الأقباط متحدون - المثقفون المصريون.. بين الأمل والغضب واليأس
أخر تحديث ١٨:٤٠ | الخميس ١٨ ديسمبر ٢٠١٤ | ٩كيهك ١٧٣١ ش | العدد ٣٤١٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

المثقفون المصريون.. بين الأمل والغضب واليأس

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

إذا سمحت لنفسى بأن ألخص مشاعر المثقفين المصريين إزاء السلطة الحاكمة، خلال عهود الرؤساء الثلاثة: عبدالناصر، والسادات وحسنى مبارك، لقلت إنها تبدلت من الشعور بالأمل، إلى الغضب، إلى اليأس، هذا التلخيص يتسم طبعاً بالتبسيط الشديد، ويجب أن يورد عليه تحفظات كثيرة، ولكنه مع ذلك، كأى تبسيط، فيه ميزة التأكيد على المهم واستبعاد غير المهم، أى التركيز على الصفة الرئيسية وإهمال التفاصيل، مع الاعتراف أيضاً بأن كل هذا يعبر بالطبع عن وجهة نظرى الشخصية التى قد لا يتفق معها كثيرون.

هناك مثلاً التحفظ بأن كلا من هذه العهود الثلاثة لم يكن ذا طابع واحد ثابت، ومن ثم فقد تقلب فى كل منها شعور المثقفين تجاه السلطة الحاكمة، بين فترة وأخرى، من الرضا إلى السخط أو بالعكس. لم يكن شعور المثقفين إزاء عبدالناصر مثلاً شعوراً بالرضا فيما بين ٥٤ و١٩٥٦، ولكنه انقلب إلى الرضا الشديد بعد تأميم قناة السويس فى ١٩٥٦، ولم يكن كذلك بالمرة بعد هزيمة ١٩٦٧. فى عهد السادات، تقلب شعور المثقفين نحوه من القلق وعدم الرضا حتى نجح الجيش المصرى فى العبور فى ١٩٧٣، فتحول إلى رضاء شديد بعد هذا العبور، ثم بدأ الغضب يستأثر بكثيرين من المثقفين الساخطين على سياسة الانفتاح، وعلى تطور علاقة السادات بإسرائيل والولايات المتحدة حتى مقتله فى ١٩٨١. أما مبارك فقد ساد شعور بالرضا والأمل لفترة قصيرة فى بداية حكمه ثم انقلب إلى شعور بعدم الرضا، ثم السخط، حتى استبد بهم اليأس فى السنوات الأخيرة من حكمه.

■ ■ ■

ما سر هذا الشعور باليأس الذى بدأ ينمو بين المثقفين بعد شهور قليلة من تولى حسنى مبارك الحكم، وأخذ فى الازدياد حتى سقوطه فى فبراير ٢٠١١؟

هناك أولاً ما حدث فى الحياة الاقتصادية، من تباطؤ ملحوظ فى النمو الاقتصادى «خاصة فيما بين ١٩٨٥ و٢٠٠٥»، واستمرار الاختلال الاقتصادى لصالح قطاعات الخدمات، وعلى حساب الصناعة والزراعة، وتزايد حجم البطالة بانتظام خلال الخمسة والعشرين عاماً الأخيرة من حكمه، وتفاقم الفساد وسوء توزيع الدخل.

أما فى السياسة فقد استمر حسنى مبارك فى تطبيق سياسة السادات، وإن لم يقترن هذا بالصخب والضجيج اللذين سادا فى عهد السادات، فاستمر الموقف من إسرائيل والولايات المتحدة كما كان عليه أثناء حكم السادات، ومن الممكن ملاحظة ذلك فى اختيار حسنى مبارك لرؤساء الوزارات والوزراء، إذ كان يفضل «التكنوقراط»، غير المسيسين، على الملتزمين بأى نوع من الأفكار السياسية أو الأيديولوجيات «تذكر رؤساء الوزارات: فؤاد محيى الدين، كمال حسن على، على لطفى، عاطف صدقى، الجنزورى، عاطف عبيد، وأخيراً أحمد نظيف»، إذ كان هذا النوع من الحكومات يناسب تماماً هذا النوع من التوجه السياسى والاقتصادى: وهو الاستمرار فيما كنا فيه دون تغيير.

■ ■ ■

ظهر تصاعد الشعور باليأس بين المثقفين فى عهد مبارك فى عدة صور، لقد مات بعض كبار مثقفينا وصحفيينا فى عهده دون أن يحل محلهم من يماثلهم أو حتى يقاربهم فى الموهبة أو الوطنية، وأصيب بعضهم باكتئاب شديد جاء بعده الموت أو الهجرة، وانصرف آخرون عن الكتابة أصلاً وتفرغوا لمشروعاتهم الشخصية، بعد أن يئسوا من أن يؤدى جهدهم فى العمل العام إلى أى نتيجة مفيدة. وقد حدث فى أواخر عهد مبارك حادث كئيب، قد تكون له قيمة رمزية فى الدلالة على طابع الحكم فى عهده، وهو حادث تفتيش الصندوق الذى يحمل جثمان أديبنا العظيم نجيب محفوظ، قبيل تشييع الجنازة التى كان يتقدمها حسنى مبارك نفسه.

■ ■ ■

استمر حسنى مبارك بالطبع فى التظاهر بأنه يحمل كل التقدير للمثقفين، فاستمر منح جوائز الدولة من مختلف الأنواع، بل أضيفت إليها فى أواخر عهده جائزة كبيرة جديدة سميت باسمه، ومن الطرائف التى سمعتها من أحد الحاصلين على هذه الجائزة، أنه عندما طرحت الفكرة على مبارك لأول مرة، وقيل له إنهم يفكرون فى تسميتها بـ«جائزة النيل»، أبدى الرجل اعتراضه قائلاً: «وهل النيل يعطى جوائز؟»، فعُدل عن التسمية على الفور، وسميت بدلاً من ذلك بـ«جائزة مبارك»، على أساس أنه هو القادر فعلاً، وليس النيل، على إعطاء الجوائز أو منعها، وذلك قبل أن يعدل الاسم من جديد إلى جائزة النيل بعد ثورة ٢٠١١.

استمر مبارك أيضاً فى حضور حفل افتتاح معرض الكتاب الدولى فى يناير من كل عام، حيث يدعى إلى الحفل بعض الأسماء المعروفة لمثقفين مرموقين وغير مرموقين، فيسمح لهم بتوجيه الأسئلة له، فى أى موضوع، ويقوم الرئيس بالإجابة، كما يقوم بتسليم جوائز المعرض عما يعتبر أفضل الكتب الصادرة خلال العام، فضلاً عن إلقائه كلمة معدة من قبل، وقد لاحظت على هذا الاحتفال أربعة أشياء:

الأول: أنه يُطلب دائماً من المثقفين الحاضرين أن يطلبوا الكلمة كتابة أولاً، وتعرض أسماء طالبى الكلمة على شخص جالس إلى جانب الرئيس «هو فى العادة رئيس هيئة الكتاب»، فيمارس دور الرقيب، ولا يعطى الكلمة لمن يُعرف عنه أنه مشاكس أو متمرد أو جرىء أكثر من اللازم. والثانى: الحرص فى كل عام، على دعوة المثقفين المعروفين بالولاء للسلطة، والذين يكتفون عادة بتهنئته بالعام الجديد أو بأن يتمنوا له الصحة والعافية. والثالث: هو أن الكتب التى كانت تعتبر أفضل الكتب الصادرة فى كل عام، وتحصل بالتالى على جوائز المعرض، هى خليط من الكتب الجيدة، التى تستحق الجائزة بالفعل، والكتب التى ألفها أو على الأقل وضعت عليها أسماء أشخاص مقربين من الرئيس، أو يحتلون مناصب مهمة فى وسائل الإعلام، حتى يشعر مؤيدو الرئيس بأن السلطة لا تتخلى عنهم أبداً، وحتى يحصلوا فى الوقت نفسه على بعض «المجد» الذى كان يجب أن يقتصر على كبار المثقفين.

والأمر الرابع: أن ثقافة الرئيس تبدو ضحالتها بمجرد أن يحيد عن النص المكتوب والمعد مقدماً، وخاصة إذا ترك نفسه على سجيتها وبدأ يعبر عما يدور بذهنه حقاً. قد يستدر بعض كلامه الضحك من الحاضرين من المثقفين، ولكن ليس لطرافته بل لغرابته.

■ ■ ■

فى هذا المناخ استمر رجل مثقف فى احتلال مركز قريب جداً من مبارك، طوال سنوات حكمه، بل حتى أثناء توليه منصب نائب الرئيس. كان من الواضح أن مبارك يحتاج إلى مثقف يجلس إلى جواره لتوجيهه «وليس فقط لنصحه». كان من الواضح أيضاً أن هذا الرجل «أسامة الباز» يحب السلطة ولكنه لا يحب الأضواء، فكان هذا المكان الذى احتله لمدة تقرب من ٣٥ عاماً يناسبه تماماً.

كان الجميع يعرفون أهمية ما يلعبه أسامة الباز فى توجيه سياسة حسنى مبارك، وعلى الأخص فى علاقته بالمثقفين الذين كان الباز يعرف كثيرين منهم معرفة وثيقة وشخصية، فلما توفى أسامة الباز كتب كثير منهم مقالات رقيقة فى رثائه، يشيدون فيها على الأخص بأدبه ودماثة خلقه، على الرغم من أن من بين هؤلاء بعض المثقفين المؤيدين للثورة ضد مبارك. وقد أصابنى هذا أيضاً بالدهشة. كان الرجل، رحمه الله، يتسم قطعاً بالأدب ودماثة الخلق واتساع الثقافة، ولكنه كان بلاشك أيضاً، مسؤولاً عن كثير من القرارات التى صدرت باسم مبارك، ولم تكن قرارات لصالح الوطن أو لصالح النهضة الثقافية فى مصر. قلت لنفسى: «هل المصريون حقاً طيبون إلى هذه الدرجة؟».

نقلا عن المصري اليوم
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع