بقلم نوري إيشوع
كما تعلمون، أنه بعد أيامٍ قليلة ستنتهي سنة ميلادية سادها حزنٌ عميق نتيجة القتل و التنكيل و الترهيب و التدمير على إيادي الشر و أعوانه وستبدأ سنة ميلادية جديدة نحلم جميعاً بان تكون سنة خير و محبة و سلام!
أحبائي تحتفلون في عيد ميلادي أنا طفلُ المغارة، كم هو جميل و رائع ان تتذكرونني ولو مرة في السنة، لكنني ألاحظُ بأن الناس في الماضي كانوا يحبونني ويذكرونني اكثر بكثير من هذه الأيام! والمحزن، المبكي، إنه سنة بعد سنة ينسى العالم معنى وجوهر الميلاد وبهذه المناسبة يجتمع الأهل والأحبة والأصدقاء حول مائدة كبيرة مفروشة بأطيب المأكولات و المشروبات إذعاناً بالإحتفال دون أن يتذكروا صاحب العيد نفسه.
في السنة الماضية، كان هناك أحتفالاً كبيراً في ليلة ميلادي ولكن للأسف لم يتذكر احد أن يدعوني، كان العيد بأسمي شكلياً فقط . قررتُ أن أنضم للحفلة بدون دعوة ودون أن يشعرُ أحداً بوجودي. وقفتُ في أحدى الزوايا وأنا أراقبُ الجميع وهم يرقصون ويغنونون ويشربون ويتبادلون النكات والضحكات, يتبادلون أطراف الحديث عن كل شيء إلا الحديث عن صاحب العيد
بإختصار كانت تعم الفرحة المكان. لكي تكتمل الحفلة، وصل الى المكان رجل بدين و ذو لحية بيضاء وهو يرتدي لباساَ أبيضاَ مطرزاَ بالأحمر، و هو يضحك ضحكة مصطنعة! توجهتْ اليه أنظار الجميع دون أستثناء وهرعوا لإستقباله واجتمعوا حوله وكأنه صاحب العيد وكإن الحفلة مقامة على شرفه، في منتصف الليل بدأ الجميع بتبادل التهاني بالسنة الجديدة، فتحتُ يديّ متوقعاً أن يتقدم أحداً من الحاضرين نحوي، يضمني الى صدره و يقدم لي التهاني بعيد ميلادي، لكنه خاب ظني ولم ينظر الي أحدهم ولو نظرة. ثم تبادل الجميع الهدايا وغادروا المكان واحداَ تلو الآخر، تُألمتُ ألماً شديداَ، ((تصوروا كم هو مؤلم و قاسٍ أن يجتمع كثيرين للاحتفال بعيد ميلادك، فيتبادلون الهدايا فيما بينهم ولكن دون أن يقدموا لك إيةَ هدية!؟)) أخيراً أقتنعتُ كل القناعة بانني شخصاً غير مرغوب فيه في الحفلة، لذا قررتُ الأنسحاب من المكان بصمتٍ كما دخلته بصمتٍ.
أخوتي و أعزائي، هل سألنا أنفسنا جميعا، ما هي السنة الميلادية و ما هو معناها؟ هل فكرنا من هو صاحب العيد؟ هل فكرنا أن نجعل هذه المناسبة المجيدة، الرائعة فرصة نسامح بها حتى أعدائنا، نزرع بها المحبة و نفرشها على الجميع دون إستثناء؟ هل فكرنا أن نتوبة توبة حقيقية ونولد ولادة جديدة كما حصل لنيقوديموس؟ هل فكرنا بالبؤساء و الفقراء و المحتاجين، هل تذكرنا بهذه المناسبة الأعجوبية، أطفالاً يتضرعون جوعا و تنتهك براءتهم بهمجية وحاولنا زرع البسمة على شفاههم المرتجفة من سياط البرد القارس و الزمهرير اللإنساني الهائج؟
لنصلي جميعا بقلوبٍ خاشعة و ركبٍ جاثمة و رؤوس مرفوعة الى السماء طالبين إله المحبة و السلام أن يفرش على العالم الأمن و السلام و ينثر علينا جميعا ثياب حنانه و محبته لتنعم المعمورة بالهدوء و السَكينة و يعيش الإنسان إنسانيته الحقيقة.
أخيراً أتقدم منكم جميعا على إختلاف عقائدكم و إيمانكم و دياناتكم و أقول لكم كل عام أنتم و شرقنا الجريح و العالم بإلفِ خير و سلام منعمين بنعمِ إله المحبة و السلام!