بقلم : تيتو غبريال
دعيت للقاء أحد الأصدقاء بأحد الأندية المصرية ولأننى أتجنب القيادة ليلاً نصحنى صديقى بركوب المترو والنزول بإحدى المحطات حيث ينتظرنى بعربته وكان لى فى هذا اليوم ثلاث مشاهد وثلاث رؤى...فى ثلاث مراحل : -

المرحلة الأولى والمشهد الأول داخل محطة المترو.
قطعت التذكرة وإنتظرت المترو ولولا إيمانى بأن يوم القيامة لم يأتى بعد لإعتقدت أنه ذلك اليوم لما رأيت فيه من سدات بشرية (من سكان تحت الأرض ) وقبل وصول المترو إستمعت إلى إذاعة المحطة بإلتزام الركاب فى الصعود
والنزول بالأبواب المخصصة لكليهما ولأننى ملتزم (رغم مشاركتى للكثيرين بخطأ هذه التنبيهات ) وقفت أمام أبواب الصعود لكننى لم أتمكن من الصعود مثل الكثيرين لشدة الزحام ( التى أعادت لذاكرتى طوابير العيش الباقية للأن) بين الصاعدين والنازلين فجريت إلى الباب الأخر وتكرر الفشل للمرة الثانية إلى أن نصحنى أحد الركاب أن أترك نفسى أمام مجموعة صاعدة ولا اتقيد بباب وهى كفيلة بإدخالى لداخل المتروبقوة الدفع -التى أصبحت سمة خاصة بنا كمصريين وشعوب عربية تتحرك بقوة الدفع بعد أن سلبت إرادتها - ونجحت المحاولة لكن من الباب المخصص للنزول .

المرحلة الثانية والمشهد الثانى داخل عربة المترو.   
 بالطبع لم أجد مكاناً داخل المترو لكننى لاحظت الزحام الشديد فى المكان المخصص لذوى الإحتياجات الخاصة بعد أن كثرت المساحة المخصصة لهم داخل المترو والذى لفت نظرى عدم وجود إعاقة واضحة فى معظمهم فخشيت أن أكون فى المكان المخالف فحاولت الإستئذان ممن يقف بجوارى ليسمح لى بالمرور فأخبرنى بأننى غير مخالف فصمت لكن شد إنتباهى مجموعة كبيرة تملأ المكان وأدركت أنهم من الأقباط لوجود علامة الصليب على أيدى معظمهم

وإلتقتت آذانى حديث مجموعة من الرجال يواسون صديقهم محمد من إضطهاد رئيسهم له فى العمل رغم أحقيته وتقدير كل من يعمل معه وولى من لا يستحق الإدارة وأدركت من الحديث أن محمد هذا كل جريمته أنه محبوب من الجميع ويسعى بكل ما يملك لإستعادة حقوق الجميع لذلك فهو غير مرغوب من أولى الأمر ...ثم إستمعت إلى حديث جزء كبير من العربة عن الغلاء وضيق اليد وإنهم بالكاد يعيشون ..هنا تيقنت لماذا زادت المساحة المخصصة لذوى الإحتياجات الخاصة وتساٌلت هل أصبح معظم الشعب المصرى من ذوى الإحتياجات الخاصة ؟ هل إتسع مفهوم الكلمة وأصبح يشمل الأقباط –محدودى الدخل –المرأة-والمسلمين المعتدلين الذين يحبون هذا الوطن بحق ويدركون معنى كلمة المواطنة بحق – بالإضافة طبعاً لذوى الإحتياجات الخاصة ؟وبهذه الزيادة هل ستصبح بلدنا بلد ذوى الإحتياجات الخاصة ؟! وصل المترو للمحطة فنزلت أيضاً بقوة الدفع وذهبت للسلالم فإكتشفت أن جميع السلالم الصاعدة معطلة ولا تعمل إلا السلالم النازلة فقط فصعدت على قدماى

إلى أن خرجت من المحطة وتساٌلت هل إختفت الأيادى المساعدة لهؤلاء المحتاجين وذوى الإحتياجات الخاصة وزادت تبعاً لها القوانين التى تزج بالمزيد إلى هاوية الفقر والإحتياج؟هل إختفت العوامل التى تساعد على النجاح (سلالم الصعود ) وزادت عوامل الهدم (سلالم الهبوط ). ؟ إنها مجرد تساؤلات جالت فى ذهنى ولم تتركه بل وعششت فيه كما تعشش الطيور وتبنى أوكارها على أغصان الشجر ... خرجت من المحطة ولم أجد صديقى فى إنتظارى فى الميعاد المحدد فهو كمعظم المصريين خلى قاموسهم من كلمة الوقت وبالتالى إحترامه ..  

المرحلة الثالثة والمشهد الثالث خارج محطة المترو
وأثناء إنتظار صديقى رأيت بعض أتوبيسات النقل العام(التابعة لإحدى إدارات الهيئة العامة لإتوبيسات النقل العام ) جزء من اتوبيساتها  تحمل كلمة "حماس" والبعض الأخر يحمل كلمة"فتح" أدركت وقتها كم أصبح شعبنا يحمل مشاعل الوطنية بدلا من الأخرين وأصبحت فلسطين بالنسبة لنا أكثر من الفلسطنيين أنفسهم وتساُلت هل تمسكنا بالقضية الفلسطينية وإنشغالنا بها لهذه الدرجة؟إننى أدرك مساندة رأس الدولة وكل القيادة والقوى السياسية بهذه القضية وهذا واجب قومى وبعد سياسى وتوازن قوى وقد وضعت الدولة القضية الفلسطينية فى أولى إهتماماتها (منذ عام ثمانية وأربعين)وهذا الدور نؤيده ونساند فيه قيادتنا لكن الأمر غير المفهوم هو أن نغذى دون أن ندرى الصراع الفلسطينى الفلسطينى (فتح،حماس)ونساهم دون وعى فى إزكاء نار الفتنة بين أبناء الشعب الواحد وقد نسينا وقد نقنن ما نجحت فيه إسرائيل من تحويل الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع عربى عربى ثم إلى صراع فلسطينى فلسطينى ويبقى السؤال لماذا أصبحنا هكذا هل لأنه لم يعد لدى شعبنا قضية وطنية يلتف حولها !؟أم أنه عجز عن حل مشاكله الداخلية فلجأ لإثبات وطنيته ووجوده خارج ذاته (وطنه ) مثل الرجل الذى يكافح حتى الدم فى إثبات رجولته خارج البيت أما فى بيته فله شأناً آخر؟! إننا بالفعل أصبح معظمنا ضمن ذوى الإحتياجات الخاصة لهذا فنحن محتاجين للأتى :

1 – لمن يعلمنا التعامل مع الوقت الذى نهينه وهو الذى سيضحك أخيراً.لأننا أصبحنا غرباء عنه ولا ندرى ماهيته..

2—محتاجين أصحاء يضعوا لنا قوانين نابعة من طبيعة الشعب متلاحمة معه يشعر الشعب وقتها بأن نفسه من الداخل تصرخ طالبه مثل هذه القوانين وهى هامه له ولصالحه (ليست مثل تنبيهات المترو) يسمع هو صدى موسيقاها داخله ويعزفها لحناً جميلاً قبل فهى بالنسبة له نوتة موسيقية وليست قوانين غريبه عنه لايعرف معناها وسبب وجودها ...

3—محتاجين لمشروع قومى وطنى مصرى (والقضايا كثيرة أهمها مصر لمن ) نلتف حوله يشعر فيه كل مصرى بأنه مشروع خاص له وبه ولن ياتى هذا إلا إذا شعر كل مصرى بأن مصر وطنه الحقيقى حتى لا نتغرب عن الوطنية الحقيقية بعزيمة تصل للموت نحمى بها أوطان الأخرين ونهدم بها وطننا وللحديث بقية...