب وبدون المحبة يصير لا شيء.
أتمنى أن يتعلم جهابذة الفكر الوهابي الفصل بين المسيحية وبين الحروب التي يخوضها أشخاص محسوبين علي المسيحية، لأن هؤلاء وحتى إن كانوا مسيحيين فهم لا ينفذون تعاليم المسيحية، وأتمنى أن يفهموا الفرق بين العهد الجديد والقديم وفي عيد القيامة الذي هو عيد الحب والتضحية من أجل الحرية أتمنى للجميع عيداً سعيداً مصلياً أن ينعم العالم كله بالحب والسلام والحرية.