الأقباط متحدون - الملك سلمان أنقذنى من عقوبة الجلد!
أخر تحديث ١٥:٤٢ | السبت ٣١ يناير ٢٠١٥ | ٢٣ طوبة ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٦٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الملك سلمان أنقذنى من عقوبة الجلد!

 مفيد فوزى
مفيد فوزى

 الرجل «موقف»، والثبات عليه يتطلب قناعة عقلية بصواب موقفه، وقوة روحية يستعين بها على المشككين فى الموقف، وفى السياسة لا توجد مواقف ثابتة فهى متغيرة من سطح صفيح ساخن يصل حد الغليان إلى درجة الصفر من البرودة يصل حد الصقيع والتجمد، والقيم الكبيرة كثيراً ما تكون من شيم النفوس الكبيرة رغم أن للسلطة بريقاً يعمى الأبصار كثيراً، وللسلطة فعل السحر فى تغيير النفوس، ولكن بعض الناس فى قمة السلطة لا يتغيرون مثل سوار الذهب «السودانى» وزايد بن نهيان «الإماراتى» وعدلى منصور، والسيسى - حتى الآن - وسلمان بن عبدالعزيز الذى أعرفه شخصياً منذ أن كان «أميراً» للرياض، وسلمان هو الأقرب فى المملكة إلى رجال الإعلام فى الوطن العربى، وما من رجل إعلام دخل السعودية إلا ويعرفه أمير الرياض، وقد تعرفت على «الأمير» سلمان من خلال شقيقه الأمير بدر بن عبدالعزيز، نائب رئيس الحرس الوطنى وقتئذ، وقد التقيت «الأمير» سلمان ثلاث مرات.

 
■ المرة الأولى: العدل الممكن
 
بترتيب خاص بين قيادة الحرس الوطنى وإمارة الرياض - إبان مناسبة «الجنادرية» المهرجان التراثى الثقافى السعودى- تمت زيارة لأحد لقاءات أمير الرياض سلمان بن عبدالعزيز وناس الإمارة من الشاكين والشاكرين، وطلب الأمير بدر أن نذهب نحن الاثنان «يوسف إدريس وأنا» إلى هذه الاصطباحة، وكلف جلال معوض - الإذاعى الكبير - بالاطمئنان على وصولنا، وكانت تربط جلال معوض صلات عميقة ببدر بن عبدالعزيز، أتذكر عبارة للأمير بدر قالها لنا: «ستكتشفون ديمقراطية وعدالة لها طعم آخر»، ودخلنا القاعة الكبرى فى إمارة الرياض نجلس كضيوف على مقربة من الأمير الذى تحول إلى «أذنين مصغيتين» للأنين والشكوى، بصبر يشكو منه الصبر، وفى السعودية فقر لا يلمحه الزائر السائح ولكنه فقر لا يصل إلى حد العدم، وجاء رجل تدل ملامحه على البشر، جلس أمام الأمير سلمان شاكياً باكياً، وفتح أحد معاونى الأمير ملفاً وهمس فى أذنه: «ضبط هذا الرجل يسرق البضاعة من المحال العامة» وسأله الأمير «كم مرة سرقت؟» قال الرجل «5 مرات طال عمرك»، عاد الأمير يقول «عندك استعداد تتوب يا بوى؟» قال الرجل: «بدى بيت وشغل» قال الأمير لمعاونه: بيت وشغل، لكن معاون الأمير سلمان أوضح: «نراقبه سموك لما يتوب» قال الأمير: «هذا الرجل لن يتوب عن السرقة إلا إذا وفرنا له سكناً وعملاً، وساعتها إذا ضبط سارقاً دخل السجن لإصلاحه»، تهامسنا يوسف إدريس وأنا، قلت: «أسلوب تحويل الشر إلى طاقة خير» قال يوسف بثقة وعيناه تلمعان: «شيئان يمنعان الجريمة عند الإنسان السوى: ضمان اللقمة وضمان العمل».
 
جاءت حالة أخرى لامرأة تشكو زوجها للأمير «لأنه لا ينفق عليها» وهى تطلب الطلاق، وقال الأمير: بتنكدى عليه كل يوم؟ قالت بخجل من وراء نقابها: «بيصرف على ضرتى أكتر» قال الأمير موجهاً الكلام للزوج: العدل مقابل الحياة معك، حتى الشرع يفتى بذلك. قال الزوج: لن تصل إلى هنا شاكية يا طويل العمر.. وانصرفا، كان تعليق يوسف إدريس: «الطلاق على حافة الظلم».
 
