الأقباط متحدون - بقايا زمن الفتنة
أخر تحديث ٠٧:٣٠ | السبت ٢٠ ديسمبر ٢٠١٤ | ١١كيهك ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٢١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

بقايا زمن الفتنة


عماد جاد

اعتاد المصريون تبادل التهانى بالأعياد، واعتاد الأقباط تلقى التهانى بالعيد من أشقائهم المسلمين فى عيد الميلاد الذى يناسب السابع من يناير من كل عام، وعيد القيامة الذى يأتى فى يوم من شهرى أبريل ومايو، وهو العيد الذى حدد الأقباط منذ زمن بعيد الاحتفال بشم النسيم فى اليوم التالى له مباشرة بعد صوم يدوم خمسة وخمسين يوما يسمونه الصوم الكبير.

نشأنا منذ الصغر نتبادل التهانى بالأعياد، ويعيش أهالينا فى صعيد مصر حياة مشتركة، فتصوم سيدات مصريات مسلمات صيام العذراء مريم الذى يأتى كل عام فى الفترة من السابع حتى الثانى والعشرين من أغسطس، وتنعكس أجواء رمضان على الأسر المسيحية التى تعيش هذه الأجواء، كما يشارك الأقباط أشقاءهم المسلمين أجواء الصيام فلا يتناولون الطعام ولا يشربون الماء أمام الصائمين، وذلك من تلقاء أنفسهم.

مثلت الكنيسة الأرثوذكسية المسيحية المصرية، وعبر الأزهر عن الإسلام السنى، واتسمت العلاقة بصفة عامة بقدر كبير من الاعتدال وتوافرت مساحة مشتركة اعتبارا من ثورة ١٩١٩ أوجدت أرضية بين المؤسستين، جرى من خلالها تجاوز أحداث تاريخية وتوترات متراكمة، كما أغلقت الطريق أمام المستعمر الإنجليزى الذى أراد النفاذ من خلال التفرقة بين الجانبين عبر السياسة الإنجليزية التقليدية المعروفة باسم فرِّق تَسُد .

مع لجوء السادات إلى ورقة الدين بحثا عن شرعية مجروحة وشعبية مفقودة، بدأت الطائفية تعرف طريقها إلى مصر وتحث المصريين على تقديم الدينى على الوطنى، وتباعدت المسافة بين المؤسستين، الأزهر والكنيسة، وحل التوتر محل السلام إلى أن دفع السادات حياته ثمنا لهذه اللعبة الكريهة التى كادت أن تمزق مصر. جاء مبارك ولم تتوقف سياسات الحشد الطائفى وتباعد أشقاء الوطن كثيرا

كان التباعد نفسيا، وعكس ذاته فى أسماء المصريين الجدد التى باتت تعلن عن الهوية الدينية من الوهلة الأولى، كانت ديانة المصرى فى جيلنا عادة لا تعرف من اسمه الأول، بل ربما تحتاج إلى الجد الثالث أو الرابع، أما مواليد ما بعد منتصف سبعينيات القرن الماضى فالاسم كاشف عن الهوية الدينية. استمر الحال هكذا وكادت مصر أن تنفجر طائفيا بنهاية ٢٠١٠، إلى أن أطاحت الثورة بنظام مبارك

وقدم المصريون نموذجا رائعا فى التوحد الوطنى وتجاوز الطائفية المريرة، وقدم المجتمع المصرى دروسا فى الوطنية عندما بادر شباب مصرى مسلم وشابات أيضا بحمل الشموع والذهاب إلى الكنائس بعد جريمة كنيسة القديسين رفضا لهذه الجريمة ومشاركة للأقباط فى تحدى الإرهاب.

وفى زمن الإخوان كانت المحاولات المستميتة لتذكير المصريين باختلافاتهم الدينية، فى زمن الإخوان جاءت محاولاتهم تقسيم البلاد دينيا وطائفيا، فى زمن الإخوان باتت الفتنة صناعة نظام، هنا تعالت الأصوات التى تطالب المصريين المسلمين بعدم تهنئة المصريين المسيحيين بأعيادهم الدينية، تم توزيع الأدوار على الطريقة الصهيونية، فالعريان يهنئ ومفتى الجماعة يحرم، والتيارات السلفية تحذر من تقديم تهنئة للمسيحيين بأعيادهم الدينية.

وهنا أقول بوضوح شديد إن المصريين المسيحيين يحتفلون بأعيادهم الدينية التى احتفلوا بها منذ قرابة ألفى سنة، احتفلوا بها فى أزمان فرضت عليهم فيها الكثير من القيود، وعدم تهنئة البعض لهم بالأعياد لن يفقدهم شيئا، وإن الاتجاه العام فى مصر هو الحرص الشديد على العيش المشترك.

رحل الإخوان ومضى زمن الفتنة إلا قليلا، فبينما يستعد الأقباط للاحتفال بعيد الميلاد المجيد، خرجت أصوات من زمن الفتنة تحرم تقديم التهنئة بالعيد، ولكنها أصوات شاذة فى زمن يبحث فيه المصرى عما يوحّد الصفوف لا ما يفرّقها.
نقلآ عن التحرير


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع