بقلم: شريف رزق
«الويل لأمة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لا تعصر»، هكذا يلخص لنا جبران خليل جبران الكثير من أسس بناء الدولة، والنجاة فى عالم عاصف شديد التقلب، كثير المنحنيات، فمن لا يستطع أن يكتفى ذاتياً ويحمى الوطن فسوف يتحمل العواقب.
يُعرف الاقتصاد بالاستخدام الأمثل للموارد، ومما لاشك فيه أن هذا التعريف لا ينطبق حتى الآن على الدولة المصرية، ومازلنا فى طور البحث عن الكفاءات البشرية التى تستطيع إدارة الوطن بطريقة أفضل لخلق مستقبل ذى سمات تتجه نحو التقدم. ولكن البحث عن تلك الكفاءات مازال عشوائيا ومتحيزا، إذ ليست المشكلة المصرية فى قلة الموارد، ولكن فى فقر الفكر، وهذا الفقر المستشرى يجعل الدولة المصرية غير قادرة على استشخدام الموارد، بحيث تصبح فى خدمتها، فمن المهين للعقل البشرى أن تدير دولة ما مشاريع وشركات، فهذه ليست وظيفة الدولة، وهذا الإهدار للمال والفكر المستمر منذ العهد الناصرى بات عبئاً يتسم بغياب المنطق والقدرة على التمييز.
لم يغير الواقع فى جميع أنحاء العالم سوى أصحاب الأفكار المبدعة، والإبداع هو حصيلة العشق والجهد البشرى. كان الكاتب الكبير توفيق الحكيم يقرأ يومياً 100 صفحة بأكثر من لغة، فهو لم يبدع فقط لموهبة فطرية فى الكتابة، ولكنه كان عاشقاً للفكر، وجاداً مجتهداً مدققاً، ومن ثَمَّ مبدعاً كبيراً.
والدول المتقدمة هى الدول التى تحسن استغلال الموارد البشرية، ولم نُجِدْ هذا حتى الآن. ومازلنا نخلط العمل بالعلاقات الشخصية، ونعطى الفرص ليس للأكفاء، وإنما للأصدقاء والمعارف والأقارب.
لا توجد معايير محددة فى الدولة المصرية فى أغلب الأماكن للحصول على وظيفة ما. ولا أعرف لماذا كان الجميع يعارضون توريث الحكم لجمال مبارك، إذا كان أغلبهم ينتهج نفس طريق التوريث، فكيف نصدق من يتحدث عن قيم لا يتبعها، وكيف يبشرون بما لا يفعلون؟ وبات من الواضح للجميع أن أغلبنا مورثون.
فلو نظرنا بتدقيق لوجدنا حالة من التوريث المستشرى فى كافة ربوع الدولة المصرية. ولو أردنا التغيير الحقيقى وليس الكلامى فعلينا أن نواجه أنفسنا بالحقائق حتى يتسنى لنا المضى نحو المستقبل.
لن يصلح حال الدولة المصرية حتى يصبح لدينا قيادات مبدعة فى كافة المناصب، فقد غاب عنا المحافظ النجم، والوزير النجم، ولم نعد نر أفكارا جديدة مطروحة على الساحة تنقذنا من هذا الوهم والعويل والصراخ والنقاشات الجوفاء التى حتماً لن توصلنا نحو طريق يجعل التقدم فى متناول اليد. والقيادات المبدعة تظهر حين تكون الكفاءة هى المحك الرئيسى، وقبل ذلك حين يدرك الفرد أن تولى المناصب ليس هو تحقيق الذات، ولكن ترك الأثر هو ما يجعلك فى مصاف الكبار يوماً ما، وعلى مر التاريخ لم يؤثر سوى هؤلاء العشاق المجتهدين، من أحبوا واجتهدوا فيما كانوا يعملون، النجاح لا يورث، ولو ظللنا هكذا فسوف نردد آسفين مع هاملت: «لقد أضعت الوقت، والآن الوقت يضيعنى».
sherifaq@gmail.com