■ المرة الثانية: العتاب الحميم
 
كانت المرة الثانية التى أرى فيها الأمير سلمان بن عبدالعزيز.. فى القاهرة، كنت قد كتبت عنه كلمات فى باب سماعى الذى أكتبه ومازلت فى صباح الخير، من بين ما كتبت «إنه أمير تغلب عليه صفة الفرسان، فهو فارس عربى شكلاً وموضوعاً»، لا أتذكر سبب لقاء «الأمير سلمان» بـ28 كاتباً من مختلف الاتجاهات، كان اللقاء فى قاعة رسمية آمنة، جلسنا نسأل «سلمان عبدالعزيز» وهو يجيب، وبالعودة إلى قصاصات أوراقى عن المناسبة سجلت على لسانه بعض أفكاره، منها «مخططات الغرب عدائية تجاه العرب» وأتذكر أن سؤالى للأمير سلمان، كان «خطأ من فى فهم الإسلام؟ خطأ الغرب أم خطأ الأمة العربية؟ وقال الأمير بحسم: «خطأ الأمة الإسلامية التى لم تستفد من أدوات التكنولوجيا لتوصيل صحيح الإسلام»، ومن أفكاره «تهميش آراء الشباب حتى الغاضبة منها ليس صحياً»، ومن أفكاره «أن بناء جيل جديد من القيادات أمل أى مجتمع متطور»، وأضاف: أؤمن للشباب بنية تحتية راقية توفر لهم التجارب الرائدة».
 
فيما بعد كان للأمير سلمان بن عبدالعزيز «مركز الأمير سلمان للشباب» وأطلق استبياناً لاستطلاع رأى الشباب السعودى فى كل أمور المملكة، وانتهى الاجتماع الذى استمر ساعتين ونصفاً، وأثناء الخروج ذهب البعض- وأنا منهم - يصافح الأمير، الذى انتحى بى فى ركن هادئ وقال: «أشكرك على ما كتبت عنى، ولكن لابد من تصحيح» وبدهشة سألته «هل وقعت فى خطأ»؟ قال: هذا «ما هو عتاب، إنما تصحيح معلوماتك»، وأصغيت. قال الأمير سلمان: «إنت قلت علىّ من باب الإشادة - إن لى زوجة واحدة فقط والحقيقة غير ذلك، وتعلم أن الإسلام يبيح التعدد»، قلت: نعم أفهم ما تقول، عاد يقول ضاحكاً: «على طريقتك التليفزيونية اسمح لى أصحح لك».
 
■ المرة الثالثة: إنقاذ من عقوبة الجلد
 
كنت قد كتبت مقالاً فى «العالم اليوم» بعنوان «تربية دادات» أثار غضباً ولغطاً، تناولت فيه قضية استخدام العمالة الآسيوية كمربيات فى البيت الخليجى، وقلت إن الأطفال فى البيت الخليجى يتأثرون بثقافة مختلفة عن ثقافتهم وطقوس أخرى غير الطقوس العربية وعادات وتقاليد أخرى غريبة عن البيت السعودى والخليجى عموماً، وقد تشيع هذه العمالة فساداً ما بسبب رخص أجورها، حتى إن أسرة ما فى بلد عربى تناقلت الإيدز من خادمة آسيوية، وقلت: لابد من التحذير الشديد للبيت العربى من هذا الخطر الوافد. بعد نشر المقال الذى أصاب كبد الحقيقة وربما أزعج البعض، هاتفنى الأمير طلال بن عبدالعزيز، العقل السعودى المتفتح قائلاً: «تحذيرك فى مكانه»، ووصف المقال بأنه «تربوى»، لكن البعض لم يرق لهم «اهتمام كاتب مصرى بشؤون البيت الخليجى السعودى» وكتب عبدالله الجفرى- الكاتب السعودى من أصول يمنية- مقالاً ضدى شخصياً، ووصف المقال بأنه «إهانة للبيت السعودى»، وطالب الجفرى فى مقال آخر بعنوان «امنعوه من دخول بلادنا»، وكانت النتيجة أن طالبت إحدى الهيئات فى الرياض بجلدى 41 جلدة عقاباً لى على «إهانة المرأة السعودية» وأنا الذى أنطوى على احترام كبير للبيت السعودى ولأسرتى علاقات وثيقة بأكثر من أسرة سعودية، ومن فرط اللغط الذى أحدثه المقال، خرجت مجلة سعودية نشرت صورتى على غلافها ورسمت باللون الأحمر (x).
 
فما كان من الإعلامى الكبير عماد الدين أديب، صديق أيام الأحلام الأولى، إلا أن دعانى لبرنامجه الشهير على شاشة أوربيت على الهواء للرد على العقوبة بالجلد، وعلى من أطلقوا صيحة «امنعوه من دخول بلادنا»، ولم أتردد فى الذهاب لعماد أديب لسببين، الأول: قناعتى بما كتبت، خصوصاً أنى على علم بتجاوزات خادمة فلبينية كانت تعمل فى بيت الدكتور أحمد شفيق، وانتبهت د. ألفت السباعى للأخطاء، السبب الثانى: أن المقال المنشور فى جريدة ضمن مؤسسة يملكها الأستاذ عماد أديب، ذهبت وظهرت على الشاشة وواجهت من يرفض ما كتبت جملة وتفصيلاً، ومن يؤيد الرأى ويكتم اسمه، ومن يدافع عن وجهة نظرى ومنهم سعوديات مثقفات حصينات، يومها قلت إن الخادمة الآسيوية قد تقيم علاقات مع أولاد سيد البيت وتخفيها عن العيون، وتكلم فى البرنامج سفير سابق عن مغامرات آسيوية حسناء مع أزواج فى بيوت اشتغلت فيها حتى قامت - بعد افتضاح أمرها - السفارة التابعة لها بترحيلها إلى بلادها، كان عماد أديب - باقتدار - يدير دفة الحوار ويعطى مساحة من الهواء قناة سعودية لمن وقفوا ضدى ومن وقفوا معى بلا انحياز. قبل انتهاء البرنامج بدقائق حدث اتصال تليفونى مفاجئ من الرياض فإذا به «سمو أمير الرياض» يطلب سفرى بعد يومين ولقاءه شخصياً، وكانت هذه أول «إشارة» رداً على صيحة «امنعوه من دخول بلادنا» وصفعة للغلاف الذى شطب صورتى. بعد البرنامج طلب عماد أديب الأمير سلمان الذى حادثته وشكرته على موقفه الشجاع، فقال: «لا تنزعج من صحيفة أساءت لك فهى لا تعبر عن وجهة نظر رسمية سعودية». ذهبت صباح اليوم التالى للحصول على تأشيرة دخول للسعودية وسافرت بتذاكر السعودية واستقبلت من إدارة المراسم والتشريفات، وبعد يوم من إقامتى جاءنى من اصطحبنى إلى مكتب الأمير سلمان فى إمارة الرياض، وحول فناجين القهوة العربية المرة كان حوارنا وسمعته يقول: «الآراء نسبية يا أخ مفيد والكل يستقبلها حسب مفهومه»، ويقول: «الحقائق دائماً صادمة»، ويقول: «سلاحك القوى كصاحب قلم قناعتك بالرأى»، ويقول: «للصحافة أمراض منها الإثارة» ويقول: «لا أحد يمنعك من مجيئك إلينا». لاحظت خلال المناقشة أن عدسات التليفزيون السعودى تسجل اللقاء كخبر لنشاط الأمير اليومى واستقبالاته، وداعبنى الأمير سلمان بقوله: «الآن باستقبالك فى بلادنا لن تنفذ فيك عقوبة الجلد»، سألته لم العقوبة يا سمو الأمير؟ قال سلمان بن عبدالعزيز: «لأنك فى اعتقادهم أسأت إلى البيت السعودى مع أنى أرى المقال تحذيراً للبيت الخليجى من الإسراف فى استخدام العمالة الآسيوية دون إشراف»، خرجت من إمارة الرياض سعيداً وقد تغير المناخ تماماً، واتصل بى فى الفندق رئيس تحرير المجلة إياها، وطلب أن أذهب إليه لفنجان قهوة قائلاً: «صافى يا لبن» فقلت: «مش حليب يا قشطة».
 
من جهة أخرى، كنت فخوراً بعقل سعودى هو أحد أعمدة الحلم السعودى، سلمان بن عبدالعزيز، الرجل الذى يملك مساحة للفهم وتربطه علاقات متميزة مع كل أو معظم كتّاب الوطن العربى وصحفييه.
 
■ سيلفى مع ابن الأمير سلمان
 
وفى حفل أنيق دعيت فيه من سفير المملكة فى مصر الذكى أحمد قطان احتفاءً بوزير السياحة السعودى «محمد بن سلمان» وعندما جمعتنى فرصة اللقاء به قلت له أمام السفير السعودى: «إن لوالدك موقفاً حضارياً معى لا أنساه»، كان هذا والأمير سلمان ولى عهد المملكة، وإذا بالأمير الوزير يفاجئنى وهو يقول: «نتصور معاك سيلفى لأريه الصورة».
 
■ الملك سلمان بن عبدالعزيز
 
.. وبسلاسة بلا أى صراعات علنية أو مكتومة «تروج لها أصابع الحقد» جاء سلمان بن عبدالعزيز آل سعود «ملكاً» للمملكة، وتصدر الأحفاد المشهد، فمنذ دعيت وأنا أعلم أن الأسرة السعودية الملكية تتم مناقشتها خلف الأبواب، فإذا خرجوا كان الاتفاق على رأى واحد يحترمه الصغير قبل الكبير وتحسم «البيعة» القرار، وبالعدل والعدالة منهجاً، وبالفهم والموضوعية أسلوباً يسير الملك سلمان على درب عبدالله بن عبدالعزيز.. فى شارع «العروبة» من داخل عباءة الخليج «مؤمناً» بدور الشقيقة الكبيرة مصر كوصية مؤسس المملكة عبدالعزيز آل سعود، الذى صار تراب هذه الأرض يحمل اسمه، والتاريخ شاهد من أول «كسوة الكعبة» إلى دعم مصر المعطاءة.
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع