بقلم نسيم عبيد عوض
عندما جاءت البشارة من فم جبرائيل الملاك - الواقف قدام الله – لزكريا الكاهن ‘ بميلاد يوحنا المعمدان الذى عرفه " بأنه " يرد كثيرين من بنى إسرائيل الى الرب إلههم . ويتقدم امامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء الى الأبناء والعصاة الى فكر الابرار – لكى يهيئ للرب شعبا مستعدا – "مو1: 16و17. وهنا قد دقت الأجراس فى السماء ورفرفت إعلام البدأ ليتقدم موكب خلاص البشرية المنتظر حدوثة منذ آلاف السنين ‘
من وقت سقوط البشر فى أحضان إبليس‘ فالرب الذى قال عنه الملاك المبشر بيوحنا أنه يهيئ له شعبا مستعدا ‘ هو المسيا المنتظر ‘ والذى قال عنه زكريا الكاهن فى نبوته وقت ميلاد يوحنا " مبارك الرب إله اسرائيل لانه افتقد وصنع فداء لشعبه. واقام لنا قرن خلاص فى بيت داود فتاه. ..وأنت أيها الصبى نبى العلي تدعى لانك تتقدم امام وجه الرب لتعد طرقه. لتعطى شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم .باحشاء رحمة الهنا التى بها افتقدنا المشرق من العلاء. ليضيئ على الجالسين فى الظلمه وظلال الموت لكي يهدى اقدامنا فى طريق السلام."لو1: 68-80.
عظيم هو سر التقوى
لخص معلمنا بولس الرسول الإجابة على سؤال البشرية كيف خلص الله العالم من عبودية ومملكة إبليس ؟ بهذه الآية المثالية عن تقوانا الحقيقى بتجسد الله الكلمة ‘ وجاءت الآية شاملة جامعة" وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد تبرر فى الروح تراءي لملائكة كرز به بين الأمم أؤمن به فى العالم رفع فى مجد." 1تيمو3: 16. كقول القديس يوحنا ذهبى الفم فى تفسيرة لهذه الآية الكريمة" حقا عظيم هذا السر!! الله صار إنسانا والإنسان إلها‘ صار الانسان يرى بلا خطية ‘ وصار الإله المتأنس مقبولا فى العالم ‘ ومكروز به يراه الملائكة معنا ‘ هذا بحق هو سرا ليتنا لا نحتقره بل نحيا كما يليق بهذا السر."
فبالتجسد الإلهى صارت لنا الحياة الإيمانية التقوية ‘ لأن ذبيحة السيد المسيح على الصليب المقبولة لدى الآب رائحة رضا ‘ قد تحققت خلال تجسد الله الكلمة‘ وصار بابا مفتوحا لنا لدخول الحياة والتقوى الإيمانية الجديدة‘ بإتحادنا مع الله فى إبنه يسوع المسيح. لقد حل بيننا وحمل طبيعتنا حتى نوجد فيه ‘ وننعم بحياته وسماته وشركة أمجادة. التجسد الإلهى ليس عقيدة فلسفية تعتنقها الكنيسة وإنما هى سر تقوانا وأمجادها الروحية داخلنا .
وبقوله - تبرر فى الروح - حقيقة حدثت وقت ميلادنا من الروح القدس ‘نحمل بر المسيح فينا كقول الكتاب" لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم ‘باسم الرب يسوع وبروح إلهنا." 1كو 6: 11. وبقوله - تراءي لملائكة- بمعنى بتجسد الله الكلمة رآه الملائكة وفهموا كيفية التدبيرات الإلهية لخلاص البشر‘ظهر الله فى كمال حبه لخلاص الانسان خلال الصليب و وتقوانا بالتجسد الإلهى يحملنا الى الحياة السماوية حيث الملائكة تتهلل لرؤيتنا ‘ فقد وهب لنا بكل بركة روحية فى السماويات وأصبحنا قديسين أشبه بالملائكة. وتقوانا بالتجسد الإلهى ‘ ومن ثم الصليب والقيامة إنطلقت الكرازة بين أمم العالم ‘ لتبشر بالخلاص الأبدى.
من هو الذى تجسد؟
هو اللوجس (الكلمة) الذى تجسد ‘ وكما يفسرها لنا القديس الأنبا شنودة الثالث فى كتابه لاهوت المسيح ‘ الكلمة (باليونانية اللوجس) تعنى عقل الله الناطق أو نطق الله العاقل. فهى تعنى العقل والنطق معا. وهذا هو وضع الابن فى الثالوث القدوس‘ ودعى السيد المسيح بالكلمة فى مواضع ثابتة فى الكتاب المقدس ثلاثة:
1- " فى البدأ كان الكلمة والكلمة كان عند الله . وكان الكلمة الله."يو1: 1 وهنا يحدد ان الكلمة هو الله.
2- " الذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد." 1يو5: 7. وهنا تحديدا ان الكلمة هو الابن. كما قال الرب نفسه لتلاميذه فى مت 28: 19" فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس."
3- " ثم رأيت السماء مفتوحة واذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى أمينا وصادقا وبالعدل يحكم ويحارب. وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويدعى اسمه كلمة الله."رؤ19: 11و 13.
ومادام المسيح هو عقل الله الناطق ‘إذن هو الله‘ لأن عقل الله كائن فى الله منذ الأزل. وإذن هو غير مخلوق لأن المخلوق لم يكن موجودا منذ خلقه. ولذلك عندما نفهم الثالوث نعرف أزلية الأقانيم الثلاثة. وأن اقنوم الكلمة من طبيعة الله ذاته‘ وكائن فيه منذ الأزل. كقول معلمنا بولس الرسول" الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما بانواع وطرق كثيرة . كلمنا فى هذه الأيام الاخيرة فى ابنه الذى جعله وارثا لكل شئ الذى به عمل العالمين.الذى وهو بهاء مجدة ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعد ما صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا جلس فى يمين العظمة فى الأعالى. "عب1: 1- 4.
وبتجسد الله الكلمة رأينا الله فيه (الذى رآنى فقد رأى الآب. . .يو14: 9. وكما يقول الكتاب " الله لم يره أحد قط ( لاهوت الله) الابن الوحيد الكائن فى حضن الآب هو خبر."يو1: 18‘ (الله ظهر فى الجسد.1تيمو3: 16(المتجسد) أى هو الذى عرفنا به الله. وقول الكتاب " والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا."يو1: 14.
كيفية التجسد
جاءت بشارة التجسد الإلهى من جبرائيل الملاك المرسل من الله كقول الكتاب(لو1: 26)" لعذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف.واسم العذراء مريم. وجاءت بشارته لها محددة" وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيما وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الالع كرسى داود ابيه. ويملك على بيت يعقوب الى الابد ولا يكون لملكه نهاية. "لو1: 31- 33.
وقد تساءلت مريم كما يسأل جميع البشر كيف يكون ذلك؟ أى كيف سيتم تجسد ابن العلى ؟ وبدون زرع بشر " فأجاب الملاك وقال لها .الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله. "لو1: 35. الروح القدس هو صانع الحبل والتجسد فى أحشاء العذراء وتأنس (انسان) وهذا بكل قدرة الله تم التجسد الالهى ‘ والمولود الخارج من بطن العذراء هو طبيعة السيد المسيح( إلله المتحد بالجسد ) الطبيعة اللاهوتية متحدة بالطبيعة الناسوتية إتحادا كلملا ولم ينفصلا لحظة واحدة ولا طرفة عين كقول الكتاب ( فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا." كو2: 9.
السيد المسيح وبعض النبوات عن تجسده وميلاده:
تجسد الله الكلمة (اللوجس) أقنوم الابن كان فى فكر الله وتدبيراته لخلاص البشر منذ أعطى وعدا بالخلاص " أن نسل المرأة يسحق رأس الحية.تك3: 15" وقد علمنا السيد المسيح عن شخصيته فى العهد القديم منذ وعد الله فى مواقف ومواضع كثيرة:
1- قوله للكتبة والفريسيين"فتشوا الكتب لانكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهى تشهد لى." يو5: 39.
2- فى حديثه لتلميذى عمواس(لو24: 25 – 27)" أيها الغبيان والبطيئا القلوب فى الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء أما كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا ويدخل الى مجده. ثم ابتدأ من موسي ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به فى جميع الكتب."
3- بعد لقائه مع التلاميذ جميعا قال لهم " لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير.حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب."لو24: 44.
ومن أمثلة هذه النبوات التى يمتلئ بها الكتاب عن الله الكلمة (يسوع المسيح):
أ- خلق العالم بالمسيح الكلمة:
كقول المرتل " بكلمة الرب صنعت السموات‘ وبنسمة فيه كل جنودها."مز33: 6. وكلمة الرب تعنى المسيح ابن الله ‘ كما جاءت فى مقدمة انجيل يوحنا" فى البدء كان الكلمة ‘ والكلمة كان عند الله ‘ وكان الكلمة الله ‘ هذا كان فى البدء عند الله. كل شئ به كان . وبغيره لم يكن شئ مما كان."يو1: 1-3‘ ويوضح لنا القديس بولس الرسول" بالإيمان نفهم أن العالمين اتقنت بكلمة الله ."عب11: 3‘ وأيضا يقول" فإن فيه خلق الكل‘ ما فى السموات وما على الأرض ‘مايرى وما لا يرى سواءكان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خلق." كو1: 16.
ب – نبوءة عن تجسد الله الكلمة:
وهذه النبوة وعد بها الله البشرية بالخلاص من الحية التى قال لها" وأضع عداوة بينك وبين المرأة‘ وبين نسلك ونسلها‘ هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه." تك3: 15. وقد تمت هذه النبوة وقالها القديس بولس الرسول" ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من إمرأة."غل4: 4.
ج – نبوءات عن مجيئه الأول وميلاده:
1- مجيئه من نسل ابراهيم: بقول الله لإبراهيم" أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء . وكالرمل على شاطئ البحر...ويتبارك فى نسلك جميع امم الأرض."تك22: 17و18‘ وتحققت النبوة بقول فاتحة انجيل متى" كتاب ميلاديسوع المسيح ابن داود بن ابراهيم."مت1: 10.
2- عن مجيئه من نسل يهوذا: بقول يعقوب أب الآباء وهو يبارك ابنه يهوذا" لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتى شيلون وله يكون خضوع شعوب."تك 49: 10‘ومعنى شيلون صانع السلام وهى تنطبق على الرب يسوع ملك السلام ‘ الذى صنع السلام بين السماء والأرض ‘ ويؤكدها القديس بولس" فإنه واضح أن ربنا قد طلع من سبط يهوذا." عب7: 14‘ ويكررها سفر الرؤيا" هوذا قد غلب الأسد الذى من سبط يهوذا أصل داود."رؤ5: 5. وعن مجيئه من نسل داود كما بشر بها الملاك السيدة العذراء يقول إشعياء النبى" ويخرج قضيب من جزع يسى – أب داود – وينبت غصن من أصوله."اش11: 1.
3- نبوة عن ميلاده من عذراء:
وقبل ميلاد الرب يسوع المسيح ب 750 سنة قالها إشعياء" يعطيكم السيد نفسه آية.ها العذراء تحبل وتلد إبنا وتدعو إسمه عمانوئيل ."اش 7: 14 وأيضا فى أش 9: 6و7" لأنه يولد لنا ولد ونعطى إبنا وتكون الرياسة على كتفيه . ويعى إسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام." وقد أكد القديس متى إتمام هذه النبوة فى شخص المسيح " لكى يتم ما قيل من الرب النبى القائل. هوذا العضراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عما نوئيل الذى تفسيره الله معنا."مت1: 22.
د – موعد مجيئه:
قالها دانيال النبى" سبعون إسبوعا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم. وليؤتى بإله الأبدى ولختم الرؤيا والنبوءة ولمسح قدوس القديسين."دا 9 : 24‘(70 اسبوع سنين =490 سنة)وأيضا تنبأ دانيال" كنت أرى فى رؤى الليل واذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطى سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة .سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقض." دا7: 13و14.
هه- نبوة عن مكان ميلاده:
" أما أنت يا بيت لحم إفراته وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا‘ فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطا على إسرائيل‘ ومخارجه منذ قديم أيام الأزل. " ميخا5: 2. وعن مجئ المجوس وسجودهم له " ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة .ملوك شبا وسبأ يقمون هدية ويسجد له كل الملوك ." مز68: 29.
ويمتلء الكتاب المقدس فى العهد القديم بتدبيرات الله بالآيات والنبوءات عن شخص السيد المسيح ولن يسعنا ذكرها هنا لعلنا نخصص لها مقال قادم ‘ وللجميع أقدم تهنئتى لهم بعيد الميلاد المجيد وبمرور عام وقدوم عام 2015 يجعله الرب لنا نعمة وبركة للجميع.أمين.