الأقباط متحدون - إعدام ذكر لاختطاف أنثى
أخر تحديث ٠٧:٠٨ | الخميس ١٨ ديسمبر ٢٠١٤ | ٩كيهك ١٧٣١ ش | العدد ٣٤١٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

إعدام ذكر لاختطاف أنثى

د. حسن حنفى
د. حسن حنفى

تعبر اللغة عن تصور للعالم. وتكشف ألفاظها عما يُراد منعه. فاللغة ليست مجرد أداة للتخاطب بل هى ثقافة اجتماعية. وقد تؤدى إلى غير المرغوب منها.

وقد ثار مؤخرا موضوع تعديل عقوبة التحرش الجنسى لجعلها أكثر صرامة، وأقدر على منع الظاهرة عن طريق الردع وتشديده إلى حد عقوبة الإعدام. فلكل جريمة عقاب على مستواها. والإعدام هو عقوبة الاعتداء الجنسى ابتداء من التحرش حتى الاغتصاب. وإذا كان الإعدام ذاته قضاء على الحياة فهى جريمة. وبالتالى تواجه الجريمة، العدوان الجنسى، بجريمة أكبر وهى الإعدام أى إزهاق الروح.

ولفظا «الذكر» و«الأنثى» نفساهما يثيران الهياج الجنسى. ويستدعيان كل أطراف المواقعة مثل «الديك» و«الفرخة»، و«البغل» و«البغلة»، و«الجدى» و«الماعز»، و«الهر» و«الهرة»، و«الكلب» و«الكلبة». وهما طرفان حيوانيان. فوصف علاقة الإنجاب الإنسانى بطرفى «الذكر» و«الأنثى» نزول بالإنسان إلى مرتبة الحيوان. كما يستدعى اللفظان كل أشكال المواقعة. وأهمها الاعتلاء أو «الركوب». الذكر أعلى، والأنثى أدنى. ويتحول المواطن إلى جنس وكأن هناك نوعين من المواطنة، يذكران فى بطاقة الرقم القومى، وفى شهادة الميلاد، وفى كثير من الأوراق الرسمية فى أجهزة الدولة.

والحجة أنهما لفظان قرآنيان. فقد ورد لفظ الأنثى، مفردا ومثنى وجمعا ثلاثين مرة، أكثرها مفردا، أحيانا بمعنى المساواة فى الخلق، وفى الجزاء قدر الأعمال «أَنِّى لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى»، وأحيانا أخرى بمعنى عدم المساواة فى القصاص «الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى». ويكون ذلك صراحة فى «وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى». وذكر لفظ «الذكر» أيضا مفردا ومثنى وجمعا ثمانى عشرة مرة، المساواة فى الخلق والأعمال، وعدم المساواة فى الميراث. ويستعمل اللفظان أيضا للحيوانات «مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ»، «وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ». وصورة المرأة فى الفقه أقرب إلى عدم المساواة مع الذكر فى الميراث والشهادة والحدود والزواج، وفى الرق والسبايا والغنائم. كل ذلك يجعل الذكر فاعلا، والأنثى مفعولا. الذكر ذات والأنثى موضوع. وكذلك الحال فى الألفاظ الشبيهة مثل الرجل والمرأة، والفتى والفتاة والمجموعة فى «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ».

ووضع المرأة الاجتماعى، الحجاب فى الأسواق بهدف الستر والغطاء. فالأنثى عورة حتى بمجرد خروجها إلى الحياة العامة تدفع الذكر إلى التقرب منها من أجل كشف المحجوب ومعرفة المستور. فكل مستور محبوب. كما تدفع المرأة السافرة المرتدية آخر صيحات «الموضة» والتى تكشف أكثر مما تستر، الذكر إلى التحرش إن لم يكن بالجسد واليد فبالنظر والتمنى. والعطور الفياحة تبعث على النظر إلى مصدرها الذى يضم الألوان، حمرة الشفتين، وسواد الرموش والحواجب، وتسريحات الشعور، والزينة فى الآذان وحول الأعناق. وإذا تكلمت صاحبة هذا المهرجان فالصوت ساحر يحب من يستمع إليه عن قرب بنية صادقة. يضاف إلى ذلك الإعلانات فى أجهزة الإعلام، والإناث يتقصعن ويرقصن ويغنين حتى لو كان لمنتج قاتل الحشرات الزاحفة أو الطائرة وسموم الفئران. وتكثر صور النجوم الإناث فى صفحات الفن وفى برامج الفنون. كما تتعدد برامج الأناقة وسباق ملابس الإناث والاستعراضات الحية للقوام الممشوق، والسير الساحر، والالتفاف والالتواء لبيان جمال الرداء فى الظاهر، وجمال جسد الأنثى فى الباطن. وتدور معظم الأفلام حول الحب والعشق والقبلات الحارة والأحضان الدافئة وكأنه لا يوجد فى العالم موضوع إلا الحب والعشق، والأجساد والأبدان. وفى كل الدراسات التى تدعى مناصرة المرأة تناضل من أجل نسبة توزيعها فى مناصب الدولة مثل الوزارة، وكأن المناصب والوظائف مشروطة بالذكور والإناث وليس بكفاءة المواطن.

وكيف للذكر أن ينال ذلك كله بالطرق الشرعية التى حددها المجتمع، الخطبة ثم عقد القران ثم الزفاف، وهو العاطل الفقير؟ من أين له بالمهر والسكن ومرتبه لا يقيم الأود؟ ومن أين له بتكاليف الفرح وهداياه؟ فيتأخر سن الزواج. وتتحول الأنثى من واقع إلى خيال، ومن إمكان إلى استحالة. وعلى الطرف الآخر من المجتمع يُمارس تعدد الزوجات، ذكر واحد لعديد من الإناث فى مقابل ذكور كثيرة لا إناث لها. بل إن الزواج العرفى له أيضا تكاليفه، مكان للاجتماع، قدرة على الاختباء، الفضيحة فى حالة الكشف عنه. فلم يبق إلا التحرش فى وسائل النقل العامة أو فى الطرق والأسواق حين الازدحام. بل إنه يتم فى الجامعة لازدحام المدرجات وقاعات الدرس. والإناث فى سن الزواج، يعرضن أنفسهن فى أحسن ثوب، وفى أجمل زينة، لعل التوفيق يصاحبهن والحظ يواتيهن لاختيار رفيق العمر، وتكوين بيت، وتأسيس أسرة. وبالتالى تكون الجامعة قد أمدتها بالدرجة العلمية وبالاستقرار العائلى. فجمعت بين الحسنيين. وقد يتحول التحرش المهذب الرقيق ولو بالنظر الذى قد تستجيب له الأنثى أو لا تستجيب إلى خطف وعدوان لراكبات «التوك توك» أو عربات الأجرة ليلا أو السير فى مناطق مهجورة. وفى هذه الحالة تقع الأنثى فى أيادى أكثر من ذكر. ولا يهم إن كانت بكرا أو ثيبا، متزوجة أو مطلقة، شغالة أو سيدة من الطبقة الوسطى. فالأنثى شىء رقمى. تستبدل بأخرى فى الطبقات الفقيرة والغنية بكثرة الزواج والطلاق وتعدد الزوجات.

وهكذا يدفع الجنس إلى الموت. فالذكر والأنثى مصيرهما الموت فى كل الأحوال سواء انتصر الحب أم فشل لما يحاط به من أهوال وانتحار وجريمة وكسر للقانون. فالحب من المحرمات ولا يُنال إلا بمحرمات أخرى. وفى حالة الحرمان الجنسى لا يبقى إلا التحرش بالأنثى أو العدوان عليها. وتتحول الكرامة الإنسانية إلى توحش حيوانى، فى كل مناطق الزحام، فى الميادين العامة، وفى المظاهرات وفى الأسواق.

وتتضخم العلاقة الجنسية والاختطاف والعدوان بين الذكر والأنثى إلى علاقات عامة بين كل طرفين مثل الحاكم والمحكوم، والغنى والفقير، والرئيس والمرؤوس. الأول يختطف الثانى. يقيده ويعتدى عليه، المعلم والتلميذ، الأب والابن، الزوج والزوجة. وهى علاقة الأعلى بالأدنى، علاقة العلو والاستعلاء. وهنا ينشأ الاستبداد التربوى والأخلاقى والاجتماعى والسياسى ويكون التحرش والاختطاف فى هذه الحالة نوعا من التحرر بعد طول الكبت والحرمان. تحرش واختطاف وعدوان فى الظاهر، وتحرر وثورة وانتفاضة فى الباطن. فكل شىء له إيجاب وسلب. ليس الحل هو العقاب على الجريمة. فالجريمة والعقاب كلاهما جريمة. ولا توقف الجريمة بجريمة أخرى بل بالقضاء على أسباب الجريمة الأولى. والأفضل وضع الطرفين، الذكر والأنثى، فى علاقة أوسع وفى تصور متساو، الوطن والمواطنة. فالمواطن لا يعتدى على مواطن مثله لأنه ليس عدوا. وقد صوّر عبدالرحمن الشرقاوى ذلك فى «وطنى عكا». شعر الذكر الشرقى بالذنب لاعتدائه على أنثى، رفيقته فى النضال. والأنثى لا تشعر بأنها قد اعتدى عليها فى الخندق فى مواجهة العدو. فالتحرر واحد، تحرر الفرد وتحرير الوطن. الذكر الفلسطينى يتحرر، والأنثى الفرنسية قد تحررت من قبل.

لا يتم الإصلاح الاجتماعى بتشديد القوانين وجعلها أكثر ردعا بل بتغيير الواقع الاجتماعى نفسه الذى هو مصدر الجرائم مثل العدوان الجنسى. ويبدأ بإصلاح لغة القانون. فاللغة الجديدة تعبر عن التصور الجديد لعلاقة مواطنين أحرار، وإزالة التصور القديم، العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، إعدام ذكر لاختطاف أنثى.

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع