بقلم مكاوى سعيد | الثلاثاء ٢٣ ديسمبر ٢٠١٤ -
٠٦:
٠٩ ص +02:00 EET
مكاوى سعيد
كان صباحاً عبثياً تماماً أو سيريالياً، فبينما كنت أجلس وأشرب قهوتى دون شريك، لمحت على الجدار المقابل لى «بوستر» لمعرض فنى للفنان التشكيلى خالد سرور، فى أحد الجاليريهات بالزمالك، اسم المعرض كان «لعب عيال»، وتتصدر البوستر لوحة جميلة من أعمال الفنان، يظهر فيها «بهلوان» يتأرجح وحوله بعض الكرات التى يلعب بها، وبداخل اللوحة مجموعة من «الموتيفات»، خاصة بعالم السيرك، وأسفلها قط صغير رسمه الفنان بصورة كاريكاتيرية مندهشا وأذناه مشرئبتان وبجسد طويل، وهذا أمر عادى لو لم تتبعه الغرائبية حين قفز أحد قطط الشارع أو المقهى على وجه التحديد على الحجر الأسمنتى البارز لتحلية الجدار والذى ينتهى عند نصفه على هيئة هرم مدرج، اعتلى القط قمة المدرج فأصبح وضعه أسفل البوستر بالضبط، وبكفه الذى يشبه كف بكار«أبوكف رقيق وصغيّر.. وفى رأيى أن هذه الجملة التى من إبداع الشاعرة أمل فرح من أعذب جُمل الشعر العامى».. هذا الكف الصغير، وبدون مبالغة، مده القط تجاه القط المرسوم وتحسس وجهه، وكنت أراقبه بذهول، مع احتمال أن هذا المشهد تم بالمصادفة، لكن القط فاجأنى بأنه بأظافره بدأ ينزع السلوتيب من أسفل البوستر كأنه يرغب فى تحرير القط، ثم للأسف عبر عابر فهرب القط ولم يعد إلى هذا المكان، «وعلى فكرة، هذا ما حدث بالتفصيل، واللى مش مصدق هو حر».
وبما أن العجائب لا تأتى فرادى، بعد أن خفّت الرِجل على المقهى عند الظهر، استأذن الجرسون فى الجلوس كعادته عندما يطلب مشورة أو يستفسر عن الوضع السياسى أو يريد أن يتبادل معك بعض النكات، لكنه هذه المرة أخرج محموله وفتحه على رسالة أتته من إحدى شركات الاتصالات، واندهشت لأنه على قدر متوسط من التعليم وليس معقولا أنه يريد منى قراءتها، لكنه أرانى رسالة من إحدى هذه الشركات تفيد بأنه جمّع كلمة «نوم» فأصبح قريبا من الفوز ولو جمّع كلمة «أوضة» يكسب أوضة نوم كاملة بالأجهزة، كانت رسالة صريحة لا تتفق مع قلقه، وأخبرته بقدر معرفتى أنه كلما شحن «كارت» جديدا يجمّع بعض الحروف، وفى النهاية تكتمل وتكمل كلمة ما تصبح هديته، لكنه لم يقتنع ولمحت قلقه فسألته عن دواعيه، فأخبرنى بأنه خائف أن تكون شركة المحمول اطلعت على رسائله الخاصة ووجدت أنه يستخدم كلمة نوم كثيرًا، لذا اختارت له هذه الهدية، فهمت ما يرمى إليه، فابتسمت وطمأنته بعد أن طلبت منه الكف عن إرسال واستقبال الرسائل القبيحة.
وبعد أن غادرنى، فكرت فى شركات المحمول وأساليبها العجيبة، ومن الحق الذى منحته لنفسها واستلبته منا باستخدام قواعد البيانات التى بها كل معلوماتنا وتقديمها نظير أجر دون إذن لكل من هب ودب؛ شركات التأمين التى تطاردك بالبوالص.. وأصحاب التايم شير الذين يطاردونك بالعروض.. والأحزاب المختلفة والنقابات الخاصة والأندية.. بالإضافة طبعا إلى الشركات التى تقدم مسابقات فى كل الفنون، وفى النهاية بتطلع فكسانة وأى كلام.. إلخ.
وقبل أن أغادر المقهى لمحنى الجرسون وأنا أتربص للقط وهو على الجانب الآخر لعله يعود إلى البوستر، فأقبل نحوى الجرسون مرة أخرى وسألنى مازحا: هو إنت متأكد يا أستاذ إن الشركات دى مابتفتش الرسايل؟ أدركت أن وراءه مصيبة، فقلت له بانتباه: هو فى إيه بتكتبه فى الرسايل وعاملك قلق؟ أجابنى مبتسما بأنه فى نهاية كل رسالة يرسلها لخطيبته يوميا يطلب منها قَطّة «قبلة»، وأنه بدأ يخاف الآن أن تعتقد شركة المحمول أنه يحب القطط فترسل له مجموعة منها، وهو متعقد منها خالص!
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع