عبدالخالق حسين
بات واضحاً الآن أن ما يسمى بسقوط الموصل بيد "داعش" ما هو إلا الاسم الحركي لعملية انفصال المحافظات الشمالية الغربية عن العراق بإعلان ساعة الصفر يوم 10 /6/2014 ، ابتداءً من الموصل ومن ثم محافظة صلاح الدين (تكريت)، بسيطرة فلول البعث وبتواطؤ من الإداريين في هذه المناطق، على إدارة هاتين المحافظتين، وأجزاء من محافظة الأنبار، وبدعم وتخطيط من جهات دولية وإقليمية وداخلية، تعمل على تفتيت العراق كدولة ديمقراطية ذات سيادة، وتحويلها إلى دويلات طوائف متحاربة فيما بينها لتبدد قواها البشرية والاقتصادية في حروب عبثية دائمة.
وما داعش إلا الاسم الحركي لفلول البعث المؤلف من الحرس الجمهوري الصدامي وتنظيماته الإرهابية الأخرى بمختلف الأسماء مثل النقشبندية، وجيش محمد، وأنصار السنة...الخ. من المؤكد أن البعثيين يشكلون أكثر من 90% مما يسمى بتنظيم داعش، والبقية من الأجانب الذين تم غسل أدمغتهم بالعقيدة الوهابية الفاشية، والشحن الطائفي ضد الشيعة "الصفوية" و"الجيش الشيعي"، وفذلكة عزل السنة العرب ومنعهم من المشاركة في الحكومة التي "يهيمن عليها الشيعة وإيران" ... إلى آخر الاسطوانة المشروخة والمفضوحة والتي غذتها وسائل الإعلام الغربية والعربية ولأغراض كيدية خبيثة.
وما لهذه المؤامرة أن تمر لولا مشاركة أعداء الديمقراطية من الطائفيين العراقيين وعدد من قادة الشيعة الأغبياء الذين يساهمون في حفر قبورهم بأيديهم كما فعلوا في مؤامرة 8 شباط 1963، وكذلك الدعم المالي والاستخباراتي من السعودية وقطر وتركيا، وبمباركة من إدارة أوباما لخدمة إسرائيل من أجل تفتيت المنطقة وإبقاء إسرائيل القوة العظمى في الشرق الأوسط.
إن خيوط المؤامرة القذرة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، حيث بدأت بمؤتمر عمّان، ولم تنتهي بمؤتمر أربيل الذي حضره نحو 1200 من النشطاء السياسيين العرب السنة وبدعم ومباركة رئيس حكومة الإقليم الكردستاني، وممثلين عن الأمم المتحدة وأمريكا وبريطانيا، والذي انتهى بمطالبة تأسيس الحرس الوطني، وعدم إدانة داعش حتى ولو بالاسم.
قلنا مراراً، أن داعش هي ورقة لعب بوكر دولية وإقليمية ضد العراق ولكل غايته، ومن المفيد بيان المشاركين فيها والمستفيدين منها:
1- أمريكا أرادت التخلص من المالكي، وقد روجوا وحذروا إثناء الحملة الانتخابية الأخيرة أنه في حالة فوز المالكي ستنفصل كردستان والمناطق السنية عن العراق، وستشتعل الحرب الأهلية. وما كان لهم أن يطرحوا هذه التوقعات وبمنتهى الثقة، لو لم يكونوا على علم، وأنهم هم الذين خططوا لهذا المصير. لذلك فما أن أعلن فوز المالكي كزعيم أكبر كتلة برلمانية حتى وأدخلوا داعش على الخط، وعملية نقل سلطة الموصل كانت واضحة وهي عملية تسليم ليس غير، و"هروب بعض الضباط والإداريين إلى أربيل كمسرحية مفضوحة.
2- وما يؤكد الدور الأمريكي وحلفائها في المنطقة في خلق ورقة داعش، تصريح السفير الأمريكي السابق في العراق جيمس جيفري، ضمن تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، إنه "لا يمكن الحصول على الهدف المطلوب لعراق مستقر وهزيمة دائمة لتنظيم داعش بدون تواجد اميركي طويل المدى"، مشددا على ضرورة "أن يكون لدينا تواجد يمكن السنة والكرد من التواجد ببغداد التي يهيمن عليها الشيعة وايران بشكل غير مباشر".)(1). يعني تقول أمريكا: إما أن يكون لنا وجود دائم في العراق أو نطلق عليكم كلاب (داعش) تنهش بكم ونقسم العراق. طبعاً التقسيم يعني حروب دائمة بين دويلات الطوائف.
3- المستفيد الأكبر من هذه المخطط الإجرامي هو رئيس إقليم كردستان السيد مسعود بارزاني المشارك في هذه المؤامرة مقابل الكثير من المكاسب ومنها:
سيطرة البشيمركة في نفس اليوم (10/6/2014) على كركوك وإعلان بارزاني أن المادة 140 من الدستور قد انتهى دورها، وبالتالي تمت السيطرة الكاملة له على المناطق المتنازع عليها بما فيها كركوك، وعلى الواردات النفطية في كردستان وكركوك. ومن ثم مسرحية سيطرة داعش على بعض الأقضية والنواحي في الموصل وصلاح الدين وقيام البيشمركة بتحريرها، وبالتالي ضمها إلى الإقليم وكأنها غنائم حرب. وبهذه اللعبة نجح السيد بارزاني بإعلان نفسه المحارب الصامد ضد داعش، والحصول على الاعتراف الدولي بالبيشمركة وتسليحه وتدريبه من قبل أمريكا وبريطانيا و دول الوحدة الأوربية، وحتى بدون الحاجة إلى أخذ موافقة الحكومة الإتحادية، بل وأن ترغم الحكومة الإتحادية على دفع رواتب و تكاليف تسليح البيشمركة.
4- مطالبة مؤتمر أربيل وأمريكا بتعجيل تشكيل ما أطلق عليه بـ(الحرس الوطني) في المحافظات العربية السنية. وقد طبل زعماء الكتل السياسية السنية في مؤتمر أربيل، مثل أسامة النجيفي وغيره، أن السنة يعانون من داعش والمليشيات الشيعية، و لا يمكن تحرير مناطقهم من "هذين الشرين" إلا بتشكيل الحرس الوطني وتسليح العشائر السنية لتحرير مناطقهم. والجدير بالذكر أن هؤلاء ومنذ سنوات يطالبون بإبعاد الجيش العراقي "الشيعي" عن مدنهم، وأن يكون الضباط من أبناء مناطقهم، والمؤسف أنه تم تنفيذ مطالبهم، وتبين فيما بعد أن غرضهم من هذه المطالبات "المشروعة" هو تسهيل نقل الإدارة إلى داعش وبسلام آمنين كما حصل يوم 10/6/2014.
5- هذا الطلب المشبوه بتشكيل الحرس الوطني لقي الدعم من أمريكا، حيث سارع السيناتور جون ماكين (الجمهوري) بزيارة العراق واللقاء مع زعماء العشائر السنية والمطالبة بتشكيل مليشيات عشائرية مسلحة بسرعة على غرار ما تم في عملية الصحوات عام (2007 – 2008) في مواجهة القاعدة في عهد الرئيس بوش. إضافة إلى قيام وفود من رؤساء العشائر السنية بزيارة واشنطن لترتيب تدريب وتسليح هذا الحرس الوطني وأبناء العشائر، وكأن لا توجد في العراق حكومة مركزية ولا جيش عراقي.
وبالتأكيد فهذا الحرس الوطني إذا ما قدر له أن يتشكل فهو عبارة عن رد الاعتبار إلى جيش الحرس الجمهوري العثي الصدامي وتغيير اسمه من "داعش" الآن، إلى (الحرس الوطني) وعودة جميع الضباط البعثيين إليه، وأن تقوم الحكومة الفيدرالية بدفع الرواتب وتكاليف التسليح. يعني أصبحت داعش أو الجيش البعثي الصدامي جزءً من الجيش العراقي، و(تي تي مثل ما رحت إجيتي!)، وعندها إقرأوا على الدولة العراقية والديمقراطية الفاتحة، وليتحول العراق ثانية إلى قاعدة لشن الحروب على إيران ودول المنطقة، وتأتي أمريكا لإعادة تدمير العراق وإيران.
6- وقد بلغت الصفاقة والصلافة والخبث بهؤلاء المتآمرين أنهم بعد أن نجحوا في تنفيذ مخططهم الإجرامي راحوا يطالبون بمحاكمة السيد نوري المالكي بتهمة التواطؤ على تسليم الموصل إلى الدواعش. وهذه لعبة بعثية قذرة بامتياز ينطبق عليهم القول: ( رماني وبكى، سبقني واشتكى). إنهم بعثيون وتلامذة غوبلز لا يستحون. وقديماً قيل: (إذ كنت لا تستحي فافعل ما تشاء).
فإذا كانت هذه الجهات، بما فيها إدارة أوباما، والحكومات الغربية والإقليمية الداعمة لمشروع الحرس الوطني المشبوه...، إذا كانت حقاً حريصة على وحدة العراق والديمقراطية، و جادة في دحر داعش، وكل العصابات الإرهابية، فالطريق السليم الصحيح لتحقيق ذلك هو مساعدة الحكومة الفيدرالية على تدريب وتسليح الجيش العراقي وتطهيره من المندسين البعثيين والمتخاذلين الجبناء والضباط الخونة الفاسدين، وليس بتشكيل مليشيات عشائرية طائفية، الغرض منها تفتيت العراق.
وبناءً على كل ما سبق، نهيب بجميع الوطنيين العراقيين الشرفاء، من السياسيين والإعلاميين وجماهير المثقفين المخلصين لوطنهم، والحريصين على سلامة شعبهم، ونظامه الديمقراطي، أن يبذلوا كل ما في وسعهم لإفشال مشروع (الحرس الوطني)، المخطط الإسرائيلي الصهيوني الأمريكي السعودي وقبره.