بقلم: يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (518)
من الواضح أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يبذل قصاري جهده ليكون عند حسن ظن المصريين الذين أحبوه ووثقوا فيه واختاروه ليقود مسيرة إنقاذ وإصلاح مصر بعد ثورة 30 يونية.. ومن الثابت أيضا أنه منذ مجيئه رئيسا للجمهورية لا يدخر وقتا ولا جهدا من أجل العمل علي إرساء أسس وسبل تغيير حياة المصريين إلي الأفضل سواء بعمله الدؤوب في الداخل أو بأسفاره المتتابعة حول العالم لتحقيق المصالحة السياسية وتوثيق التعاون الاقتصادي مع سائر الدول لبناء مستقبل واعد مشرق لمصر والمصريين.
في هذا الإطار أجد أن الرئيس السيسي موفق بدرجة ملفتة في إرضاء المصريين وكسب ثقتهم.. لكن إذا تناولنا ما حدث علي الصعيد السياسي منذ نحو أسبوعين -في أعقاب صدور أحكام البراءة في قضايا مبارك وأبنائه وأعوانه- من توجيه السيسي للأجهزة التابعة له لدراسة تشريع يجرم كل من يتعرض لثورتي 25يناير و30يونية, ما من شك سنتوقف أمام علامات استفهام وتعجب إزاء مدلول مثل ذلك التشريع, وأول تلك العلامات سؤال ألح علي وهو: هل تتحول الرغبة في إرضاء الناس إلي إفسادهم؟.. فلا يخفي علي أحد أن توجيه الرئيس السيسي لدراسة إصدار تشريع يجرم كل من يتعرض لثورتي 25يناير و30يونية جاء ليضع حدا للغط الدائر منذ فترة بين الفصائل السياسية حول الثورتين,
وانقسامها بين مؤيد ومعارض:مؤيد 25يناير ورافض 30 يونية أو رافض 25 يناير ومؤيد 30 يونية أو مؤيد للثورتين أو رافض للثورتين معا!!.. وكأننا كشعب ليست أمامه تحديات جمة وأصبح يملك ترف إهدار الوقت والجهد في الجدليات العقيمة ليأخذ بزمام محاكمة التاريخ ليسقط عنه ما لا يروق له ويحتفظ بما يروق له!!!
صحيح أن ذلك يحدث ويسبب ضجيجا وصخبا في الشارع السياسي كما يلتقطه الإعلام ليستثمره ويؤججه.. لكن أن يتدخل رئيس الجمهورية ليحسم الأمر بتجريمه تشريعيا فذلك يتجاوز المقصد الطيب الذي ظاهره تهدئة الناس وإرضاؤهم وينزلق نحو إفساد الناس, علاوة علي ما يحمله إصدار مثل ذلك التشريع من مغبة فرض قيود علي حرية التعبير أو الانحياز لفصيل سياسي علي حساب فصيل آخر هذا علاوة علي شبهة الطعن بعدم دستوريته الأمر الذي سيمثل حرجا للرئيس نفسه.
إن المصريين جميعا مهتمون بتوثيق وتأريخ ما حدث في مصر منذ اندلعت ثورة 25يناير 2011 وما حدث طوال عامين ونصف حتي انفجرت ثورة 30 يونية 2013, وهذا يجب أن يترك لمجموعات رصد الأحداث وتقصي الحقائق وجمع الأدلة وتسجيل شهادات الكثيرين قبل أن ينتقل إلي عهدة المتخصصين في كتابة التاريخ, ولا يستقيم أن يترك للجدل السياسي أو التراشق الإعلامي حتي لا تتوه الحقيقية.. لكن في الوقت نفسه لا يمكن تكميم الأفواه وكسر الأقلام بوضع قصاص تشريعي ينزل علي كل من تسول له نفسه أن يعبر عن رأيه في أي من الثورتين.
لقد سبق لي أن كتبت في هذا المكان تقييمي للمسار الذي سارته مصر بين 25 يناير و30 يونية من واقع ما عايشته ورأيته, حيث اعترفت بصدق وأصالة غضبة المصريين في 25 يناير وخروجهم احتجاجا علي حكم جائر سئموه وإصرارهم علي الخلاص منه حتي نجحوا في ذلك بعد أسبوعين في 11 فبراير, لكن ثورتهم تلك اختطفت منهم علي يد التيار الديني المنظم الذي وقف يرقبها متربصا بها ونجح في ذلك نتيجة غياب القائد وانعدام الرؤية السياسية لدي من فجروا 25 يناير وحققوا 11 فبراير. إذا هي كانت ثورة صادقة وأصيلة فرطت في إنجازاتها لبراءة وعفوية مفجريها.. ثم توالت الأحداث بحلوها ومرها وعاشت مصر تجربة عصيبة كادت أن تعصف بها إلي أن تمرد شعبها علي مصيره البائس وانحاز جيشها إلي جوار ذلك التمرد الشعبي الكاسح ليتم إنقاذ مصر في 30 يونية.. وكان تقييمي لما حدث أن مصر احتاجت زهاء عامين ونصف العام حتي تفطم نهائيا من بدعة الإسلام السياسي وحكم جماعة الإخوان.
قد يتفق معي البعض وقد يختلف معي البعض الآخر.. لكن حتما لسنا جميعا نملك القول الفصل إزاء ما حدث بين 25 يناير و30 يونية.. وفي الوقت نفسه حتما لا يمكن إسكاتنا عن الحديث في هذا الشأن.. أو عقابنا بالقانون إذا سولت لنا أنفسنا أن نتحدث!!
نقلا عن وطنى