حنا حنا المحامى
اتصل بى صديق من مصر وأخبرنى أن بعض المسيحيين المعروفين بنشاطهم قد استبعدوا عن الدخول فى ترشيحات مجلس الشعب. ومن هؤلاء الاشخاص شخصية مثقفه جدا ومعروفه جدا بنشاطها وثقافتها وأخلاقها المتميزه.
راعنى الخبر وسرعان ما أجريت عدة اتصالات وقد تحققت على أثرها أن الشخصيه المثقفه جدا لم يحدث أن استبعدت من الترشيحات وأنها تنوى الترشيح. بل ذهب ألى أبعد من هذا وهو أن القوائم لم تعلن بعد.
مع ذلك سأفترض أن هذا القول يضرب كبد الحقيقه. ماذا تكون النتيجه؟ هل نبكى على اللبن المسكوب ونشكو ونتألم ونتقوقع بسبب الظلم والضيم الواقع على الاقباط والذى وصل إلى مداه بأن أصبح من حق السلطه أن تقبل فلان وترفض علان لأنه مسيحى فقط؟
سأفترض أن هناك ظل من الحقيقه أو أن الحقيقه سافره أن المسيحيين مضطهدون وأن السلطه أيا كانت سواء ممثله فى الحكومه أو أى سلطه أيا كانت تباشر هذا الاجراء التعسفى ضد المسيحيين. هنا يثور سؤال يفرض نفسه, ما هو مؤقف المسيحيين من هذا التعسف وهذا الاصرار على حرمان المسيحيين من أن يساهموا مساهمة فعاله فى إدارة شئون بلادهم وكنائسهم وأعمالهم؟
إن الملاحظ أن المسيحيين جل دورهم هو البكاء على اللبن المسكوب. وليس هذا فقط بل يصل الامر إلى أبعد من هذا فهم يستكينون أمام أى قانون أو اضطهاد سواء عملى أو قانونى يصدر بشأنهم.
وهنا يثور التساؤل, هل قام المسيحيون بأى عمل إيجابى أمام أى نوع من الاضطهاد أو التمييز أو التفرقه؟ فمثلا لمادا لا يطالب المسيحيون حتى الآن بإنشاء أى لجنه أو هيئه تختص بالنظر فى أى تظلم من المسيحيين سواء على المستوى الفردى أو المستوى العام؟ وحين أقول يطالب يتعين أن تكون المطالبه بأصرار وتكون المطالبه بحق ثابت من الحقوق المعروفه والمعترف بها. فى هذه الحاله يكون للمطالبه أذن صاغيه وجديه للنظر فى الحق المطالب به.
إن الفكر القائل بأننا مضطهدون لأننا مسيحيون وأنه يتعين علينا أن نحمل الصليب من أجل المسيح فكر جميل ولكن لا يجوز أن يصل ألى أننا نطلب الاضطهاد دون أن ندرى وذلك يتم بسلبيتنا المطلقه.
فمثلا يوجد اضطهاد فى سوريا قبل داعش ولكن المسيحيين يصرون على المطالبه بحقوقهم, الامر الذى عمل على إضعاف بل إلغاء هذه الروح وأصبحت الحياه مشتركه ومتكافئه بين المسيحيين والمسلمين. وطبعا إنى لا أتطرق إلى داعش وداعر. فهؤلاء لا يروا فى الدين إلا الدم والكراهيه للآخر والنهب والسلب.
كذلك يتعين أن ندرك أن المسيحيه تبنى على العرفان, العرفان بالفداء, العرفان بكل ما قدمه إلينا السيد المسيح. المسيح الذى أتى إلى العالم برساله محدده وهى الفداء وفتح أبواب الملكوت أمام الانسان وأن المسيح قد جاء ليموت لأن بموته تنفتح أبواب الملكوت أمام الانسان بعد أن أغلق بسبب معصية آدم. وهذا العرفان يتمثل فى أن نعترف بأن المسيح قد افتدى البشريه. لذلك يقال إنه بالموت داس الموت والذين فى القبور أنعم لهم بالحياة الابديه.
المسيح إذن كان إيجابيا فى كل خطوه وفى كل عمل وفى كل موعظه حتى اللحظه الاخيره. فالحارس الذى لطمه رد عليه قائلا: لماذا تضربنى.
فما هو العمل الايجابى الذى قام به المسيحيون أمام الاضطهاد؟ لا يجوز بل ليس من المسيحيه أن نبكى على اللبن المسكوب. حتى الدستور الحالى حدد 24 مقعدا للمسيحيين. وهذا التحديد كان مكرمه ووطنيه من رئيس الجمهوريه المؤقت المستشار عدلى منصور. وهذا العمل سيذكره له التاريخ ويتعين أن ينادى به المسيحيون شكرا وعرفانا.
وقد ترامى إلى سمعى أن الاربعه والعشرين مقعدا للمسيحيين فى مجلس الشعب قد ترشح لهم ثمانيه عشر سيده والباقى لا يعرف عنهم شيئا. ولما كانت أبواب الترشيح لم تفتح بعد فإنى أعتقد أن هذا النبأ لا يبنى على الحقيقه والواقع. وإذا بنى على الحقيقه ما هو موقف المسيحيين من هذا الموقف الذى لا يوصف إلا أنه تهميش مقصود للمسيحيين؟ وإذا كان فعلا قد ترشح لهم هذا العدد من المسيحيين فما هو موقف كل المصريين مسيحيين ومسلمين من التلاعب على أحكام الدستور؟
إن المصريين حكومة وشعبا يدركون تمام الادراك أنهم إذا ذهبوا إلى أى دوله أجنبيه يحصلون على حقوقهم كامله. وهذه الحقوق تمنح دون أدنى تفرقه. وإذا حدثت أى تفرقه فهناك محاكم تنظر إلى هذه الامور وتفصل فيها. ولذلك نرى أن هذه الدول تتقدم ذلك أن المعيار معيار العمل والانتاج.
فالامر إذن يتلخص فى أن التفرقه تعمل على تفتيت الدوله بل تضعفها لأن البقاء ليس للاصلح بل لصاحب الدين الذى تتبعه الدوله. بصرف النظر عن كفاءته وعن إنتاجه وعن عمله وعما يقدمه للدوله من أداء للواجب.
وليس أدل على ذلك من وقت الانتاج الضائع. فمثلا ساعات الصلاه تستهلك شطرا كبيرا من ساعات الانتاج وأقول "ساعات الانتاج وليس ساعات العمل فقط" ذلك أن الانتاج ينقطع تواصله لان الموظف سيذهب للصلاه وطبعا لا يكون الامر قاصرا على وقت الصلاه بل هناك استعداد للوضوء وخلع ما لا يلزم وارتداء ما يلزم. عدة مرات فى النهار. ومن ثم تنقطع أواصر العمل الانتاجى. ولذلك قالوا قديما "الغمل عباده".
والملاحظ أن قطع أواصر العمل والانتاج بحجة الصلاه أمر قاصر على الدول العربيه. ذلك أن إدراك الدول الاجنبيه أو الاوروبيه تعلم تمام العلم أن العمل والانتاج هما أساس نجاح الدوله وتقدمها.
الامر إذن لا يقترن بسياسة الدوله ومدى ما تمارسه من سماحه وعدم تفرقه, بل الامر يتعلق بنجاح دوله ومستقبلها واستغلال مواهب بنيها وتقدمهم ونجاحهم. لذلك يتعين أن يكون هناك فى كل دوله جهات سياديه تفصل فى مسائل التفرقه سواء كان على أساس الدين أو العرق أو اللون أو الجنس. ورويدا رويدا سوف ينسى أرباب الاعمال مسألة الدين أو اللون أو أى سبب من أسباب التفرقه. بل كل إنسان فى الدوله سوف يعمل على تقدم بلده وازدهارها. ولا أعتقد أبدا أن من يتراخى فى عمله ويعطل مصالح الجمهور الذى يتقاضى عنه أجرا يمكن أن يذهب إلى الجنه ومن يتفانى فى عمله سواء كان فى خدمة الجمهور أو فى خدمة العمل سوف يذهب ألى النار. كذلك لا أعتقد أن أى كاهن أو أى شيخ يمكن أن يختلف معى فى هذا.
من هنا أكرر أن الحقوق تنتزع ولا يجوز إطلاقا السكوت عليها أو على أى اعتداء عليها. كذلك لا يجوز أن نستكين فى انتظار ماذا ستفعل الدوله أمام أى عمل من أعمال التفرقه سواء كانت هذه التفرقه من عمل الدوله أو من عمل إنسان أو من عمل فرد أو مؤسسه. وأكرر أن محو التفرقه من أى دوله يعود على نجاحها وازدهارها.
فمثلا يتعين أن تكون أول المطالب إنشاء هيئه قضائيه للفصل فى مسألة التفرقه والتمييز. فإذا تقاعست الدوله يتعين اللجوء إلى المنظمات الدوليه. أى يتعين أن يكون هناك عمل إيجابى يهدف إلى "تحقيق نتيجه".
وبالمثل على المسيحيين فى مصر وغير مصر أن يتشبثوا بحقوقهم حتى النهايه أى نهاية المطاف. وكل من له حق يتعين أن يتمسك به وكل من اعتدى على حقه بسبب الدين لا بد أن يدافع عنه إلى النهايه. وثقوا أنه إذا تم ذلك فى المره تلو المره سوف يراعى أى إنسان فى مصر عنصر التفرقه وسيفكر عشرات المرات قبل أن يباشر أو يمارس أى نوع من أنواع التفرقه والتمييز. وثقوا أن كل مصرى سوف يلمس الاثر الفعلى على الدوله وعلى الفرد وعلى العائله وعلى المجتمع ككل. وهذا الاثر سيكون بالايجاب بالطبع.
حقيقة إنه واقع أن اضطهاد المسيحيين سيف يرتد إلى نحر المضطهد. أين السادات؟ أين مبارك؟ أين مرسى؟ ولكن أين المسيحيون؟ لابد من إيجابيه.
حقيقة إن هناك أشخاص بل هيئات تتمسك بالتفرقه وتعطى لها مبررات دينيه وأحيانا إجتماعيه ولكن من يتمسك بمصلحة الوطن لا بد أن يكون له النجاح فى النهايه مهما كان الطريق شاقا. لماذا لا تشكل لجنه من المسيحيين للقيام بعمل تمهيدى مع المسئولين لاعداد العده للانتخابات الجديده؟
إنها ستكون أول خطوه فى الطريق إلى الازدهار. ويتعين أن ندرك أن الحقوق مطلوبه وليست محموله. ومن له أذنان للسمع فليسمع.