القمص أثناسيوس فهمي جورج
كنيسة اللة غريبة على الأرض ، وغريبة من كل أرض. حُرّة من كل قيد أرضي ، لا يحُدّها إلا الله الذﻱ في وسطها كي لا تتزعزع.هو يجمعها من أربع رياح الأرض ، عندما يوحِّدها ويسير معها ؛ ويسيِّج عليها ويتقدمها. يسير فنسير متغربين (لكنه معنا)، وهو مصدر وجودنا وحياتنا وراحتنا ، ولولاه لابتلعونا ونحن أحياء.
مشقات وأنين وتهديدات ودماء واستقواء ومخاداعات خسيسة وكراهية ومظالم لا حصر لها ؛ دفعت بملايين المسيحيين في الشرق إلى الهجرة والتشريد والمبيت في غربة العَراء والعوز ، يعانون الخسارة والاغتراب الظالم... سواء داخل أوطانهم او منفيين خارجها ،خسروا كل شيء ، خسروا أوطانهم وممتلكاتهم وتاريخهم وذاكرتهم ، ماضيهم وحاضرهم ، هاربين من الوحشية والهمجية البربرية. لكنهم واثقين بعين الإيمان أن مولود المذود سيحملهم كما يحمل النسر وحيده ، على جناحيه ليضعهم من قمة موضع إلى أخرى ، وسيستودعهم عُشَّهُ بأمان وسلامة ؛ ”لأَنَّ الذِينَ تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بالكَلِمَةِ“ (أع ٨ : ٤) ، وفي هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذﻱ أحبنا.
إننا في هذه الآونة الصعبة نذكر ونتذكر إخوتنا الذين فرُّوا راحلين من العراق وسوريا وباكستان وفلسطين ومن ومصر ، هاربين من الفساد والتضييق ومن وجه الشر الكريه ، ومن أمام المتنمِّرين الضامرين القتل والسفك والسلب والنقمة ، ومن هؤلاء الإرهابيين الذين خطفوا البلاد وجعلوها لا خريفًا مصغر بل شتاءًا عاصفًا طويلاً مخضبا بدماء الابرياء وصراخ النساء وعويل الارامل والأطفال
. لكننا بعين الرجاء نشارك إخوتنا الذين تشتتوا جراء هذه الضيقة الكبيرة ، رسالة مسيح المذود المولود وسط معاناة الاغتراب والعوز والصقيع. واثقين انه لن يتركهم ، وهم غير منسيين عنده ، إذ أنهم بسبب اسمه الحسن الذﻱ دُعي عليهم صاروا متجردين من مقتنياتهم وفي استغناء عن كل مالهم من اجل الاحتفاظ برجاء خلاصهم منبوذين مطرودين ، لكنهم مطوَّبون مع كل الذين طردوهم وعيروهم وقالوا فيهم كل شر كاذبيين.
إن مسيحنا الحي يمكنهم ليكونوا فرحين متهللين لأجل أجرهم العظيم الذﻱ في السموات ، ويضيء بصليبه على كل الربوع ، بنور لا تُخفيه السنين ، ونار تحرق كل المضادين. طالبين من الملك المولود أن يحل بروح الحرية والحياة وقوة السلام ؛ لتحل محل الحروب والسيوف والرماح والخراب ، جاعلا هذه الأرض التي للدوس والعداوة والدماء ، أرضًا للعيش والرحمة والسجود والإطلاق... مصلين كي ينقذنا الله مخلصنا ؛ وينجينا إله خلاصنا من الدماء. وهو وحده القادر أن يُخرجنا من الظلمة إلى نوره العجيب ، حتى يختم صفحات التاريخ ؛ وتبرز صورته مرسومة في أعمال شهوده وشهداءه ومعترفيه ومتقيه ، حتى تكتمل صورة الكنيسة كإنطباق المثيل على المثيل.