أسس وزير التموين لنظام المقايضة بدلاً من النقود فى البيع والشراء الذى يرجع إلى عصر المماليك وأن الدولة تشترى من الشعب كل شىء بزجاجة زيت أو برطمان صلصة فهاهو يعيدنا الآن إلى عصر الوفاة المبكرة.
تقابلت بالمصادفة مع سيدة متقدمة فى السن قادمة من إحدى محافظات الصعيد لتطمئن على ولدها الذى مر عليه ستة أشهر ولم يسافر ليطمئن عليها أو يرسل إليها ما يساعدها على المعايش. وجدتها جالسة على باب البناية التى نسكنها وبعد أن عرفتنى بقصتها سألتها: مبسوطة من المقررات التموينية ياحاجة؟! ردت بحدة أهل الصعيد: ربنا ينتقم من كل مسئول لا يشعر بالفقراء وبإحتياجاتهم وداعية عليهم من كل «جلبى»! سألتها ليه بس؟ ردت: بعد ماكنت بصرف «جزازتين» زيت «وكيسين» سكر و«كيسين رز» ترسى المسألة على «جزازة» زيت وكيس سكر! هو ما فيش حد حاسس بالغلابة غير ربنا؟! قلت لها بس ياحاجة النوعية بقت أحسن والزيت فاتح والأرز سليم!! قالت الأمور دى تهمكم أنتم يا مصراوية يابتوع الزيت الفاتح والرز السليم إنما الفقراء اللى فى الصعيد عندهم الزيت هو الزيت فاتح غامق مايهمش المهم يكون موجود ونضيفه للفول ونكسر بيه سم الجبنة القديمة المعتقة من بلاص المش أو نقلى بيه باذنجان،
والرز هو الرز أهو مرة نعمله بالبصل ومرة بالطماطم وغيره، وبعد ده كله يقولوا لنا فيه لحمة وفراخ وصلصة وما أدرى أيه على البطاقات وكأن البطاقة التموينية فيها «كنز سليمان» وهى أقصاها «جزازة زيت وكيس سكر أو كيس أرز»! بتضحكوا على مين يا أهل مصر على الريس ولا على مين؟! إحنا فى الصعيد أصبح كلاب البرارى عايشين أحسن مننا ولا حد حاسس بينا، حتى ابن بطنى فايتنى وأنا «ماحدانيش» غيره!
هذا هو حال أهل الصعيد الذى لا يشعر بهم وزير التموين والذى خدع أهل البندر والقاهرة؛ حيث الصحف وأصحاب الصوت العالى بأن السلع التموينية أصبحت أفضل على حساب الكمية؛ لأنهم فى الأغلبية من أصحاب المؤهلات العليا والمتوسطة أو أصحاب المهن المربحة الذين يهمهم الكيف وليس الكم، وأستطيع أن أؤكد أن أغلبهم لا يستحقون صرف السلع التموينية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعدالة الاجتماعية وأهل الصعيد فإن وزارة التموين هى المسئول الوحيد عن توفير الغذاء للفقراء والأمر ينبغى أن يوزع طبقًا لبيانات الفقر التى تظهرها الإحصاءات الرسمية.
البيانات الصادرة من الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى منتصف هذا العام تشير إلى أن متوسط نسبة الفقر فى المدن نحو 26.3 بالإضافة إلى 5% لنسبة الجوع بإجمالى 31.3%، بينما ترتفع هذه النسب فى محافظات الصعيد أسيوط وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان إلى 67% للفقر والجوع وبالتالى فإن المنطق يستوجب وضع معاملة خاصة لأهالى محافظات الصعيد الخمس تتضاعف فيها مخصصات الغذاء على بطاقات التموين سواء بتدبير موارد أو بتخصيص دعم للموازنة فهم بالتأكيد أولى من الأموال بالويبة التى حولها وزير التموين لأصحاب الأفران والتجار وبقالى البطاقات التموينية. الأمر يتطلب التقدم بمقترح وفورًا باستبعاد كل أساتذة الجامعة ورجال النيابة والقضاء وأصحاب المؤهلات العليا التى مر على تخرجهم عشر سنوات وأصحاب المحال التجارية ومعهم رجال الشرطة والجيش من البطاقات التموينية لمضاعفة مخصصات الغذاء للقرى الأكثر فقرًا بالصعيد، ولا أخفى عليكم القول بأن أستاذًا جامعيًا أخبرنى بأنه يتسلم مقرراته التموينية ويقوم بوضعها فى شنط بها زجاجة زيت وكيس أرز ويوزعه على الغلابة لأنه «يستحرم» هذا التموين! وهذا ليس من حقه فطالما أنه لا يحتاج للدعم فليتركه للدولة فهى الأقدر على الوصول إلى فقراء الصعيد قبل أن يموتوا جوعًا.
بعد أن أسس وزير التموين لنظام المقايضة بدلاً من النقود فى البيع والشراء الذى يرجع إلى عصر المماليك وأن الدولة تشترى من الشعب كل شىء بزجاجة زيت أو برطمان صلصة فهاهو يعيدنا الآن إلى عصر الوفاة المبكرة بمتوسط عمر وفاة للمصريين بين 40 إلى 48 سنة بعد أن قفزت به الدولة إلى 63 سنة. فمن المعروف أن متوسط العمر المنخفض ينتشر فى الدول الأفريقية الفقيرة ومعها محافظات الصعيد والبعيدة نسبيًا عن تلوث أهل بحرى بسبب استخدام الوقود البدائى فى الطهو من أخشاب وفروع الأشجار والحطب والقش وبقايا المخلفات الزراعية بسبب ما يستنشقونه من دخان أسود وهباب يدخل فى صدورهم ويملأ جو بيوتهم فيقصف عمرهم. لكن الوزير المملوكى الذى عودنا ألا يعمل الفكر أبدًا قرر أن يصرف لأهل الصعيد حصتهم التموينية من الخبز على صورة قمح ودقيق ليخبزوا على أفرانهم البدائية ولتمتلئ صدورهم وصدور صغارهم بالدخان والهباب وليموتوا صغارًا بسبب الرجوع إلى الخلف مع الوزير المبدع، وبالطبع لا يتحملون ثمن ولا كهرباء الأفران الحديثة.
هل الشعوب تتقدم أم تعود إلى الوراء؟! ياويلنا من البعض عندما يشغلون عقولهم!
نقلا عن الدستور