الأقباط متحدون - عن حصاد الخلط بين «الدين» والسياسة
أخر تحديث ٠٠:٣١ | الاثنين ٢٩ ديسمبر ٢٠١٤ | ٢٠كيهك ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٣٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

عن حصاد الخلط بين «الدين» والسياسة

الدين والسياسة
الدين والسياسة

 بقلم د. عماد جاد  

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية بدأ التيار السلفى فى مصر التسخين مبكراً من خلال العودة لتوظيف الدين فى خدمة السياسة وتحديداً لحصد الأصوات فى الانتخابات القادمة، مستغلاً ارتفاع معدلات الأمية وانتشار الجهل وسابق الخبرة فى توظيف الدين منذ مطلع سبعينيات القرن الماضى من قبل النظام السياسى وصولاً إلى توظيف التيارين الإخوانى والسلفى فى انتخابات ٢٠١١ التى منحتهما معا غالبية مقاعد البرلمان السابق. تصاعدت مرة ثانية اللغة الموظفة للدين من جانب تيار الإسلام السياسى

ويعود حزب النور ليثير قضايا يريد من خلالها تديين المجال العام والزج بالدين فى أتون السياسة. صحيح أن المشكلة الحقيقية تكمن فى مواد فى دستور البلاد تتحدث عن «دين» للدولة، والدولة كائن اعتبارى لا دين له، ولا يوجد من بين وظائف الدولة «المدنية» وظيفة دينية، فليس من وظيفة الدولة المدنية أن تساعد المواطن على دخول الجنة. الدولة المدنية ينبغى أن تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والمعتقدات. الدولة المدنية محايدة تجاه الأديان والمعتقدات، فمنذ نجاح الدولة القومية فى أوروبا فى الفصل بين الدولة والكنيسة، توقفت عملية توظيف الدين وبدأت عملية التطور الديمقراطى، ومنذ ذلك الوقت عرفت أوروبا عصور النهضة والتنوير.

فى عالمنا العربى لم نبدأ مرحلة التطور بعد، لم نفصل ما بين الدين والسياسة، ومن ثم يشهد العديد من دول العالم العربى حروبا على الهوية الدينية والطائفية، انظر إلى الواقع فى سوريا، العراق، اليمن، البحرين لتجد الصراعات والحروب على أساس الهوية الدينية والطائفية، وحتى فى دول الدين الواحد والطائفة الواحدة تجد الصراع من أرضية ادعاء الأكثر إخلاصا للدين بل الأكثر إيمانا.

لم تحقق أى دولة درجة من درجات التطور الديمقراطى، ناهيك عن العلمى ما لم تفصل بين الدين والسياسة، ما لم تبدأ عملية التحول الديمقراطى وبناء الدولة المدنية الحديثة أو الدولة العلمانية والتى تعنى الفصل بين الدين والسياسة دون اتخاذ موقف سلبى. الدين، أى دون معاداة للدين، أى دون فصل بين الدين والمجتمع، فالدين له التبجيل والتقدير والاحترام والقداسة كمجال خاص بين الرب والعبد، بين الإنسان وخالقه، دون تديين للمجال العام.

من يمارس العمل السياسى عليه أن يدرك أن السياسة لعبة توازنات وتحالفات لا تخلو من المناورة والخداع، فقديماً قال فلاسفة اليونان (أرسطو وأفلاطون) إن السياسة ليست مجال عمل الرجل الفاضل، ومن بعدهم جاء مكيافللى ليقدم نصائحه للحاكم فى كتاب «الأمير» وجميعها نصائح باستخدام الخداع والغش والمناورة والمبادرة بالقضاء على الخصم، وغير ذلك من نصائح لاتزال صالحة لعالم السياسة. إذن لا مجال للحديث عن قواعد أخلاقية للعمل السياسى، فهذا كلام إما نابع عن جهل أو خداع، فلا مجال للمزج بين الدين والسياسة، فالدين مقدس وثابت والسياسة تتسم بالانتهازية والتغير، والإصرار على المزج بينهما فيه ضرر شديد للاثنين، ففى المزج بين الدين والسياسة مساس بقداسة الدين وإساءة له

وفيه أيضا تكبيل السياسة من أن تعمل وفق قواعدها المتعارف عليها، قد يرد البعض من أنصار هذا الخلط بأنهم يسعون لابتداع نموذج يمزج بين الدين والسياسة فيطهر الأخيرة ويضع قواعد أخلاقية لها، والسؤال هنا يكون أعطنى تجربة واحدة فى العالم منذ التاريخ المسجل نجح الدين، أى دين، فى بناء نظام سياسى أخلاقى أو تمكن من تطهير السياسة والساسة، فى المقابل فإن جميع تجارب المزج بين الدين والسياسة أضرت بالدين وهزت صورته أمام الشعب، حدث ذلك فى أوروبا فى العصور الوسطى، وحدث فى العالم الإسلامى وحدث فى مصر، فقد تسببت تجربة الإخوان والسلفيين بعد الخامس والعشرين من يناير فى بروز ظاهرة الإلحاد فى مصر على نطاق أوسع مما قد يتصور البعض، والإصرار على مواصلة المزج

أو الخلط بين الدين والسياسة سوف يؤدى إلى اتساع نطاق هذه الظاهرة ويدفع بمجتمعاتنا إلى السير فى طريق سبق وسارت فيه المجتمعات الأوروبية التى اتخذت قرارها بالفصل بين الدين والدولة، الدين والسياسة بعد صراع مرير بين رجال السياسة ورجال الدين، بين الملوك والأمراء والكنيسة، وبعد حروب دموية بين الكاثوليك والبروتستانت دامت سبعة عقود كاملة فى القرنين السادس والسابع عشر عرفت بالحروب الدينية انتهت بمعاهدة صلح وستفاليا عام ١٦٤٣ التى أقرت قواعد التعامل بين أول القومية، نجحت أوروبا فى الوصول إلى المعادلة الذهبية التى حققت لدولها النهوض، التقدم والاستقرار، وهى معادلة الفصل بين الدين والسياسة، بين الكنيسة والدولة، وباتت قاعدة ذهبية وشرطا مسبقا لازما لأى نمو، تطور واستقرار.

اليوم يوجد لدينا من يريد إعادة التجربة من جديد، يقول إن لديه خصوصية تجعل النتائج المترتبة على هذا الخلط مختلفة أو مغايرة عما جرى فى أوروبا، ويطلب منا منحه الفرصة، يقول ذلك وتجاربه حولنا أتت بنتائج أكثر كارثية مما حدث فى أوروبا، انظر إلى أفغانستان، إيران، السودان والصومال، انظر أيضا إلى حال البلاد التى يتصارع أهلها على هذه المعادلة (سوريا، ليبيا، اليمن والعراق). لكل هؤلاء نقول للدولة وظائف حددتها تجارب البشر، ولها أدوار تتسع وتضيق حسب خبرة الشعوب وتجارب البشر، منها توفير الأمن، تنظيم حياة المواطنين

إدارة بعض مجالات الاقتصاد، العمل على تحقيق الرفاهية وغيرها من الوظائف المرتبطة بحياة البشر على الأرض، وليس من بين وظائف الدولة أن تساعد المواطن على دخول الجنة، من وظائفها أن تعمل على إسعاد مواطنيها، وأن تعمل على أن يكونوا مواطنين صالحين، لكن أبدا لم ولن تكون من بين هذه الوظائف «إدخال المواطن الجنة» حسب رؤيتها أو تحديد خياراته الدينية، فتلك مسألة تخص الشخص ذاته من حقه أن يؤمن بما يشاء، ومن حقه كذلك أن يكفر بما يؤمن به الآخرون، ويعتقد فيما يشاء وقتما شاء، والله سوف يحاسب الجميع على أفكارهم وسلوكياتهم.

نقلآ عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع