بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (523)
تعرضت أكثر من مرة لمشكلة إرث الفتاة أو المرأة المسيحية والغبن الواقع عليها من اتجاهين: الأول تطبيق قوانين الميراث طبقا للشرع الإسلامي الذي عطيها نصف نصيب الرجل, والثاني اغتيال الرجل لحقها بالكامل واغتصاب نصيبها وتركها لا حول لها ولا قوة… وقلت إن المخرج من الغبن الأول هو في النضال من أجل تشريع قانون للمواريث يتفق مع الشريعة المسيحية, بينما لم أجد مخرجا من الغبن الثاني سوي الرهان علي رجولة وشهامة الرجل أن يترفع عن استباحة حق الميراث لقريباته الإناث علي مختلف درجات قرابتهن, لأن البديل عن ذلك طريق مرير طويل في دهاليز القضاء والذي حتي إن أفضي إلي إعادة حق الأنثي المغتصب لها يتركها وحدها عاجزة عن تنفيذ الأحكام تتجرع القهر والمرارة.
وعجبت أشد العجب عندما اطلعت علي مسودة قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين,إذ بينما كنت أتطلع إلي تضمين القانون بابا خاصا بالمواريث وجدته يتغافل عن ذلك ويقتصر علي ما يخص شئون الزواج وتبعاته… فإذا كان الدستور ينص صراحة في مادته الثالثة علي أنه من حق المسيحيين الاحتكام إلي شرائعهم الخاصة في تقرير ما يخص أحوالهم الشخصية, ماذا يمنع المبادرة بشجاعة بإصلاح هذا الخلل وإعطاء المثل والقدوة لهذا المجتمع في مسيرته نحو التحديث والتنوير والتطوير بأنه يمكن ترسيخ المساواة الحقة بين الرجل والمرأة فعلا وتطبيقا وليس تشدقا بالعبارات الطيبة الزخرفية.
وسط هذا الواقع المحبط والذي استسلم للسائد دون محاولة تغييره جاءتني هدية أسعدتني تفضل بها علي الأستاذ فتحي راغب حنا المحامي بالنقض والدستورية العليا وهي مؤلفه بعنوان: أحكام وقواعد المواريث والوصية وفقا لأحكام الشريعة المسيحية- وأحكام الشريعة الإسلامية… ووجدت في هذا الكتاب ضالتي المنشودة إذ أمدني سيادته بالذخيرة التاريخية والقانونية التي زادتني اقتناعا -بل وإصرارا- علي إعادة إثارة قضية المواريث وإخراجها من ملف الأمور المسكوت عنها… وكلي أمل أن يتسلح أعضاء مجلس الأمة القادم بشجاعة اقتراح إصدار تشريعات تساوي بين أنصبة الذكور والإناث في المواريث للمصريين عموما وليس للمسيحيين وحدهم بحيث يتم رد اعتبار المرأة المصرية في هذا الخصوص.
أرجو أن تصحبوني في جولة بين جنبات هذا الكتاب القيم مع تفهم تركيزي علي تسليط الضوء علي ما يخص ترسيخ المساواة بين الرجل والمرأة في المواريث:
* * يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: المصريون المسيحيون كانوا يطبقون أحكام وقواعد الميراث المسيحية منذ دخول المسيحية مصر علي يد القديس مرقس الرسول, وظلت هذه القواعد معمولا بها لعديد من القرون… كما أن المصريين المسيحيين كانوا يطبقون أحكام وقواعد الميراث المسيحية إعمالا للأمر العالي الصادر بتاريخ 14 مايو 1884 المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 1927 الخاص بلائحة ترتيب واختصاصات مجلس الأقباط الأرثوذكس العمومي, والأمر الصادر في أول مارس 1902 بشأن الإنجيليين الوطنيين, والقانون رقم 37 الصادر سنة 1905 بشأن الأرمن الكاثوليك…
واستمر ذلك إلي أن صدر القانون رقم 25 لسنة 1944 ببيان القانون الواجب التطبيق في مسائل المواريث والوصايا مقيدا حق المصريين المسيحيين في تطبيق قواعد الميراث المسيحية بأن جعل تطبيق تلك القواعد متوقفا علي شرط موافقة الورثة علي تطبيقها… والجدير بالذكر أنه لا ينال من تطبيق تلك القواعد صدور القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية.
* * مصر العظيمة ليست أقل من سوريا التي أصدرت القانون رقم 7 لسنة 2011 بتطبيق قواعد المواريث والوصية المسيحية علي أبناء طائفتي الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس
* * ينص القانون رقم 25 لسنة 1944 في مادته الأولي علي: قوانين الميراث والوصية وأحكام الشريعة الإسلامية فيهما هي قانون البلد فيما يتعلق بالمواريث والوصايا علي أنه إذا كان المورث غير مسلم جاز لورثته في حكم الشريعة الإسلامية وقوانين الميراث والوصية أن يتفقوا علي أن يكون التوريث طبقا لشريعة المتوفي.
* * * الأسبوع القادم بإذن الله أستعرض ما جاء ضمن تشريعات وأحكام الوصية والميراث للأقباط الأرثوذكس, وكذلك لطائفتي الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس.