فى السياحة البشر قبل الحجر!! السياحة حسن استقبال قبل أن تكون سباحة بحر أو تسلق جبال، السياحة سلوكيات مواطنين وسكان، وأخلاقيات إنسان، وليست مجرد زيارات معابد ومتاحف ومساجد وكنائس واستكشاف مكان، وصلتنى رسالة من شرم الشيخ يتحدث فيها الأستاذ منتصر ثابت عما ما أطلق عليه بلطجة جمّالة شرم الشيخ، يحكى فيها ماذا يحدث الآن مع البقية الباقية من أفواج السياح التى تزور شرم الشيخ، يقول فى رسالته: نداء عاجل لإنقاذ ما تبقى من السياحة فى مصر من الانهيار..
تحديداً بعد سقوط نظام مبارك وانفلات الأمن انتشرت ظاهرة «الجمّالة» فى شرم الشيخ، وانتشر عدد ضخم من المتسكعين فى الشوارع، والمزعج فى الأمر هو الإلحاح الشديد فى استوقاف السائحين لأخذ صورة تذكارية بجوار الجمل المسكين الذى ألقاه حظه السيئ تحت أيدى هؤلاء المجرمين الصغار، وهنا تبدأ المهزلة؛ حيث يجبرون السائح على ركوب ظهر الجمل، وما إن ينتهوا من تصويره وتضييع وقته بالمشى بالجمل إلى حيث لا يريد تبدأ مهزلة الفصال والتخويف والترهيب فيطلبون مبالغ فادحة دون وجه حق (قد يبدأ بـ1200 جنيه)، ويتجمع حوله باقى الرفقة من الجمّالة كأنهم ينقضون على فريسة حتى يستطيعوا أن ينتزعوا منه أكثر مبلغ ممكن، وهنا أقف أشاهد المشادات وترويع السائحين وأنا خجلان مما يحدث وغير مصدق ما آل إليه حال بلادنا (جدير بالذكر أنه عند تدخلنا فى أى مشاجرة نجد عشرات من الجمّالة يقومون بالاشتباك معنا بأسلحة بيضاء وتهديدنا إذا تدخلنا مرة أخرى)، أناشد (من خلال كل وطنى وصاحب رأى مسموع فى وسائل الإعلام مكتوبة أو مرئية) الأمن بالتدخل لإنقاذ ما تبقى إما بتقنين هذه المجموعات وتخصيص أماكن لهم لممارسة عملهم بآدمية تحت مراقبة شرطة السياحة، أو بالقضاء على هذه الظاهرة تماماً، والمجال السياحى يمكنه استيعاب أضعاف هذه الأعداد إذا ما قرروا العمل بشرف والتزام.
انتهت الرسالة الخجولة المخجلة التى تثبت أن الانهيار الأخلاقى وانتشار سلوكيات البلطجة ستجعل السياحة فى خبر كان، فمهما كانت المغريات من مناخ معتدل وشاطئ ممتد وآثار قديمة وكنوز غنية بالتراث وعبق التاريخ، إلا أن تصرف بلطجى أو تحرش عابر سبيل أو لزوجة بائع أو ترويع سائق أو مغالاة تاجر.. إلخ، من الممكن أن تطفش السائح الذى لديه بدائل كثيرة وبلدان سياحية متعددة فى أرجاء الدنيا شعوبها مستعدة لاحتضان السائح وتدليله واحترامه وتتويجه ملكاً لا فريسة، انهيار الكود الأخلاقى والتربص بالسائح وجو الرعب الدراكولى الذى يمارس عليه منذ إحاطة الأوتوبيس السياحى بالعربات المدججة بالسلاح وحتى هجوم المتسولين على السائح التائه بين الأيدى الممدودة والآثار المنهوبة، علامات الاستفهام التى تفرض نفسها كثيرة منها ماذا نفعل فى المرشد الذى يأخذ المجموعة السياحية لمحل بعينه؟!
ماذا نفعل فى مغالاة التاجر الذى يضرب فى عشرة أضعاف ثمن زجاجة المياه تحت شعار استغفل السائح واضربه على قفاه؟ أو سائق التاكسى الذى يطلب عشرة أضعاف الأجرة بحجة أن سرقة السائح حلال وتقليبه من المعلوم بالضرورة؟!! إنه السلوك الذى يفسر لنا لماذا كسب الإسبان السوق برغم أنهم يتفاخرون بآثار عمرها أقل من عمر معمِّر مصرى عجوز، كلمة السر هناك هى البهجة للسائح أينما ذهب، واحترام خصوصيته أينما حل، هناك لا يدسون أنوفهم فيما لا يعنيهم، فالسائح ضيف عزيز يزورهم لمنفعتهم لقاء شىء غير مجسم لا تمسكه الأيدى اسمه الخدمة، فهل وصلت الرسالة؟
نقلا عن الإعلامى الطبيب خالد منتصر