الأقباط متحدون - عند السيدة زينب أُدرك سـر التفاؤل
أخر تحديث ١٦:٢٦ | الاثنين ٢ فبراير ٢٠١٥ | ٢٥ طوبة ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٦٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

عند السيدة زينب أُدرك سـر التفاؤل

ضريح السيدة زينب في القاهرة.
ضريح السيدة زينب في القاهرة.

كمال زاخر موسي
قبل اسبوعين كتبت عن أيقونة مصرية، الراحلة عُلا غبور، وما قدمته فى صمت للوطن بعيداً عن صخب الدعاية لتضيف إلى مسار الخير المصرى مساحات مضيئة، وقد آمنت بقضية الصحة فى دائرة الأورام ومعهدها القومي،

وانتبهت ولفيف من الرموز المصرية الوطنية إلى معاناة الأطفال فيها، التى يقصر المعهد عن استيعابهم، فسعوا معاً لتشييد مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال، بجهود ذاتية، تعيد الاعتبار للعمل المدنى الخيري، وكأنى القيت بحجر فى نهر ساكن، إذ توالت الدوائر تفجر طاقات الخير المصرية، لنكتشف مجدداً أن الجوهرة المصرية ـ أهل مصر ـ بخير، ومعدنها مازال صلباً عفياً نقياً، وإذا بى فى معبد تتسع جدرانه باتساع مصر، محاطاً بما لا يحصى من الأيقونات المنيرة والمشعة والتى تعمل فى صمت وحب وجدية.

ووجدت إجابة عن سؤال يحاصرنى إينما وليت وجهي؛ لماذا أنت متفائل، فى لحظة مرتبكة وغائمة؟، هل انت متغرب وحدك عن المدينة المشتعلة والمحتقنة؟، وجدت الإجابة فى حى السيدة زينب العتيق، الذى تتلاقى فيه القاهرة التراثية، مع إبداعات تقنيات العصر الحديث.

كانت الإجابة تتشكل أمام سور مجرى العيون الذى يقف شامخاً يحكى عبقرية المكان والزمان، والقلعة التى تطل عليه فوق ربوة عالية ترقب أحوال البلاد والعباد، وفى موقع «السلخانة» التى رحلت فى اطار تخطيط عمرانى للعاصمة، كانت الإجابة صرح طبى يحكى مع كل حجر وجدار حكاية الإنسان المصري، الصلابة والتخطيط والإيمان الصوفى والبحث العلمي، مستشفى 57357

وداخل اسواره تتلاحق الحكايات التى تفسر وتدعم وتحيى قيمة التفاؤل، وتكشف سر قوة مصر وصمودها أمام الأنواء. تعبير مستشفى لا يكفي، فالمكان موقع يضم، بجوار العلاج المتخصص، قطاعاً للبحث العلمى الملتزم بالقواعد والضوابط المنظمة له، ومدرسة تغطى مراحل التعليم قبل الجامعي، حتى لا ينقطع المرضى داخله عن مسار التعليم، فمشوار العلاج يمتد الى ثلاث سنوات، بين الإقامة الدائمة والتردد فى مواعيد محددة، ويضم تدريبا مستداماً لطاقم التمريض أكاديمياً وعملياً حتى صارت محل طلب من مستشفيات عالية المستوى داخل مصر وخارجها على المستوى القارى والإقليمي.

وعندما تتجول بين اروقة هذا الصرح تجدك وقد انتقلت الى مدينة للأطفال يتوافر فيها كل ادوات الترفيه والتثقيف والألعاب الإلكترونية المناسبة لمراحلهم السنية، يخدمها جوقة من الشباب المصرى المحمل برسالة إنسانية وطنية، يقودها، الأستاذ الدكتور شريف أبو النجا، الذى تماهى مع المشروع، يحدثك عنه فى وجد وعشق، تحمله أحلامه بتطوير لا يتوقف، وثقة فى التحقيق تكاد تصل الى حد اليقين، يؤكد أن الصحة والتعليم مسئولية مجتمعية وليست حكومية، وأن مشروعنا هذا، كنموذج، من ألفه إلى يائه أحد انجازات المجتمع المدني

وعلى جدرانه وأقسامه ومعداته تطالع أسماء المتبرعين تطوف بك بين المؤسسات الكبرى والشخصيات العامة والشركات الاستثمارية والقامات الدينية، حتى قاعة المحاضرات الكبرى التى احتوتنا مقدمة من هيئة الشرطة، وكنا نتابع عبر تجهيزاتها التقنية تفاصيل المشروع وتطوره واقسام المستشفى وعدد الأسرّْة والمرضى وجداول تطور الأداء، ونسبة الشفاء التى تجاوزت 72% وتسعى لتكسر حاجز الـ 80%، والإصرار على البحث العلمى وتطويره، وتخصيص مبنى كامل للبحث العلمى على ارض جديدة على امتداد موقع المستشفى خصصتها محافظة القاهرة مؤخراً لها.

يحكى لك الدكتور شريف عن المرأة التى تفترش الأرض وأمامها «فرش» من الخضراوات التى تبيعها فى احد الشوارع الجانبية هناك، جاءته وهو يتابع أعمال الإعداد لبناء المستشفي، وقد ظنها تستعطي، فإذا بها تخرج من طيات ملابسها ما جمعته من قروش ادخرتها تبرعاً منها للمشروع، ليجدهم «خمسة جنيهات إلا ربعاً»، وعن ذلك الرجل الذى تجاوز الثمانين من عمره، وأصر على مقابلة مدير المستشفى ليودعه ما تبقى لديه من مال، 400 جنيه، وهو يشعر بدنو أجله، يتأكد وقتها من يقينه بأن هذه هى مصر.

تستغرقك الأرقام التى تجد ترجمتها وأنت تتجول بين اقسام المستشفى لتجد أن غالبية الأطفال وأسرهم من البسطاء، وعندما تسأل ذويهم عن كيفية دخولهم تجد إجماعاً انهم تقدموا للكشف بالعيادات الخارجية بالمستشفى وتم قبولهم فوراً دون واسطة أو نفوذ وبالمجان تماماً، مع توافر الرعاية الاجتماعية والغذائية، والمتابعة حتى بعد الخروج من المستشفي، ويسرى هذا أيضاً على الحالات القادمة من الدول العربية الشقيقة. المستشفى يضم العيادات الخارجية والخدمات يخدم450 مريضًا يومياً وست غرف عمليات بنظام اليوم الواحد لـ 150 طفلا، وأبراج القسم الداخلى 180 سريراً، ويتوزع الأطفال المرضى على طوابق المستشفى وفقا للسن؛ الطابق الثالث للأطفال حتى خمس سنوات، والرابع من خمس إلى عشر سنوات والخامس لأكبر من عشر سنوات.

تطالعك معلومات البداية بالتخطيط للمشروع حيث بدأ 1999 بعمل مناقصة لدراسة الجدوى فازت بها هيئة أمريكية متخصصة فى التخطيط الصحي، ثم قامت بدراسات مكثفة لمدة 6 أشهر، وكانت التكلفة المبدئية للمستشفى فى المرحلة الأولية 70 مليون دولار، تترجمها جمعية اصدقاء معهد الأورام إلى واقع ويبادر ستة من رجال الأعمال المصريين بالتبرع بستة ملايين جنيه، ويتم تنظيم حملة قومية للتبرع، ويفتح أول حساب مصرفى فى بنكى مصر والأهلى برقم 57357 يتسمى به المشروع، ويتحول إلى رمز للعطاء والانتماء، يفتتح 7 يوليو 2007. فى طريقك تلتقى ببنات طبيبات مصريات نذروا أنفسهن للبحث العلمى لتطوير العلاج وفك اسرار المرض بدأب ورضا، وشباب من الأطباء يتعامل بحنو وإنسانية مع الأطفال، وإدارة لا تعرف غير التخطيط مدخلاً والانضباط مساراً والبحث العلمى منهجاً.

مازالت ترجمة الطموحات قائمة، إنشاء ملحق جديد للمستشفى بسعة 300 سرير، ومركز أبحاث لتطوير طرق العلاج وتحسين نسب الشفاء، واكاديمية تدريب لعلوم الرعاية الصحية لإعداد جيل جديد بمهنية عالية الجودة، إقامة دار ضيافة لإقامة أسر المرضى مجاناً طوال فترة العلاج. كانت كلمة السر فى نجاح هذه المنظومة، التى يقودها بحكمة ومصرية صميمة الأستاذ الدكتور عمرو عزت سلامة رئيس مجلس امناء المستشفي، هى الحب والانتماء والتخطيط والشفافية. الست محقاً فى تفاؤلى؟!.
نقلآ عن الاهرام


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter