الأقباط متحدون - غيبوبة
أخر تحديث ٠٠:٤٦ | الاثنين ١٩ يناير ٢٠١٥ | ١٣ طوبة ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٥١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

غيبوبة

بقلم: ليديا يؤانس

أصوات كثيرة مختلفة النغمات تطن في أذني،   ناس تتكلم،    البعض أعرفهم من أصواتهم والبعض لا!
 
أصوات أجهزة،  البعض يصفر والبعض يسجل رنات،   هل أنا أحد رواد الفضاء داخل مركبة فضائية؟   
 
لا .. لا .. أنا لا أستطيع أن أفتح عيوني،  ولا أتكلم ولا أتحرك،  خراطيم كثيرة البعض يدخل بسوائل وأدوية داخل جسدي والبعض يخرج بسموم من داخل جسدي،  أريد أن أستنشق الهواء من أنفي أو فمي ولكنهم كاتمين علي نفسي بجهاز علي ما أعتقد بحكم عملي كطبيبة أنه جهاز التنفس الإصطناعي ليعوضني عن التنفس الطبيعي.
 
هل أنا في غيبوبة؟ 
ربما .. وربما يريدون الإبقاء علي حياتي،   ولكن لا أعلم لماذا! 
كنت أتمني أن يعُطوني قبلة الحياة أثناء إحتياجي لها وأنا في وسطهم وليس الآن!
 
ناس كثيرين رايحين جايين مش قادرة أتعرف عليهم من أصواتهم لأنهم عمرهم ما سألوا عني،  عمرهم ما حسوا بأنني إنسانة مثلهم وعلي رأي المثل الدنيا من غير ناس ما تنداس!   
كنت أتمني أن يرفع  أحدهم التليفون ويقول "هالو" حتي في المناسبات العامة أو الدينية، نحن إخوتك في هذه الحياة ونريد أن نتواصل معك.
ولكن للأسف الدنيا وآخداهم وإنعدام الإنسانية جعل أحاسيسهم مُتبلدة والأنانية أعمت عيونهم وقلوبهم،  بالتأكيد بعضهم كانوا يسألون عندما تكون لهم مصلحة معي!
 
ولكن مالهدف من كثرة هذه الزيارات وأنا جثة مُلقاه علي الفراش؟  
هل هوّ تأنيب ضمير؟ 
هل هيّ صحوة إنسانية؟ 
هل هوّ حب إستطلاع؟
هل يأتون إعتقاداً منهم بأنهم سينالون بركات إلهية بزيارتي؟
المهم كل واحد يخرج من عندي يمصمص شفايفه ويبدي الحصرة والألم علي ما وصلت إليه حالتي،  يتكلمون عني ويصفون حالتي للقريب وللغريب.  
  
بصراحة  أنا لو قادرة علي الحركة أو الكلام لكنت أمسكت بالمقشة وطردتهم وأجبرتهم علي إحترام خصوصياتي وخصوصاً أنه لم يكن لهم أي عمل محبة حينما كنت في وسطهم،   والمثل يقول،  إللي ما يبكي علي وأنا حي يوفر دموعه وقت ما أموت!
 
البعض منهم عرفتهم من أصواتهم،  هذه طنط فُلانه فعلاً كانت تحبني ودائمة السؤال عني وأجدها بجانبي في ضيقاتي،  أنا مُمتنة جداً لمحبتها وعملها الإنساني معي،  وأعلم جيداً أنها مُتألمة من أجلي.
 
آه وهذا صوت أمي بالتأكيد قلبها مُلتهب ويحترق من الألم علي رقدتي في غيبوبة،  في بعض الأحيان كنت أفتقدها ولكنها تعيش في بلد آخر،  ولكن حتي لو بعدت المسافات بين الأحباء فإن المشاعر الدافئة تعوض بُعد المسافات!
 
آه وهذا صوت رجل يصلي ويمسح جبيني بشئ،   علي ما أعتقد أنه زيت،   أكيد هذا هو الكاهن يؤدي عمله كما أوصاه الكتاب بزيارة المرضي ودهنهم بالزيت،  ولكن ياأبونا أنا الآن في عداد الموتي، لا أريد صلواتك ودهاناتك،  كنت أتمني إهتمامك ورعايتك وأنا معكم وليس الآن.
 
آه وهذا صوت أخي،  لماذا جئت الآن؟  أنا لست محتاجة لك سواء من قبل أو الآن!  أنا فقط كنت أود أن أشعر بمحبتك وإهتمامك، ولكنك كنت مجرد من المشاعر الإنسانية حينما طلبت منك أن ترفع فقط التليفون وتسأل عني وتحسسني بدفء محبتك في وسط صقيع حياتي،  للأسف كانت ردودك سخيفة وقميئة جرحت قلبي قبل أذني،  "أنا مشغول" البيت والأولاد وزوجتي والشغل!    أحسست ساعتها أنني تقيأتك لأنك حتي لم تراعي المشاعر الإنسانية ولا علاقة الدم التي بيننا،   في حين أنني كنت أعتبرك أبي بعد أبي الذي خرجت للحياة بعد أن ذهب هو للآخرة.
 
آه وهذا صوت واحدة كنت أعتقد أنها أقرب صديقة لي،   بكل بجاحة جاءت لتمثيل محبتها أمام الآخرين،   وتداري علي خيانتها وخداعها لي،   أو ربما تخشي من العقاب الإلهي لما إقترفته في حقي بأن تبني سعادتها علي تعاستي.
 
آه وهذا صوت واحد،  قُمتُ بتدريبه علي العمل معنا،   وكان رد الجميل أن إستخدم أساليب قذرة ملتوية وأخذ وظيفتي،   هل جاء ليشكر ربنا علي أنني في غيبوبة الموت،  فلا يشعر بتأنيب الضمير لسرقته وظيفتي،  وإن كنت أشك في أنه عنده ضمير اصلاً.
 
بالتأكيد أنا في غيبوبة الموت وأنتم أيضاً في غيبوبة هيّ غيبوبة الحياة!!!
 
ولكن أنت يا سيدي وإلهي وخالقي .. هل أنت أيضاً في غيبوبة؟
 
إسمح لي بدالة البنوة أن أتكلم معك،   أليس أنت من يقول هَلُم نتحاجج  ..  نعم ياسيدي هَلُم نتحاجج!
كلمني عن أحكامك،    ولا تقل لي أفكاري ليست كأفكارك،    نعم أفكارك يصعُب عليّ إستيعابها،   ولكن كنت أتمني أن تُهديئ من العواصف العاتية والأمواج العالية التي وضعتني في الجب الأسفل في ظلمات الحياة،   كطفلة تتدلل علي أبوها كنت أتوق إلي أن تهديئ نفسي لكي أكُف عن الإلحاح عليك بأن تريني عجائبك في حياتي.
للأسف أنا الآن في غيبوبة الموت ولكن أريد أن أعاتبك حتي وإن كان فات الميعاد .. هل أنت مستعد أن تسمع مني ياقاضي القضاة ولا ستعطيني القفا! 
 
في عالمنا المؤلم هذا .. أين أنت يارب؟  
بما أنك إله قادر ومحب ورحوم إذن لماذا الحياة مأسوية هكذا؟  
هل فقدت التحكم في العالم أو مازال كل شئ في قبضة يديك؟   
ماذا تريد أن تقول لنا يا من نقشتنا علي كفك؟   كلمنا عن أحكامك لتخفف من وطأة الحياة علينا.
 
تقول أحببتكم وبذلت نفسي من أجل محبتي لكم،  هل من يحب كل هذا الحب يسمح بأن يري الخليقة تئن وتتألم هكذا؟
ألم تؤلمك دموعنا وتأوهاتنا؟ 
هل تسعد بحفظ دموعنا في ذق عندك؟  
نحن لا نريد أن تحفظها عندك،   ولكن أن تمسحها وترسم بدلاً منها بسمة علي شفاهنا تسعد حياتنا.
تقول أعددت لكم ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن في الحياة الأخري،   نعم ياسيدي هذا في الحياة الأخري،   ولكنني أتكلم عن حقي مثل إخوتي في هذه الحياة،   نعم أنت أمين وعادل ولكن يدك ثقلت علي!
أبعدت عني معارفي وجعلتني رجساً لهم،
أبطلت بهائي وقصرت أيام شبابي،
لأنني قد فنيت بسخطك وبغضبك إرتعبت.
 لماذا إتقد عليً نار غضبك؟
لماذا إختفيت وسط ضيقي؟ 
أين مراحمك التي وعدتنا بها؟
 
لقد تعلقت بك وسلمت حياتي بين يديك وقلت لك يارب أنت ملجأي، أنت نوري وخلاصي،  لأنك تقول لأنه تعلق بي أنجيه أرفعه لأنه عرف اسمي،  يدعوني فأستجيب له معه أنا في الضيق أنقذه أمجده.
 
دعوتك كل يوم يارب،  بسطت يدي متضرعة إليك،  أسودت ركبتاي من الركوع إليك، وجهي ملتصق بالأرض ساجدة لك،  كنت أتمني أن تحقق لي شيئاً مما طلبته منك.
صليت كثيراً،  بكيت بُكاءاً مُراً،  وصرخت إليك مراراً،  ولكنك سددت أذنك وليس بمستجيب! 
ألست أنت يا سيدي القائل،   أسألوا .. أطلبوا .. أقرعوا يُفتح لكُم!
لماذا لم تحقق وعودك؟  
لا تقُلْ لي في وقته أُسرع به لأن وقتك غير وقتي،    ولأن وقتي إنتهي وأنا الآن في غيبوبة الموت!
لا تقل لي أفكاري غير أفكارك لأنني سأقول لك وأين حقي مثل باقي البشر!
لا تقل لي سأعوضك في السماء،  سأقول لك أفلعلك للأموات تصنع عجائب!  
 
عموماً ياسيدي الرب يا قاضي القضاة أنا خلصت كلامي،  وواثقة إنك فهمت رسالتي،   وأشكرك علي أنك استمعت لضعفي،  وأشكرك علي  إنني الآن في غيبوبة الموت.
وأشكرك لأنه سوف لا ترتفع علي سكاكين المتدروشين والمدافعين عن الإلهيات والتكفيريين والمُفتيين،  وحتي لو كفروني أو أصدروا أحكامهم سوف لا يضرني شيئاً لأنني في غيبوبة الموت فأنا علي الأقل أحسن حالاً مما هم في غيبوبة الحياة!!! 
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter