الأقباط متحدون - من الفنان إلى صاحب السلطة: «ابعدوا عنا»
أخر تحديث ٠٤:٤٢ | الجمعة ٢٦ ديسمبر ٢٠١٤ | ١٧كيهك ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٢٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

من الفنان إلى صاحب السلطة: «ابعدوا عنا»

 د. وحيد عبدالمجيد
د. وحيد عبدالمجيد

عبر الفنان الكبير عادل إمام عن موقف كل من يعرف أهمية الإبداع لتقدم أى بلد عندما قال لرئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب الأسبوع الماضى «ابعدوا عنا». وقصد بذلك عدم تدخل السلطة وأصحابها فى الإبداع الفكرى والفنى والأدبى بجميع أشكاله، لكى تتفتح الزهور فى مجتمع أصابه من التجريف الثقافى والتسطيح الفكرى والعبث العقلى الكثير.

وإذا كان ابتعاد السلطة عن الإبداع بهذا المعنى مطلباً لكل من يتطلع إلى الخروج من دائرة التخلف، فلعل صدوره عن فنان لم يختلف مع أى سلطة أو يعارضها يؤكد أنه صار ملحاً لا يحتمل أى تأجيل.

لقد تحدث «الزعيم» بلسان كل من يعرف أن الإبداع لا يزدهر فى ظل القيود عندما رد على إعلان محلب الاستعداد لدعم المبدعين بعبارة موجزة تلخص ما يطول شرحه بشأن أن أفضل دعم تقدمه أى سلطة للإبداع هو أن تبتعد عنه. ومما يتضمنه أى شرح لهذا المعنى التذكير بالمادة ٦٧ فى الدستور الذى وضع فى مكان غير معروف فنسينا نصوص بابه الثالث الذى يحفل بحقوق وحريات تجعله من أفضل الدساتير فى هذا المجال.

ويحتاج المهندس محلب، باعتباره الرجل الثانى فى السلطة التنفيذية المطلوب ابتعادها عن الفن، وغيره من أشكال الإبداع، إلى قراءة المادة ٦٧ التى تنص على أن «حرية الإبداع مكفولة». كما تحظر هذه المادة على السلطة التدخل فى الإبداع، وتمنعها من أى مساس به، وتفرض عليها اللجوء إلى القضاء إذا أرادت أن توسع اختصاصها وتنصب نفسها رقيباً على المجتمع، سواء على طريقة «الإخوان» والسلفيين أو غيرهم. فليس أمام هذه السلطة حين تمنح نفسها اختصاصاً دينياً أو أخلاقياً مناقضاً لطبيعة الدولة المدنية، إلا أن تلجأ إلى القضاء وعن طريق النيابة العامة وفق المادة ٦٧ حتى لا تسلك سلوك المتطرفين الذين يرفعون دعاوى حسبة.

ولذلك ما كان لرئيس الحكومة، بموجب هذه المادة، أن يمنع عرض فيلم سينمائى بقرار إدارى لا يجوز له إصداره لأى سبب، وبأى صيغة مباشرة أو غير مباشرة. فليس له، إذا ظن أنه يملك سلطة دينية أو أخلاقية، إلا أن يلجأ إلى القضاء بموجب المادة ٦٧ من الدستور.

وليته، هو وغيره من أصحاب السلطة، لا يفعلون ذلك، ويتركون الحكم على أى عمل فنى أو أدبى أو فكرى للأفراد الذين يشاهدونه أو يسمعونه أو يقرأونه. فخير ما تفعله أى سلطة تريد خيراً لبلدها هو أن تبتعد عن الإبداع بجميع أشكاله. فيكفى الإبداع ما يلقاه، ويكفى المبدعين ما يعانونه، من جرَّاء سعى بعض رجال مؤسسة الأزهر إلى تقييده، وتربص متطرفين لا يريحهم إلا الإجهاز على ما بقى من تفكير إبداعى بعد عقود التجريف والتصحير.

فلا تملك السلطة الأدوات اللازمة للحكم على أى عمل إبداعى، أو حتى تقييمه. ولا يصح التعامل مع عمل إبداعى ينطوى على خيال ومجال ورمز كما لو أنه مقال رأى يتضمن تعبيراً مباشراً عن موقف ما.

فالمسافة شاسعة بين رأى متضمن فى مقال أو تصريح، وإبداع يعتمد على المجاز الذى قد يجعل الخيال واقعاً أو يربط الواقع بالخيال، ويكون المعنى فيه وراء الكلام المسطور فى كثير من الأحيان. والفرق كبير بين لغة الواقع حين يعبر المرء عما يراه أو يعتقده أو يؤيده أو يرفضه، ولغة الإبداع المجازية بما تنطوى عليه من خيال وترميز وبناء عالم يتجاوز الواقع، ويكون الحكم عليه من ثم بأدوات لا يملكها من لا يعرفها.

ولذلك ينبغى على صاحب السلطة إدراك طبيعة العمل الإبداعى من حيث إنه يعبر عن خيال الكاتب وما يقدمه من صور ورموز وتصورات تتجاوز المعانى الظاهرة والمباشرة. فهذا عمل يُعمل فيه المبدع عقله، وليس مجرد عمل يجرى به قلمه أو ريشته أو يستخدم فيه الكاميرا. ومن الطبيعى، والحال هكذا، أن يختلف فهم الناس لمقاصد بعض الأعمال الإبداعية.

ويحتاج الإبداع على هذا النحو إلى مساحة أوسع من الحرية حتى عندما يتعلق الأمر بمسائل تتصل بما يُعتبر «تابوهات» دينية وجنسية وغيرها، طالما أنها جزء لا يتجزأ من نسيج العمل وسياقه، وليست مقحمة فيه. ولذلك لا ينعقد الحكم على العمل الإبداعى إلا لمن يملك أدواته ويعرف مناهجه ويلم بحقول الإبداع ومناهج النقد فيها.

وحتى إذا كان فى العمل الفنى أو الأدبى من الضحالة والإسفاف ما لا يتطلب إدراكه مثل هذه المعرفة، لا يجوز لصاحب السلطة التنفيذية حجبه أو منعه. فمن يتدخل ضد عمل سيئ، سيفعل مثل ذلك ضد عمل جيد، وستكون النتيجة هى إرهاب المبدعين وتسطيح العقل، وقطع الطريق على أى محاولات لتطوير العلم.

فالعقل الإنسانى لا يتجزأ، ولا يمكن أن ينطلق لإنتاج علم وتكنولوجيا وهو خائف مذعور بسبب وطأة القيود التى تكبله فى مجال الإبداع الفكرى والفنى والأدبى. وليس ممكناً التطلع إلى وضع حد لتدهور التعليم الذى بات إنقاذه قضية حياة أو موت بدون ترك الزهور تتفتح من خلال فتح الأبواب للإبداع بلا قيد أو شرط. فلا علم بلا تفكير. ولا تفكير بلا إبداع. ولا إبداع بلا حرية. ولا نجاة من خطر الغرق فى الفشل حتى النهاية إلا بتغيير البيئة التى تضمحل فيها القدرة على الإبداع، وينتشر بين ثناياها الجهل، والتخلف، وينمو فى ظلها التطرف.

وهكذا، فكلما ابتعدت السلطة عن الإبداع اقترب المجتمع من التقدم.
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع