بقلم: مينا ملاك عازر
لم أهتم كثيرًا بتوقيع خمس دول أفريقية -تقع على منابع النيل- للاتفاقية الإطارية التي تحكم مسألة بناء السدود، وحصة كل دولة من الدول من مياه النيل، وتنظيم العلاقات المائية فيما بينها، وعدم توقيع مصر والسودان -دولتي المصب- على هذه الاتفاقية.
ولم أنزعج كما انزعج الجميع من أن تأتي علينا فترات جفاف وعصور لا نجد فيها الماء.
لم يكن هدوئي نابع من ثقةٍ في حكومتنا بأنها ستحتوي الموقف، ولا من ثقتي بأن هناك حلول بديلة، كأن نعتمد على المياه الجوفية، أو تحلية ماء البحر، أو ما إلى ذلك، على الإطلاق.
فشيءٌ من ذلك لا يدفعني للثقة، فالحكومة ليست موضع ثقتي، ولا ماء البحر سيجد مَنْ يُحلِّيِه، ولا المياه الجوفية سَيُخرجُهَا أحدٌ بشكل علمي ومنظم.
لكن ثقتي في أننا لن نعطش.. تأتي من ثقتي في حكمة رجال الصين، فهم حتمًا سَيُصَدِّرونَ لنا الماء أو بدائل له، أرخص بكثير من تكلفة الماء التي ندفعها شهريًا في بيوتنا رغم وجود النيل.
ورغم أنني أعلنتُ عن ثقتي وطمأنينتي على أننا لن نعطش، إلا أن القلق يعصف بقلبي عَصفًا، "لماذا"؟! الإجابة هي أنني قَلِقٌ على الفنادق التي يَدخُلُ النيلُ في اسمها؛ مثل: (النيل هيلتون، وشيراتون النيل)، ماذا سيصبح اسم هذه الفنادق بعد ما يفنى النيل؟!
لي صديق أجاب قائلاً: سوف يضيفون قبلها كلمة "سابقًا"، فيكون: "شيراتون النيل سابقًا".. وهكذا.
كذلك أنا أفكر في كيفية استغلال هذا الممر الطويل الذي يمر بطول مصر، والذي سيظهر ما أن يجف النيل؟ فهل سنجعله طريقًا بريًا على أعلى مستوى؟؟ مُجهَّزًا بأحدث التقنيات المدعومة من الحكومة الذكية؟؟
وإذا فعلنا هذا، ماذا سنفعل بالمراكب النيلية التي تجوبه؟، والمراكب الثابتة –السياحية- الكائنة به؟ هل سَنُثبِت بها "إطارات" وتتحرك؟
(قول الثابتة آهي ثابتة.. كده كده مش محتاجة للمية.. يمكن محتاجاها عشان المنظر.. مش مشكلة.. ممكن تعلق صور لمناطر طبيعية)
وأنا أظن أن مسألة جفاف النيل لن تطول، فأكيد عندما يرتفع البحر ويُغرق الدلتا؛ سيمتلىء مجرى النيل، وتعود المياه إلى مجاريها، صحيح أنها ليست نفس المياه، لكنها أيضًا مياه، ويمكن تحليتها ببعض السكر (تصبح الأشية معدن).
ومن أكثر الأمور التي سنشاهدها من بعد جفاف النيل، (منظر لذيذ مووت)، يتمثل في تَحوُّل هجراتنا من وجهتها نحو الشمال إلى الجنوب، ولكن في شكل هجرة جماعية نحو السودان، عبر درب الأربعين، ومنه إلى أثيوبيا ودول المنبع، حتى نستطيع أن نشرب، وكلنا بأيدينا "جراكن"، (مثل إخواننا اللي كانوا عطشانين من كام سنة في البرلُس)، ويمكن أن يخرج شعب مصر ويقطع الطريق الدائري، وبعض منه يقطع الطريق الدولي، والبعض الأخر يقطع هدومه.
المُختَصر المُفيد: "سقوط الإنسان ليس فشلاً، وإنما الفشل أن يبقى حيث سقط". |