مثقفون من العالم كله، يقدر عددهم بـ417 ضيفا على المملكة العربية السعودية في مهرجان الجنادرية وذلك منذ عدة أعوام. كانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أصافح فيها الملك عبد الله بن عبد العزيز وأن أراه عن قرب، وذلك عندما دعانا لتناول طعام الغداء على مائدته في القصر الملكي.
ما أثار انتباهي في هذا اللقاء هو حرصه، رحمه الله، على أن يبقى واقفا ليصافحنا جميعا. الأقرب إلى طبيعة الأمور هو أن نصافحه وهو جالس، إن مصافحة هذا العدد الكبير من الضيوف أمر مجهد بالفعل، وخاصة أن عددا منا كان يتوقف معه لدقائق ليعرض عليه موضوعا ما. كان الرجل يستمع برحابة صدر.
لماذا عرّض الملك الراحل نفسه في هذه المرحلة من العمر لكل هذا الإجهاد؟
أخذت أفكر باحثا عن إجابة، كانت الإجابة التي وصلت إليها هي: ما يحدث أمامي الآن هو مفتاح شخصيته.. إنه الإحساس القوي بالواجب. هؤلاء الناس ضيوف المملكة ولكنهم الآن ضيوفي في بيتي، وهو ما يحتم أن أقف للترحيب بهم، ليس مهما أن ذلك يتطلب مني جهدا كبيرا، الأكثر أهمية هو أن أؤدي واجبي. في تلك الليلة حكيت لصديقي مشاري الذايدي عن المشهد وقلت له إن الإحساس بالواجب هو ما يحرك الملك عبد الله بن عبد العزيز بوجه عام.
الإحساس بالواجب هو ما يفسر إصراره على الوقوف بجوار مصر والمصريين والدفاع عنها في مواجهة كل من كان يتهم النظام في مصر بأنه انقلاب على الشرعية. لقد أدرك الرجل بحكمته وبعد نظره أن المصريين جميعا هم الذين تخلصوا من حكم الإخوان، هذا قرار المصريين وليس قرار الجيش المصري.
أحد زعماء جماعة الإخوان، قال في إذاعة «BBC» إن الحكومة (الانقلابية) في مصر أفسدت علاقة الجماعة بالسعودية، وإنه على المملكة بعد وفاة الملك عبد الله أن تعيد صلتها بالجماعة، قالها وكأنه يصدر أمرا لأعضاء جماعته.. الواقع يا عزيزي أن علاقة الجماعة بالسعودية انتهت عندما وقفتم مساندين ومؤيدين لصدام حسين بعد احتلاله للكويت. بعد أن اكتشفوا أنكم تقفون معهم ليس بقلوبكم بل بجيوبكم.. ابتعدوا عنا يا سيدي.. ابتعدوا عن علاقة مصر بالسعودية.. لا أنتم ولا غيركم قادر على إفسادها.
الملك عبد الله بن عبد العزيز توفاه الله، أما السعودية فستعيش إلى الأبد بفضل الله وبفضل حكام من رجال الدولة.
نقلا عن الشرق الاوسط