بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها(521)
ضرب الإرهاب اللعين فرنسا, وشاهد العالم جريمة بشعة بكل المقاييس عندما اقتحم ثلاثة إرهابيين مقر صحيفةشارلي إبدو وأمطروا من وجدوه بوابل من رصاص أسلحتهم فأردوا 12قتيلا غير المصابين…تم ذلك بغتة وسط صيحات الإرهابيينالله أكبر…انتقمنا للرسول في إشارة إلي تصفية حسابهم مع رسامي الصحيفة ورئيس تحريرها الذين نشروا رسوما كاريكاتورية مسيئة للإسلام.
لسنا مع أي شكل من أشكال الإساءة للأديان أو جرح مشاعر أي إنسان في معتقده الديني,لكننا أيضا لسنا مع استفحال الإرهاب والعنف والقتل تحت مسمي الدفاع عن الدين, وسيظل دوما طريق الدفاع عن أي دين هو إظهار سماحته وسلوك أتباعه مسلك الحكمة والتعقل وعدم مبادلة الإساءة بالإساءة…وبئس الاعتقاد الخاطئ المضلل أن من ارتكبوا تلك الجريمة خدموا دينهم أو ذادوا عن كرامته أو من قتل فيهم أثناء إلقاء القبض عليه بواسطة الشرطة قد استشهد في سبيل الله, فلم يأمر الإسلام-أو أي دين آخر-بالقتل أو باستباحة أرواح الناس تحت أي مسمي أو هدف.
الآن تستنفر فرنسا لمواجهة الإرهاب ويستنفر معها العالم الغربي فترفع درجات الاستعدادات الأمنية إلي مستويات قصوي وتعقد المؤتمرات الرئاسية لتنسيق الجهود نحو مواجهة ومجابهة التطرف والعنف…ونحن نرقب ذلك كله متعجبين-لكن غير شامتين…فحاشا أن يشمت أحد في بلوي أصابت غيره-فبالقطع لم تفاجأ فرنسا أو سائر دول أوروبا الغربية وأمريكا بما حدث,لأن التهديدات الصادرة عن المتأسلمين لا تنقطع وتيارات التشدد الديني تجول بكل حرية دون اعتراض ودعوات التطرف وتكفير المجتمع تمرح باسم حرية التعبير ولا أحد يلتفت إلي صيحات التحذير من مغبتها…والعجيب أن خطاب التطرف وتكفير المجتمع والحصن علي محاربته يظل مسكوتا عنه باسم حرية التعبير وذودا عن حقوق الإنسان بينما من يصدر عنهم ذلك الخطاب لايعترفون بحرية التعبير السائدة إذا اقتربت منهم أو تعرضت لخصوصياتهم!!
طالما خرجت صيحات التحذير من منطقتنا تحذر دول أوروبا الغربية من تنامي الأصولية والتطرف لديها وأنه يلزم الالتفات إلي مظاهر معاداة المجتمع والانفصال عنه لأنها مقرونة بمحاربته وتكفيره…طالما صدرت التقارير والدراسات عن مؤسسات تتبع تلك الدول تسجل تنامي الإرهاب وتحديه الصارخ للمجتمع والدولة والقانون…طالما أشارت أصابع الاتهام إلي عناصر بعينها من المهاجرين الذين أتوا إلي دول أوروبا الغربية هربا من دولهم الأصلية وحصلوا علي الهجرة والإقامة والملاذ الآمن-بل وفي أحيان كثيرة استفادوا من قوانين اللجوء وإعانات البطالة والعلاج والخدمات- وفي النهاية بعدما استقروا واطمأنوا وشبعوا انبروا بالهجوم علي تلك الدول التي آوتهم واستباحوا تكوين التيارات والمجموعات الأصولية بدعوي تقويم المجتمع وهدايته-ليس بالموعظة الحسنة لكن بالحرب والعنف والإرهاب!!
ولا أنسي عندما ضرب الإرهاب العاصمة البريطانية لندن
منذ عدة سنوات وتم تفجير مترو الأنفاق بها وتزامن معه تفجير أتوبيس في أحد شوارعها مما أدي إلي هلع وترويع البريطانيين-والعالم معهم- أن وقف توني بلير رئيس الوزراء البريطاني وقتها ليقول:إن علينا أن نراجع السياسات والتشريعات المتسامحة التي أدت إلي تسلل هذا الإرهاب إلي بلادنا وتمتعه بملاذ آمن وبحرية حركة تحت سمعنا وبصرنا…لكن هل تمت المراجعة المذكورة؟…أبدا لم تتم واستمر توحش الإرهاب في بريطانيا حتي أن جماعة الإخوان المسلمين الدولية-الإرهابية-اتخذت من بريطانيا مركزا لها بديلا عن نقاط ارتكازها في منطقتنا وعلي رأسها مصر في أعقاب ثورة 30يونية….
وبعد لجوئها إلي هناك بلغ بها الصلف وغطرسة القوة أن أعلنت عن وجودها وبدأت تمارس إرهابها من العاصمة البريطانية,الأمر الذي دعا ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الحالي إلي تكليف المخابرات البريطانية بإعداد تقرير عن نشاط هذه الجماعة وطبيعته…كان ذلك منذ نحو عشرة شهور وإلي يومنا هذا لانعرف ماذا حوي ذلك التقرير وماذا فعلت به بريطانيا,لكننا نعرف ونتابع نمو الأصولية والتطرف والإرهاب في غرب أوروبا بشكل لا يصدق!!
الخوف كل الخوف أنه مع استمرار تقاعس دول غرب أوروبا-وفي مقدمتها إنجلترا وفرنسا وألمانيا…
وغيرها-عن الضرب بيد من حديد لاستئصال هذا الإرهاب وقطع الطريق عليه,فإنها تغامر إلي درجة خطيرة بتنامي مشاعر العداء بين مواطنيها الأصليين وسائر المهاجرين الذين وفدوا إليها واستقروا فيها-وخاصة المسلمين منهم-مما يهدد بتفشي العنف والعداء بين الفريقين ووقوع ضحايا بين مهاجرين أو مسلمين أبرياء لا علاقة لهم بالتطرف أو العنف…وهنا تكمن خطورة فقدان السيطرة علي الأمور حين يهرب المجرمون الحقيقيون بفعلتهم ليدفع ثمنها أبرياء لمجرد انتمائهم إلي نفس الجنس أو الدين,وكلنا يعرف نماذج كثيرة من هؤلاء من مواطني الشرق الأوسط وأفريقيا الذين هاجروا هجرة شرعية إلي أوروبا وأمريكا واستقروا في مجتمعاتها متسقين مع أنظمتها وقوانينها يعيشون ويعملون بشكل طبيعي وليس من العدل استباحة أمنهم أو تهديدهم لتصفية حسابات الغضب مع الإرهاب.