الأقباط متحدون - سوق الدواجن بالمنيب «أنفلونزا الطيور» على الطريق
أخر تحديث ١١:٤١ | الخميس ١٨ ديسمبر ٢٠١٤ | ٩كيهك ١٧٣١ ش | العدد ٣٤١٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

سوق الدواجن بالمنيب «أنفلونزا الطيور» على الطريق

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

لم تبال شيماء ابنة الخامسة عشرة بتحذيرات وزارة الصحة من التعامل المباشر مع الطيور الحية، خوفا من الإصابة بفيروس أنفلونزا الطيور، أو ربما لم تصلها تلك التعليمات من الأساس، حيث وقفت وسط بركة من الدماء وأكوام ريش الطيور وأمعاؤها تتناثر حولها، وقد تلطخت يداها بالدماء وتلونت عباءتها بالأحمر.

يختلف يوم الثلاثاء فى منطقة المنيب بالجيزة عن بقية أيام الأسبوع، فهو اليوم الذى يتوافد فيه العشرات من بائعى الطيور الحية، يفترشون أرض الشوارع المتفرعة من شارع المجزر الرئيسى، يلاحقون الزبائن لعرض الطيور عليهم مقابل ثمن أقل من مثيلتها فى المحال. على بعد أمتار من الطريق الدائرى تتصاعد الأدخنة من أوعية ضخمة تقف أمامها سيدات وأحيانا أطفال جاءوا من مناطق فقيرة حول القاهرة والجيزة وشمال الصعيد للعمل فى هذه السوق المتخصصة فى بيع الطيور الحية وذبحها وتنظيفها.

برميل أزرق تتكدس فيه الطيور المذبوحة، يجاوره موقد كيروسين يعتليه إناء تملأه المياه المغلية المتسخة، ويطفو على سطحها ريش الطيور المذبوحة، وإلى جوار كل هذا تستوى منضدة كبيرة لتنظيف الطيور، عليها «عدة» شيماء التى تستخدمها فى الذبح والتنظيف.

تتقاضى شيماء ٧٥ قرشًا مقابل ذبح وتنظيف الدجاجة الواحدة. ٤ سنوات قضتها شيماء فى ذبح وتنظيف الطيور، تخرج مع أمها وأختها الكبرى العاملتين فى المهنة نفسها من مسكنهم بحى المطرية ليعتلين سيارة نصف نقل، تتولى نقلهن وأدواتهن إلى السوق التى سيعملن بها فى كل يوم من أيام الأسبوع.

شيماء كغيرها من المتعاملين مع الطيور الحية، لم يوقفها ظهور فيروس أنفلونزا الطيور قبل سنوات عن الاستمرار فى العمل بمصدر الرزق الوحيد الذى تعرفوه. فى الوقت الذى بلغ فيه العدد الإجمالى لحالات الإصابة بالفيروس ١٨٨ حالة منذ عام ٢٠٠٦ حتى الآن، حسب بيان أعلنته وزارة الصحة فى ٨ ديسمبر الجارى، توفى منها ٦٥ حالة بنسبة ٣٦% من إجمالى المصابين. الوزارة نفسها سجلت ١٥ حالة إصابة بالفيروس من مطلع يناير هذا العام وحتى السادس من ديسمبر الجارى توفيت منها ٨ حالات. علمًا بأن معدلات الإصابة بالفيروس المسبب للمرض خلال عامى ٢٠١٣ و٢٠١٤، جاءت أقل من معدلات الإصابة فى الفترة من عام ٢٠٠٦ وحتى نهاية ٢٠١٢.

لا ترى شيماء خطورة فى عملها، فهى ترى أنها المهنة الوحيدة التى تعرفها. ولم تفكر فى الالتزام بالاحتياطات التى طالبت وزارة الصحة باتباعها عند التعامل مع الطيور الحية من ارتداء كمامة طبية وقفاز، وتعاطى اللقاح الخاص بأنفلونزا الطيور «التامفلو».

٨ ساعات كاملة تقفها شيماء على قدميها يوميًا، تبدأ فى السادسة صباحًا ولا تنتهى قبل الثانية بعد الظهر، وقد تمتد لساعات أخرى بحسب حجم العمل. تنقسم مهام العمل بين النساء الثلاث فى أسرة شيماء: سماح الشقيقة الكبرى تذبح الطيور، والأم تغلى المياه داخل إناء ضخم، وتغمس فيه الطيور المذبوحة، بينما تختص شيماء بتنظيفها واستخراج الأحشاء منها.

«بشتغلها من عشرين سنة وربيت ولادى منها، ومش هابطلها لغاية ما أموت» بهذه الكلمات تحدثت أم شيماء عن مهنتها فى ذبح وتنظيف الطيور فى الأسواق الشعبية. تقول: «باسمع فى التليفزيون عن الإصابة بأنفلونزا الطيور وناس ماتت بسببها. ساعات بخاف على بناتى وأقعدهم فى البيت، بس هم مش بيرضوا يسيبونى أنزل الشغل لوحدى، ودايما يقولولى العمر واحد والرب واحد، دى شغلانتى الوحيدة ربيت منها بناتى».

لا ينتهى عمل الأخت الكبرى «سماح» عند ذبح وتنظيف الطيور فقط، وإنما يستلزم عملها جمع ريش وأحشاء الطيور التى تراكمت حولها بصورة كبيرة، لتنظيف المكان خوفا من منع صاحب المحل المجاور لها من الوقوف أمامه فى الأسبوع التالى. تقول: «أحرص بعد الانتهاء على جمع أحشاء الطيور وريشها فى أجولة أحضرها معى من بيتى، فالاتفاق بينى وبين صاحب المحل الذى أقف أمامه يلزمنى بتنظيف الشارع فى نهاية يوم العمل، وأتخلص من الأجولة أسفل كوبرى الطريق الدائرى خلسة حتى لا يعترضنى أحد من الأهالى».

فى الوقت الذى يستعد فيه أقرانه من نفس عمره لامتحانات الفصل الدراسى الأول، جلس أحمد عبدالرحمن ابن التاسعة على الأرض أمام قفص كبير، يستعطف الزبائن لشراء بضاعته من الدواجن، متحينًا فرصة العودة إلى بيته فى قرية تابعة لمركز أطفيح فى حلوان، بعد يوم طويل بدأه فى السادسة صباحا، حاملا قفصًا تتكدس فيه الطيور، يحشره مع جسده النحيف داخل سيارة نصف نقل تقله إلى المنيب. يقول أحمد: «أنا خرجت من المدرسة فى تانية ابتدائى بعد ما أبويا مات فى حادثة، أمى بتربى الطيور فى البيت وباحضر كل تلات للمنيب مع ناس جيرانى علشان أبيعهم فى السوق الكبيرة، وأرجع آخر النهار لأمى بالفلوس».

الدكتور أشرف إسماعيل، مدير مديرية الطب البيطرى بالجيزة، يوضح أن الإدارة تشن حملات مفاجئة على الأسواق من خلال فريق متخصص، مهمته أخذ عينات من الطيور وإرسالها إلى المعامل المركزية بالإدارة، وفى حالة الكشف عن إيجابية العينة يتم إعدام الطيور فى المكان وعمل بؤرة حظر مسافة كيلو متر، وتحصين للمناطق المجاورة بامتداد ٩ كيلومترات كاملة.

يؤكد إسماعيل أنه فى حالة اشتباه فريق العمل المتخصص أثناء حملته على الطيور فى الأسواق وملاحظة الأعراض الظاهرة وهى: تورم فى رأس الطيور أو رشح فى منطقة الأنف وتلون جلد الطائر باللون الأزرق و«انتفاش» ريشه، نقوم على الفور بإعدام الطيور والاستعلام من صاحبها عن عنوانه للانتقال إليه وأخذ عينة للتأكد من إصابتها بأنفلونزا الطيور من عدمه.

يشير مدير إدارة الطب البيطرى بالجيزة إلى وجود تنسيق بين المديرية ووزارة الصحة، وأنه فى حال ظهور عينة إيجابية للطيور، تُخطر بها الصحة على الفور التى تنتقل إلى المكان وتأخذ عينات من الأهالى المخالطين للطيور خوفا من إصابتهم بالفيروس. منوها بأن الحملات على الأسواق لا يجب أن تتوقف المشاركة فيها على مديرية الطب البيطرى، وضرورة مشاركة شرطة المرافق ووزارة البيئة.

يذكر إسماعيل أن ذبح الطيور وتنظيفها هى المرحلة الأكثر خطورة، وترتفع فيها قابلية الشخص للإصابة بأنفلونزا الطيور. وينصح بضرورة ارتداء قفازات وكمامة أثناء عملية الذبح والتنظيف وتغيير الملابس فور الانتهاء من العمل، واستخدام المطهرات والتوجه إلى أقرب مستشفى صدر فى حالة ارتفاع فى درجة الحرارة.

تيسير عبدالفتاح، رئيس حى جنوب الجيزة، يشير إلى أن سوق المنيب عشوائية غير مصرح بها، ويوجد تنسيق بين الحى ووزارة الصحة والطب البيطرى لفحص جميع الطيور المعروضة بالسوق خاصة يوم الثلاثاء، نظرا لتوافد البائعين والزبائن على السوق فى هذا اليوم.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.