كمال زاخر
يبدو أن هذا العنوان مازال صالحا، ومطلوبا، حتى اليوم وربما الغد، وها نحن نعود إليه مجدداً الآن وعام 2014 يلملم أروراقة مستأذنا فى الرحيل، بعد أن عادت الأبواق التقليدية لتتجمع من أقصى اليمين الراديكالى إلى أقصى اليسار الرافض دائماً وقد استغرقته غيوم الأيديولوجيا، وضمت معها نفر من شباب تاهت بوصلته، تتحالف معهم عناصر تحركت مصالحهم داخل الكنيسة وكذلك مواقعهم، يستدعون البعض ليستكتبوه
أو يضع اسمه على ما يسطرون خلف الأبواب المغلقة، على رمية حجر من المقر البابوى، ليجددون الحملة ضد البابا والكنيسة لخلخلة توجه التجديد الذى يتبناه قداسته، مدركين أن سقوط مشروعه التجديدى، يصيب حراك الخروج المصرى من نفق التخلف الذى حفرته أنظمة ولت وغربت شمسها. ويظن بعضهم أنهم بهذا يستردون ما كان لهم، أو يدرءون شبح الإنزواء ومفارقة الأضواء، والمصالح.
وقد هالهم الخطوات الجادة التى اتخذها قداسة البابا تواضروس على أكثر من صعيد، من الرهبنة إلى الإكليريكية، إلى التفاعل مع كنائس وأقباط المهجر، إلى التواصل الموضوعى مع الكنائس الأخرى من العائلة الأرثوذكسية الخلقيدونية، والكنيسة الكاثوليكية، وغيرها، فى اقتحام جسور لملفات شائكة وحادة، إلى محاولة ترتيب البيت من الداخل، فى مواجهة شبكة مصالح راسخة تظهر غير ما تبطن، وتمد تحالفاتها إلى خارج الكنيسة، وفى عكس مسارها.
تعددت الأسباب والاستهداف واحد ...
فقد اعتلى هذا العنوان أكثر من مقال لى على مدى أعوام مضت، يوم تعرض قداسة البابا شنودة الثالث لهجمة شرسة من المتربصين به وبالكنيسة فى نوفمبر 2002 عقب كلمة له فى ضيافة مجموعة "ليونز القاهرة" جاءت ردا على سؤال عن وضعية الأقباط فى مصر، وتطرق إلى أهمية مشاركتهم فى المشهد العام، فإذا ببعض الأقلام فى الجرائد التى تعودت أن تضع صفحاتها فى خدمة من يحكم، ومازالت، تشن حملة شعواء على قداسته، بأنه يطالب بالمحاصصة، ويدفع البلاد إلى التقسيم على أرضية طائفية، كنت حاضرا لهذا اللقاء، فبادرت بالرد وقتها على صفحات جريدة الفجر، التى احتفت بالرد ووضعته على صفحتها الأولى، ويتجدد استهداف البابا عام 2008 لأجدنى أعود لنفس العنوان وأكتب تحته :
[ ... عندما كانت الغيوم السبتمبرية تتجمع وقف قداسة البابا يعلن أمام الجموع الغفيرة فى الكاتدرائية ليرد على التهديدات التى جاءته تلميحاً فى خطاب رئاسى بقوله "ياإخوتى أننى على استعداد لا أن أموت من أجل كل قبطى فقط بل ومن أجل كل مسلم أيضاً " وكانت واحدة من تجليات الأبوة التى تمد مظلتها لكل إنسان .
وبغير مبرر معلن تعزف جوقة الظلاميين نشيد الهجوم المنسق على قداسة البابا متهمة إياه بأنه المسئول الأول ـ وربما الوحيد ـ عن الفتنة الطائفية ، ويشترك فى فرقة العزف أناس حملوا أمانة التمثيل النيابى ، خلعوا رداء المواطنة ليرتدوا جلباب الطائفية القصير ، بينما الرجل يرقد بين جنبات المستشفى يقاوم فى شيخوخته هجمات المرض وآلامه التى لا تقاس بطعنات مريدى الأمس القريب ، وفى تناغم وتنسيق ينتقل العازفون إلى دق طبول مهاجمة الكنيسة القبطية وكيف أنها تسعى لتصبح دولة داخل الدولة أو دولة موازية ، ويتصيدون فى اجتزاء كلمة لأسقف هنا أو هناك ، أو يقرأون مسيرات بعض من المصريين المغتربين الاحتجاجية فى بعض عواصم الغرب على أنها كارثة تهدد أمن مصر القومى فى تهويل فاضح ، ولا يقدمون إجابات موضوعية عن كيفية تحول نزاع على ملكية أرض إلى حوادث إجرامية بحق رهبان عزل ، لنكتشف أن نار الفتنة مازالت تحت رماد مجتمع يعيش فى مناخ متراجع ثقافياً بل ومخترق]
وعقب أول احتفال للكنيسة بعيد الميلاد المجيد عقب حراك 25 يناير 2011 الغاضب يتجدد استهداف الكنيسة والبابا فيجد العنوان نفسه مكاناً لأكتب تحته : [ .... وعندما حان وقت الكلمة البابوية وفى فقرة شكر الضيوف أسهب قداسته فى شكر الحاضرين من المجلس بقدر أثار شباب الثورة فانطلقت هتافاتهم تندد بهذا، وكان أن تصدى لهم أمن الكاتدرائية الداخلى واوسعهم ضربا واقتادهم إلى الخارج، ولم يحرك أحداً من الأباء ساكناً، كما صمتوا قبلاً عن دخول أحد القادة إلى الكنيسة محاطاً برهط من الحرس العسكرى حتى موقع جلوسه بالمخالفة للأعراف المرعية التى تمنع دخول أحد إلى الكنيسة بسلاحه!!!.
وكان من جراء هذه اللأمور أن اشتعلت المواقع الإلكترونية وصفحات الفيسبوك بتعليقات غاضبة تصادمت مع إدارة الكنيسة لتضيف للاحتقان احتقاناً، الأمر الذى يجب أن نتوقف عنده ملياً.
ففى الإطار السياسى من حقنا أن نختلف مع قداسة البابا فيما يتخذ من قرارات بعيداً عن العقيدة والأمور الدينية، إلا أن الأمر تجاوز مجرد الاختلاف لينطلق فى بعضه إلى استهداف شخص البابا وتصفية حسابات معلقة، وعند البعض لاختلاق مقارنة مع آخرين كمدخل للهجوم على الكنيسة فى استغلال غير أمين لحالة الاحتقان المتنامية لدى الأقباط من جراء الإدارة العنيفة والدموية لاحتجاجات ماسبيرو، والصمت المستفز عن كشف ملابساتها ومرتكبيها.].
وعندما يرحل قداسة البابا شنودة، ويخلفه قداسة البابا تواضروس، يتجدد استهداف الكنيسة والبابا، خاصة بعد مواقفها الثابتة المنحازة للوطن، وصمودها مع الحراك الشعبى فى 30 يونيو، واشتراكها كمكون أساسى فى مشهد 3 يوليو 2013، وهى تخوض معركة وجود. أعود لاستدعى نفس العنوان، ارفعوا أيديكم عن الكنيسة والبابا، وفيه : [.. الكنيسة لمن أغلق أذنية عن سماع ما قالته وأكدته ـ الكنيسة ـ منذ أن اسندت مهام قيادتها للقائم مقام البطريرك الأنبا باخوميوس ومن بعده البابا الجديد الأنبا تاوضروس من أنها ـ الكنيسة ـ ليست لاعباً سياسياً ولن تكون طرفاً فى صراع سياسى، ستبقى أبداً أمينة لدورها الوطنى المحملة به منذ ولدت وحتى أخر المدى.
الكنيسة لمن أغمض عينيه عن دورها البارز فى تضميد جراح الشباب الثائر عبر أبوابها المفتوحة لهم وبإحاتها التى تحولت إلى مستشفيات ميدانية، كانت ومازالت غطاء لكل بنى الوطن بعيداً عن طنطنة الترويج والدعاية المسيسة، تعمل فى صمت اعتادته باعتباره أحد مكوناتها، وفى حب لا تحيا إلا به، بينما كان أخرون يتبنون سياقات التخوين والتكفير وعندما حانت لهم الفرصة بعيداً عن المؤسسات الأمنية، فى تأسيس لمليشيات خربت لبنان والسودان والصومال بعقل بارد ودم فارق العروق أو تجمد فيها، أعادوا إنتاج آليات الإجهزة القمعية التى أطاحت بها ثورة الشباب المصرى، وفاتهم أن التقنيات الحديثة رصدت وسجلت ونشرت جرائمهم ].
نعود مجدداً لنقول ما قلناه سابقاً وبنفس الحروف والكلمات، [أيها السادة ارفعوا أيديكم عن الكنيسة .. ولعلكم تدركون أن الأقباط هم الرقم الصعب فى معادلة تاهت فيها الأرقام ].
حتى لو صح ما يتردد أن ثمة اختراق تم لمكتب قداسته، فالخبرة تتراكم والمراجعة والتصحيح منهج إدارة، ولن يصح إلا الصحيح.