في مراحل ما قبل التاريخ، وفي عصور الإنسان البدائي القديم، كان هناك تقليد شائع هو «التهام الأب» وذلك عندما ينتابه مرض يقعده عن النشاط. الأب في هذه الحالة هو شيخ القبيلة، عندما يكتشف أبناؤه الشبان ضعفه وعجزه، يقتلونه ثم يأكلونه ليس بدافع من الوحشية ولكن لرغبتهم في الحصول على قوته ومهارته. وفي هذه الحالة بالطبع يرثون نساءه وحيواناته ومكانته العالية. وفي بعض ألفاظ السباب الحالية في جنوب مصر يقال لشخص ما «يا واكل ناسك»، وأذكر أن الشاعر أمل دنقل رحمه الله قال لى إن الطفل الذي يولد بعد وفاة أبيه كانوا يصفون بأنه «أكل أبوه»
وتمر عشرات آلاف السنين ولا تختفي هذه العادة بل تأخذ شكلا مختلفا هو التمرد على السلطة الوالدية في مرحلة المراهقة. عندما يدخل الطفل في مرحلة المراهقة تبدأ انفعالات التمرد على الأسرة في الاستيلاء عليه وتطغى عليه رغبة قوية في الخلع عن الأسرة «detachment» وهو ما سيحقق له الاستقلال وتكوين أسرة جديدة. في هذه المرحلة يكون المراهق أقرب إلى أصدقائه بعد أن ينجح في التحول إلى عضو داخل جماعة في الشارع أو في المدرسة أو في الجامعة لا تسيطر عليها أوامر الأسرة ونواهيها.
هذه هي المرحلة التي تهبط فيها الجماعة الدينية أو السياسية المتطرفة على الشاب المراهق لتجنيده.
ليس غريبا إذن أن جماعة الإخوان المسلمين اختارت كلمة «أسرة» لخلاياها. هي تعطي للمراهق أسرة بديلة لا يعاني من أوامرها وتعليماتها. وبذلك يشعر بأكبر قدر من الارتياح والانسجام مع حياته، يكفي أن أسرته الطبيعية جاءت به إلى هذه الدنيا المتعبة، أما أسرته الثانية فهي تعدّه لدخول الجنة.
ومع الأيام يبدأ ذلك الطفل في التوقف عن النمو. جسمه فقط سينمو أما عقله ومعارفه فسوف تحصل جميعا على إجازة مرضية طويلة. هو ليس في حاجة إلى التفكير، لذلك تجف منابع الفكر عنده لعدم حاجته إليها. تماما كأي عضلة نكف عن استخدامها. والأسرة الإخوانية لديها أفكار جاهزة يستطيع أن يغترف منها ما يشاء عندما يشاء. حتى أسرته الثانية ليست مطالبة بالتفكير في شيء، هناك من يفكر لها وهو مكتب المرشد العام. وحتى عندما وصلت الجماعة إلى الحكم في مصر في غفلة من الزمن أو في غفلة من المصريين أو في غفلة منهما معا، لم يكن رئيس الجمهورية مسؤولا عن اتخاذ أي قرار، كل القرارات كانت تنزل عليه من مكتب المرشد العام.
جماعة الإخوان المسلمين المصرية التي أنشأت لها فروعا في العالم كله، هي التي خصّبت الأرض لكل الجماعات المتطرفة التي تحولت في نهاية الأمر إلى قتلة مجرمين.
أما السادة السياسيون الهواة في أوروبا وأميركا فإنى أقول لهم، عدد كبير منكم يعرف توجهاتي الفكرية، مستحيل أن يتهمني أحد بمعاداة الثقافة الغربية.. ولكن اسمحوا لي أن أتكلم بعد طول صمت لأقول: والله العظيم حضراتكم مش فاهمين حاجة.. ولا عارفين إيه اللي بيحصل في مصر ولا في المنطقة.. ولا حتى عندكم.