الأقباط متحدون - العجب والحيرة في مولد أبو حصيرة
أخر تحديث ٠٧:٠٢ | الأحد ٤ يناير ٢٠١٥ | ٢٦كيهك ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٣٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

العجب والحيرة في مولد أبو حصيرة

فاروق عطية
   رغم أنه مات منذ 135 سنه لكنه موجود وحاضر وينغص علينا عيشتنا وقد يسبب لنا مشاكل دولية نحن في غني عنها وليس الآن أوانها. ورغم أنه ليس وطنيا ولا مصريا ولم يكن يوما في حياته ذو شهرة تذكر, لكنه الآن ملئ السمع والبصر يتحدث الكل عنه حتي وسائل الميديا الأجنبية, ويوجد له مقام يزار بحُج البعض إليه تلمسا للعون والبركات, لذا كان لا بد من تسليط بقعة من الضوء عليه.

   هو يعقوب بن مسعود, حاخام يهودي من أصل مغربي، عاش في القرن التاسع عشر، ينتمي إلى عائلة يهودية كبيرة اسمها عائلة الباز هاجر بعض افرادها إلى مصر ودول أخرى وبقي بعضهم في المغرب. ولد يعقوب في جنوب المغرب 1805م، حيث تذكر رواية شعبية يهودية أنه في كهولته غادر المغرب لزيارة أماكن مقدسة في فلسطين إلا أن سفينته غرقت في البحر، وظل متعلقا بحصيرة قادته إلى سوريا ثم توجه منها إلى فلسطين وبعد زيارتها غادرها متوجها إلى المغرب عبر مصر وتحديدا إلى دميتوه إحدي قري  دمنهور, ويبو أنه قد ألف المكان وصادق الناس أحبهم وأحبوه فعاش به حتي مات 1880م ليدفن في القرية, ولا ندري متي اكتُشفت كراماته المزعومة وأقيم له مقام "أبوحصيرة" للحج والتبرك, وكني أبو حصيره أيضاً بملك الإنسانية وبأسد الظلمات.

   يقام له سنويا في قرية دميتوه التي يوجد بها قبره احتفال أو مولد, حيث يزوره الآلاف من اليهود يأتون إليه من المغرب وفرنسا وإسرائيل. كما أن الثابت تاريخيا أن الطائفة اليهودية المصرية كانت تحتفل بهذا المولد. في عام 1945م تم الاتفاق على تحويل المقبرة إلى ضريح, وتشير الوثائق إلى أنه بموافقة مديرية البحيرة في ذلك الوقت تم شراء بعض الأراضي حول المقبرة تبرعا من قبل أثرياء اليهود لإقامة الضريح وتشييد سور حولها. وفي عام 1979م بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل طالب اليهود بتنظيم رحلات رسمية لهم للاحتفال بالمولد والذي يستمر أسبوعا. كما يتم السماح لليهود المحتفلين بالمولد بزيارة الضريح بشكل سنوي، بتنسيق مع سلطات الأمن المصرية. ويعتبر ضريح أبو حصيرة (القبر والتل المقام عليه) الذي أقيم عام 1880 حاليا من بين الآثار اليهودية في مصر وهو مسجل كأثر ديني في هيئة الآثار المصرية، ويخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983. حيث يتم التعامل معه كأثر مصري.

   في المولد يتم تأدية طقوس دينية يهودية تشمل الجلوس عند المقبرة، والبكاء وتلاوة أدعية دينية يهودية وذبح الأضحيات عند الضريح حسب الشريعة اليهودية, مع تناول الفاكهة المجففة والزبد والفطير. وفي عام 2001م رُفعت قضية حكمت فيها المحكمة الإدارية بالإسكندرية بالغاء الاحتفال ومنع اليهود من اقامة الاحتفال حيث ثبت للمحكمة أن الأرض لا تزال ملكا للدولة. وبعد تنحي الرئيس السابق حسني مبلرك الذي امتنع عن تنفيذ حكم المحكمة أبلغ المجلس العسكري إسرائيل بقرار المحكمة بالطرق الدبلوماسية، للعمل على عدم السماح للإسرائيليين الراغبين في الاحتفال بالسفر إلى مصر. وقررت عائلة أبو حصيرة الإسرائيلية عدم الحضور والمشاركة في الاحتفال تنفيذاً للتوصية الصادرة.

  يوجد رفض لبعض الجهات والتيارات في مصر وبينهم نواب سابقون في البرلمان المصري لإقامة مولد أبو حصيرة سنويا في القرية. وقد ضج سكان القرية مما يحدث في هذا المولد. يقول أحدهم أن القرية في هذا الوقت تمتلئ بالعساكر والمخبرين والقناصة الذين يعتلون اسطح البيوت لحماية المحتفلين ويمنعون الأهالي من التحرك أو الخروج. ويقول آخر أن القضية ليست دينية ولكنها قضية سياسية ومحاولة الصهاينة إثبات وجودهم في بلادنا. ويصف آخر الضريح قبل كامب ديفد أنه كان مجرد مقبرة فوق كومة أتربة محاطة بسور, وبعدها تم بناء الضريح الذي يوجد الآن. ويصف آخر ما يحدث: يبدأ الاحتفال يوم 25 دبسمبر ويستمر حتي منتصف يناير, حيث يقام مزاد على مفتاح المقبرة، يليها شرب اليهود  للخمور وسكب بعضها فوق المقبرة ولعقها، وذبح الخراف والخنازير كقرابين، والرقص على بعض الأنغام اليهودية بشكل هستيري وهم شبه عرايا بعد أن يشقوا ملابسهم، بالإضافة إلي ذكر بعض الأدعية والتوسلات والبكاء بحرقة أمام القبر، وضرب الرؤوس في جدار المبكى للتبرك وهم يعتقدون أنه يحقق أمنياتهم فيكتبونها علي قصاصات من الورق ويتركونها فوق قبره

ثم يركبون الحافلات التي تقلّهم للمبيت بفندق بالإسكندرية, وهذا يسبب لنا القرف والاشمئزاز. يقول آخر أن المولد يعني الحماية للزائرين الصهاينة وكبت وتهديد للمواطنين حيث يُحتجز الناس داخل بيوتهم تحت تهديد العساكر والمخبرين. وقال أحر أن أبو حصيرة ليس يهوديا ولكنه مسلم إسمه الحقيقي محمد بن يوسف من المغرب, ومعي وثيقة أرسلت إلي من المغرب تثبت أن نسبه يعود متسلسلا إلي طارق بن زياد, ويصف آخر القرية قبل المولد أنها تكون في منتهي الإهمال والقذارة, الزبالة تملأ الطرقات ولا يهتم أحد إلا قبيل المولد حيث تنشط السلطات في التنظيف وإزالة القاذورات وبعد المولد يعود الوضع لما كان عليه.

(http://www.youtube.com/watch?v=vYc_Zp8eDws)
   بعد 13 عاماً من تداول القضية أمام القضاء، قررت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، الاثنين 29 ديسمبر، تأييد إلغاء الاحتفال بمولد الحاخام اليهودي يعقوب أبو حصيرة نهائيا ورفض الطلب الإسرائيلي بنقل رفاته إلى القدس الشرقية. وقرر رئيس محكمة القضاء الإداري إلغاء قرار وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني بضم قبر أبو حصيرة للآثار المصرية وعدم اعتبارة اثرا, فهى مقابر عامة كانت مقامة لليهود مثل مقابر الصدقة للمسلمين والمقابر العامة للمسيحين

وبعد خروج اليهود من مصر بعد ثورة يوليو لم تعد تستخدم. وقالت المحكمة في حيثيات الحكم إن اليهود خلال إقامتهم في مصر لم يشكلوا حضارة بل كانوا قوماً متنقلين يعيشون في الخيام ويرعون الأغنام ولم يتركوا ثمة أثرا يذكر وبالتالي فإن القرار الذي أصدره وزير الثقافة باعتبار ضريح الحاخام "أبو حصيرة" والمقابر اليهودية التي حوله ضمن الآثار الإسلامية والقبطية مخالفا للقانون لانطوائه علي مغالطة تاريخية تمس كيان الشعب المصري لأنه قبر لفرد عادي لا يمثل أي قيمة حضارية أو ثقافية أو دينية للشعب المصري حتى يمكن اعتباره جزءاً من تراث هذا الشعب . ومن جانبه قال محافظ البحيرة، مصطفى هدهود، إن المولد لن يقام بعد الآن في المحافظة. كما دعت الحركات الثورية الحكومة إلى هدم الضريح ونقل رفاته بشكل فوري استناداً إلى قانون الجبانات رقم 5 لسنة 1966، الذي يجيز نقل الرفات من المقابر التي لم تستخدم لمدة 10 سنوات.

اتسعت الهوة بين المثقفين، والحركات والائتلافات ذات الطابع الشعبى, ففى حين اتسمت ردود الأفعال الشعبية بالرفض الحاسم لإقامة المولد، باعتباره تدنيسا لأرض مصر من قبل الصهاينة، كان للمثقفين رأي آخر يرى البعض فى حكم المحكمة بتأييد إلغاء المولد يعنى الإساءة إلى الوجه الحضارى للثورة المصرية، وأنه تراث مصرى فى النهاية. فمثلا يري الكاتب والمفكر الدكتور محمد الجوادى ىأن ضريح أبو حصيرة ليس ملكا لإسرائيل أو اليهود وإنما هو جزء من التراث المصرى، وأن مصر بلد الأديان جميعا وصاحبة حضارة لامثيل لها فى التاريخ، وأن البعض حمل موضوع المولد اكثر مما يجب، وتساءل : لماذا لانعتبره مثل أى مولد دينى خاص بالمسلمين مثل مولد السيد البدوى وعبد الرحيم القنائى والسيدة زينب والحسين؟

كما يوجد لدينا صوفيون مسلمون يعشقون زيارة الأولياء والتبرك بمقاماتهم، هناك أيضا صوفيون يهود لديهم نفس التوجه، حيث يحرص الكثيرون منهم على زيارة أبو حصيرة فى مصر وإقامة الشعائر والطقوس اليهودية الدينية فى المقام، وعندما ينتهى الاحتفال يعودون إلى أوطانهم . وأضاف: أن أبوحصيرة كأثر يهودى ملك لمصر وليس لإسرائيل، له مريدون من اليهود المصريين من قبل قيام إسرائيل، ولم تكن مصر
تفرق بين مواطنيها على أساس الدين، وكان يوسف قطاوى اليهودى وزيرا، فإذا كنا أكثر تسامحا فى الماضى فهل نتشدد فى المستقبل؟ ولمصلحة
.
من؟
   وأكد سعيد عكاشة الباحث السياسى والمشرف على مختارات إسرائيلية بالأهرام أن إلغاء الاحتفال بأبو حصيرة ضد التسامح والإسلام ومصر، وقال: اليهودية أحد الأديان السماوية مثل الإسلام والمسيحية، واليهودى جزء من الشخصية المصرية مثل المسيحى والمسلم والفرعونى، ونحن المسلمون نمارس شعائرنا الدينية بحرية، فلماذا نقيدها على الآخرين؟ والاستجابة لإلغاء الاحتفال بالمولد تعنى الاستجابة لصوت التطرف، والأسوأ من هذا أن إسرائيل قد تستغل الحدث للإساءة لمصر فى المحافل الدولية، مما يعنى تكوين رأى عام أوروبى وأمريكى سلبى تجاه الثورة المصرية ؟ وهو عكس ماتريده مصر الآن نتيجة أوضاعها  الاقتصادية السيئة التى تتطلب  الحصول على منح وقروض لدفع  عجلة الإنتاج.

   وفي النهاية كان من الأفضل تصحيح الوضع بالنسبة لسكان قرية دميتوه وتطويرها لتكون قرية سياحية نموذجية تتفاعل وتشارك في الحدث ويستفيد أهلها من الزحف السياحي لقريتهم بدلا من إخافتهم وإحاطتهم بالعسكر والمخبرين وحبسهم في بيوتهم, فلو استفادوا ماديا من هذا المولد ما كرهوه ووقفوا ضده. بل لحاربوا لاستمراه. وأري أن حكم المحكمة لم يكن صائبا خاصة في هذا التوقيت الذي نحن في أشد الحاجة فيه لوقوف الدول الغربية معنا لاجتياز وضعنا السيئ إقتصاديا, والذي لن تتواني إسرائيل من استغلال هذا الحكم لتأليب العالم ضدنا واعتبارنا دولة عنصرية لا تحترم توقيعها علي مبادئ الأمم المتحدة ومنظماتها خاصة اليونيسكو الذي اعتبر ضريح أبو حصيرة أثرا محميا, كما أنها تري هذا الحكم مخالفا لاتفاقية كامب ديفيد.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter