- سامي حرك: انقلاب يوليو أسس لدولة عسكرية دينية نعاني منها للآن.
- رفعت فكري: النظام يستخدم الدين لتحقيق أغراضه.
- هاني الجزيري: المادة 2 هي كارت أخضر لتهديد غير المسلمين.
- صلاح الزين: مصر هي مصر لا عربية ولا إسلامية.
- أشرف راضي: النظم الاستبدادية لا تؤسس لدولة مدنية.
تحقيق: عوض بسيط – خاص الأقباط متحدون
الحديث عن طبيعة الدولة في مصر، أصبح أشبه بالمعادلات الرياضية، فلا يوجد نص واضح في الدستور يوضح هوية الدولة، بينما ينص على أن الإسلام هو دين الدولة وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، مما جعل التصريحات الرسمية تتخبط أحيانًا، فمثلاً عندما قال رئيس الوزراء د. أحمد نظيف إن مصر دولة علمانية، وكان ذلك على هامش المنتدى الاقتصادي "دافوس" في مايو 2006، جاء رئيس البرلمان د. فتحي سرور لينفي ذلك! أما الإخوان المسلمون فلهم وجهة نظر مختلفة حيث يدعون لدولة "مدنية ذات مرجعية دينية"، بينما يتبنى غالبية الأقباط مفهوم الدولة المدنية..
لذا فقد رأينا أنه من الضروري التحاور مع عدد من مفكري مصر في محاولة لحل اللغز..
الدولة المدنية هي دولة المواطنة
وهذا هو رأي السيد سامي حرك المحامي، الذي يرى أن الدولة المدنية، في الأساس، هي عكس الدولة القبلية، لكن تطور المفهوم السياسي لها لتكون دولة الحقوق المتساوية لكافة مواطنيها، عكس الدولتين العسكرية والدينية، حيث يكون للقادة العسكريين -في الأولى- وضع خاص، ولرجال الدين -في الثانية- مكانة عليا فوق رجال السياسة.
ويُضيف حرك أن دولة المدينة، أو الدولة المدنية، نشأت في أوربا، وحاول محمد علي تطبيقها في مصر، واستكمل أولاده بناء مؤسسات الدولة المدنية، والتي اكتملت باعتماد دستور 1923، حيث عاصر المصريون دولة مدنية حديثة من ذلك الوقت حتى حدث انقلاب يوليو 1952، فنشأت دولة عسكرية دينية نعاني منها حتى هذه اللحظة !
عالمانية وليست مدنية
أما القس رفعت فكري فيرى أن المصطلح الأصح هو "الدولة العلمانية" فـ "المدنية" من "المدينة" أما "العالمانية" فهي تعني "العالم" الذي يتطلب منا التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق كما يقول د. مراد وهبة.
ويستطرد فكري: يتخوف النظام من الدولة العلمانية لأن معظم أفراد النظام تحكمهم نظم دينية، ولأن النظام كثيرًا ما يستخدم الدين لتحقيق مآربه الخاصة، وذلك لعلمه أن الدين يلعب دورًا كبيرًا وخطيرًا في أدمغة الأغلبية.
النظام يتخوف من الدولة المدنية
أما الناشط القبطي هاني الجزيري فيرى أن الدولة المدنية هي التي تستقي دستورها وقوانينها من فكرة مصالح المواطنين جميعًا، ليس أغلبية ولا أقلية ولكن مبادىء عامة تنطبق على الكل بلا تفرقة، فما يتردد عن أن الأقلية لابد أن تنصاع لهوى الأغلبية فهو كلام مغلوط، فالأغلبية في الانتخابات فقط وليس في الحق الدستوري، لذلك فمصر بعيدة كل البعد عن الشروط العامة للدولة المدنية التي يكون دستورها وقوانينها في خدمة كل الشعب وليس فئة معينة.
ويضيف الجزيري: النظام يتخوف من الدولة المدنية نتيجة لسيطرة الإخوان وطالبي تطبيق الشريعة على مؤسسات الدولة كلها تقريبًا، وكثيرًا ما تحني الدولة رأسها لهذا الفكر، أو تغض البصر وهذا أضعف الإيمان، وأحيانًا كثيرة نجد الدولة هي المتحمسة لهذا الفكر وتكون شديدة الالتزام به! ولا ننسى جلسة الحجاب في مجلس الشعب والتي كشفت عن عورات النظام وانشقاقه بداية من رئيس مجلس الشعب الذي أخطأ دون أن ينتبه في حق زوجة الرئيس، وأخطأ فى حق المسيحيات، والمسلمات اللاتي لم يتحجبن بعد.. ولننظر إلى الأحكام التي صدرت ضد ماريو وأندرو لنتأكد أن الدولة المدنية اغتالتها هذه الأحكام بيد من أصدروها.
مصر دولة مدنية مشوهة!
الكاتب والمفكر صلاح الزين يقول إن الدولة المدنية هي الدولة التي بها أحزاب وتداول سلطة، وعدم سيطرة رجال الدين على الحكم، ففي الدولة المدنية شيخ الأزهر موظف لدى الحكومة، أما في الدولة الدينية فرئيس الحكومة موظف لدى شيخ الأزهر! لذا فنظيف كان يعي ما قال عندما صرح أن مصر دولة عالمانية.
ويضيف الزين: لذلك مصر دولة مدنية ولكنها مشوهة! إنها أشبه بالإنسان المعوق الذي يرفض أن يعترف بإعاقته! وقد عرفنا الدولة المدنية منذ 1805 عندما تم اختيار محمد علي واليًا على مصر، فمع أنه غير مصري، إلا أنه كان اختيارًا حُرًا، تمامًا مثلما اختارت أمريكا باراك حسين أوباما رئيسًا لها، وهذا لا يحدث إلا في دولة مدنية.
الدولة المدنية ضد الحكم الفردي
أما المحلل السياسي أشرف راضي فيرى أن مصر دولة مدنية ولكن في حدود، فقد دأب الحديث أن الدولة المدنية لا يحكمها العسكريون أو رجال الدين، وجوهرها قانون مدني يشرعه نواب منتخبون من خلال سلطة تشريعية لا تستمد مرجعيتها من مرجع ديني وتنطبق على الكل، لذلك فمصر دولة مدنية منقوصة الجوهر، فليس عندنا مثلاً قانون موحد للأحوال الشخصية يعامل كل المصريين سواء.
ويضيف راضي: المشكلة في مصر أن النظم الاستبدادية لا تؤسس لنظم مدنية، لأن هذا يرتبط باستقلال سلطة التشريع ومراقبتها لسلطة التنفيذ، لذلك فالدولة المدنية تؤثر على الحكم الاستبدادي الفردي.
كارثة اسمها المادة الثانية!
وعن مدى تأثير المادة الثانية يقول صلاح الزين: هي كارثة ولابد أن تُلغى، ولكن ذلك لن يحدث بسهولة وليس عن طريق الأقباط، ذلك لأنها في الأصل ليست موجهة ضدهم، ولكنها موجهة للمشرع المصري، وفهي حتى ليست موجهة للقضاة، وليس لهم أن يستخدموها في أحكامهم بل مرجعيتهم هي نصوص القوانين.
كذلك يرى القس رفعت فكري ضرورة إلغاء تلك المادة لأنها ضد الدولة العلمانية فالعلمانية تدعو للنسبية بينما المادة الثانية تدعو للمطلق.
بينما يراها هاني الجزيري "الكارت الأخضر" الذى يمر من خلاله كل خلل ينخر في الدولة المدنية وفي تهديد غير المسلمين، مثلاً في شهادة المسيحي والمرأة، وفي تفريق أطفال المرأة المسيحية عنها بطريقة لا تخلو من ازدراء المسيحية، حينما يُقال "يجب أن يتبع الأبناء الدين الأصلح وهو الإسلام".
ويراها أشرف راضي تشديدًا لاتجاه ديني على حساب اتجاه آخر، ففي حالة الاختلاف بين المسيحيين يلجأ القاضي للشريعة الإسلامية! لذلك فأي قانون مدني تعرقله المادة الثانية.
مناورة إخوانية مكشوفة!
وعن دعوة الإخوان لدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية يقول حرك: إنها مناورة! والتفاف يبطل الأساس الذي تقوم عليه الدولة المدنية، فهي لا تقبل المرجعيات ولا الخصوصيات، وفكرة الدولة المدنية بمرجعية دينية هدم للفكرة التي أساسها -فقط- المواطنة!
ويؤيده الزين الذي يؤكد: مصر هي مصر لا عربية ولا إسلامية، والإخوان لا يقولون الحقيقة!
ويتفق معه الجزيري ويؤكد: مهما يستخدموا من ألفاظ ومن تعبيرات فهم لن يخدعونا مرة أخرى! فهدف الأخوان واضح لا لبس فيه ونحن ضدهم على طول الخط.
أما فكري فيرى أن الحل هو المطالية بالدولة العالمانية حيث من المستحيل أن يقولوا "عالمانية بمرجعية دينية"!.
هل يؤمن الأقباط بالدولة المدنية؟!
وعن مطالبة الأقباط بالدولة المدنية يقول الجزيري: ربما لتحجيم الإخوان أو رفض المادة الثانية، فيمكن أن يكون مطالبتهم بالدولة المدنية هو فعلاً رد فعل وطريق غير مباشر لرفضهم للمادة الثانية، حيث إنهم يخشون حتى الجهر بهذا المطلب العادل جدًا، ويطالبون به من خلال دولة مدنية.. ولكن إيمان الأقباط بالدولة المدنية غير خالص، ويشوبه القصور في بعض الأوضاع الخاصة بالأحوال الشخصية.
من حقهم أن يخافوا!
أما الزين فبواقعية يقول: من حق الأقباط أن يخافوا من الإخوان المسلمين، فلهم مبرراتهم المنطقية، فالإخوان يهددون مستقبل الأقباط، ولكنهم في الوقت ذاته توقفوا عند الخوف ولم يتحركوا إيجابيًا، فعلى سبيل المثال، احتل الإخوان 88 مقعدًا من مجلس الشعب رغم أن عددهم لا يصل لعدد أصوات الأقباط، فلو كان عدد الإخوان وصل إلى ثلاثة ملايين، فالأقباط لديهم خمسة ملايين صوت انتخابي يمكن أن تغيير اتجاه أي انتخابات.
أحكام الطلاق
أما راضي فيرى أن الأقباط بالفعل يخشون قيام الدولة الإسلامية لذلك هم مع الدولة المدنية ولكن بشكل عام، وتظل المشكلة في الأحوال الشخصية، فجمهور الأقباط له موقف سلبي من أحكام الطلاق، وهو ما ينافي فكر الدولة المدنية.
ويوضح راضي: أنا لست ضد التطبيق الديني، ولكن هذا مكانه الفردي وليس العام.
اختلاف قبطي!
ولفكري وجهة نظر مختلفة فيقول: المسيحيون ليسوا كتلة واحدة، فالأغلبية تبحث عن هويتها الدينية وتريد تأكيدها، وبالتالي فهم ضد العالمانية، أما الأقلية من المسيحيين فهم يرون أن الدولة العالمانية هي حصن الأمان للمجتمع ككل، من الإخوان ومن المادة الثانية.
الكل مستفيد!
ويرى حرك أن الأقباط وكافة الفئات كالمرأة والنوبيين، تستفيد من وجود الدولة المدنية، حيث لا يوجد تمييز أو مكانة خاصة لأي من مواطني الدولة المدنية، عكس ما نراه بنسب متفاوتة، رغم محاولات العلاج الموضعي القاصرة.