الأقباط متحدون - أربعينية وأفتخر
أخر تحديث ٠٠:٥٧ | الاربعاء ٢١ يناير ٢٠١٥ | ١٣ طوبة ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٥٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أربعينية وأفتخر

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

منذ أن أتممت عامي الأربعين وقد بدأ نضج جليّ في مشاعري ووعي بذاتي وإدراكي لنفسي والحياة ألاحظه، فقد رأيت أبوابًا من البصيرة تفتح عليّ علاها الصدأ، وكنت قد تركتها لشعوري بالعجز أمامها في حينها، ولكن مع تراكم الخبرات والتجارب في حياتي انزلج مزلاج الصعاب ورأيت النور ينبثق ببطء منها ويسطع بريقها شيئًا فشيئًا وتشرق شمسها على فؤادي.

فكم من الآلام مررت بها وذرفت دموع الخيبة والحسرة والندم من غصّة القلب على شبابي المُهدر من قرارات متسرعة ومشاعر مجروحة ومصير مجهول أواجهه، ولم أكن أعلم أن الحبّات المذروفة من الدمع لآلئ ستسطع في حياتي في وقت لاحق من حنكة في تدبّر الأمور وثبات على المبادئ ووضع كل مقال في مقامه.

تذكرت مخاوفي الأولى في العشرينيات من عمري إن يتقدم بيّ العمر وتغزو التجاعيد وجهي ويذبل جمالي الخارجي "وهو ما تلقنته عبر وسائل الإعلام بتوجيهها للكريمات المضادة لتقدم العمر أو لعمليات التجميل، وكأن المرأة وجه فقط وليست روحًا وعقلاً"، وهو ما كنت أختبئ خلفه لعدم ثقتي بنفسي، فأنا وجه بدون روح وبدون تلامس حقيقي مع من أنا وما هي مخاوفي أو شغفي في الحياة، وأنا هنا لست ضد الاهتمام بالمظهر الخارجي، فأنا شخصيًا أهتم بجمالي ولكن أصبح ليس على حساب عقلي وقلبي، ولكن سرعان ما تبددت تلك المخاوف أمام خوفي من ألا أكون نفسي وألا أسعى لتحقيق أهدافي في الحياة حتى ولو بشق الأنفس وتحدي الصعاب اليومية الاعتيادية التي تعيق تحقيق ولو حلم واحد وضعته في وجداني، كقراءة كتاب أو دراسة جديدة تضيف لحياتي ولو أمرًا صغيرًا، فقد أعطيت كل ذي حق حقه ونال وجداني وعقلي نصيب الأسد.

توالت على ذاكرتي سنوات شبابي الأولى وبحثي المستميت عن منابع السعادة من اختيار زوج وإنجاب أطفال والبحث عن عمل يدر من المال ما يكفي ويزيد حتى لو تطلّب الأمر التنازل عن بعض الحقوق، كالعمل أيام العطلات الرسمية أو التغيب عن حضور المناسبات العائلية لامتلاك الأشياء (وما أدراك ما أهمية الأشياء) والعيش الرغد والتنعم برفاهية الحياة.

وحتى لا يظن القارئ أني أعيب في كل ما سبق -لا سمح الله- انتظرني قليلاً، فلا عيب ولا ضرر في كل ما ذكرت، ولكن الخطأ الوحيد أني توهمت أن بهذه الأشياء تُملأ الحفر العميقة في نفسي وروحي، وأانها منبع السعادة، لكني أدركت أن السعادة بداخلي ولكني كنت أجهل كيفية التشغيل، وأني كنت لا أجيد استخدام كتيب التعليمات الصحيح.

لقد استعدت السعادة عندما وضعت الأمور في نصابها الصحيح، وكان تأثيرها طيبًا في نفسي بعد أن أيقنت أن الصحة والعائلة ليستا أمرًا مفروغًا منه، وأن الحياة ليست مدينة بشيء لي.

فهل هناك أجمل من مكالمة تأتيك من صديق قديم باعدت بينكما المسافات لكن بقي ما في القلب يقربكما؟! ما هو أروع من كلمة تقدير تقال في غيابك وتصل إليك مغلّفة بالحب دون هدف أوغرض! هل هناك أدفأ من مقابلة تتلاقى فيها مع نفسك وأنت مع غيرك؟

لم يكن بالأمر السهل أن أصل لتلك القناعات؛ لقد تطلب مني الأمر أكثر من عشرين عامًا، أكثرهم خبرات مؤلمة دفعتني أن أؤدي دوري تجاه نفسي من بحث وقراءة ودراسة من جديد، ليس بهدف التخرج من الجامعة والتباهي بالدرجات النهائية، ولكن للتعامل والتعايش الذكي مع آلام الحياة، وفي حقيقة الأمر أني ممتنة وأشعر بالرضا لعامي الأربعين؛ لقد علّمني أن أسعى لما يشعرني بالسعادة وليس ما يظهرني بذلك، يدفعني للانطلاق والتحرر من توافه الأمور إلى أجملها وأبسطها وأن أحرص على دقائق السعادة وأسجّلها وأحفرها في ذاكرتي، فهي ما تمد يد العون لي أوقات ضعفي ووحدتي وانكساري وهي ما تدفعني أن أستمر للحصول على المزيد من النضج والوعي والبحث، وأن أصل لعمق الأمور وأختبر جمالها وإن تكبدت العناء، فأحيانًا كثيرة تختفي الكنوز في أعماق البحار.

ولا يسعني إلا أن أفتخر بسنواتي الأربعين أنها قادتني عبر رحلة من المكاسب والخسائر وألا أقبل بأن أكون فقط زوجة وأمًا وأصدّق كذبة أن جمال الحياة يكمن في مقتبل العمر، وأن توسع مداركي وأفكاري فتح أبوابًا من النعم لم تكن تخطر في بالي، وإلا كنت اختبرت الموت قبل أوانه عندما يذبل جمالي أو يكبر أبنائي ويشقون طريقهم في الحياة، وأشعر أنني دون فائدة أو أن مهامي في الحياة انتهت، فأجلس بائسة أختبر الموت ولا أعلم أن الحياة مستمرة بانتظاري، وأن أسعد من خلالها وأن أقدّم المزيد.

نقلا عن نون دوت نت


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع