الأقباط متحدون - دِمَاؤُهُمْ لَيْسَتْ رَخِيصَةً
أخر تحديث ٢١:٠٥ | السبت ١٣ ديسمبر ٢٠١٤ | ٤كيهك ١٧٣١ ش | العدد ٣٤١٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

دِمَاؤُهُمْ لَيْسَتْ رَخِيصَةً

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

القمص أثناسيوس چورچ.

(ذبح دواعش هذا الزمان أربعة أطفال في سهل نينوى)
قام دواعش هذا الزمان بذبح أربعة أطفال في سهل نينوى التي يسكنها المسيحيون منذ فجر التاريخ وقبل ظهور الإسلام... ذبحوهم بدم بارد لأنهم رفضوا قطعيًا ترك إيمانهم المسيحي؛ مفضلين الشهادة عن الإنكار؛ مقدمين وثيقة اعترافهم الإيماني مخضَّبة بدمائهم البريئة ، وبذبيحة أعضائهم الغضة ، نائلين الحياة عوض الموت؛ والفوز بدل الخسارة، حافظين الوديعة الخلاصية؛ رافضين معقولات إبليس وسمة الوحش ، وسط آلات الشر والإرهاب والإرعاب مجتمعة .

إن الإنسان؛ ذلك الكائن العجيب الفريد المخلوق على صورة الله ومثاله؛ دماؤه ليست رخيصة. ووجوده هو عطية حرة من الله، لا يجوز أن تُسلب منه أبدًا، لأنه لا يمكن أن يمتلك هذه العطية بقوته الخاصة؛ لأنها نعمة من الله. والله وحده خالقها وهو مصدرها وسبب وجودها، وكل الخليقة تنطق بعظمته وقدرته التي لا تُستقصىَ.

صاغ الله الإنسان بيديه كفخّارﻱ أعظم؛ وجَبَلَهُ على غير فساد، ونفخ فيه روحًا عاقلة مفكرة حرة. لم يخلقه ليُقمَع ويُستعبَد ويُذل، لأنه عملُ يديه، وقد ميزه بالعقل والإرادة. فالإنسان أجمل صنائع الله على صورته في الخلود والسلطة وعدم الفساد. إنه مخلوق عجيب؛ مدعو ليحمل الكون كله في كيانه، ويضع الخليقة كلها في وعيه، إنه عالَم كوني مصغر، وله هدف كوني، وهو ليس رخيصًا حتى يُهدر ويُسحل أو يُقتل. إنساننا اليوم يتلفت حوله يمينًا وشمالًا، فإذ هو في بحر من التناقضات، وفي لُجة من الهدر والتعذيب والقمع والشجار؛ لا يعرف حقيقة مَن هو، ولا إلى أين يتجه، وإذ به يجترّ الصورة التي يعيشها؛ والهُوة التي بينها وبين الصورة التي أرادها الله له عند خلقته.

حياة الإنسان فريدة؛ لا يكتمل معناها في ذاتها؛ بل في خالقها. فمَنْ ذا الذي يتجاسر ليُنهي حياة إنسان؟! بينما هو مخلوق ليعيش حرًا، وحريته تنبع من كينونته ووجوده كإنسان!! إذا فَقَدَ حريته فَقَدَ إنسانيته؛ وكلما تحرر حقق كمال إنسانيته، وبإنسانيته الحقة نبع حريته؛ لأن إنسانيته مختومة وموسومة بالصورة الإلهية التي جُبل عليها. لذلك الدماء التي أُريقت والتي لا زالت تُهرق هي ليست رخيصة عند خالقها وعند خاصتها، وكان لها أن لا تكون رخيصة عند بني البشر جميعًا، إلا عند الأشرار والأثمة الذين تجردوا من كل معاني الإنسانية.

فالشر بالمعنى الحصرﻱ هو غياب الخير، هو الظلامية والعدم والدموية والخراب واللاشيء والإنتحار والفناء. ولا يمكننا وصف القتلة ومَنْ يحرضهم ومن يبرّئهم؛ إلا أنهم جميعًا في سلة واحدة؛ شنيعون رجسون يدمرون عباد الله بسفكهم دماء الأبرياء، والتي هي عندنا دماء غالية وثمينة؛ وقد صارت بذارًا للإيمان وبذارًا للحصاد. سيقضي الله لهم؛ وسيقوم هؤلاء الشهداء بجراءة عظيمة في وجوه الذين أزهقوا أرواحهم وهدروا دماءهم، حينئذ سينوح القتلة ويقرعون على صدورهم من أجل الإثم والظلم الذي اقترفوه؛ ولأن أرجلهم كانت سريعة في سفك الدماء، وقد جلبوا على أنفسهم دماءًا بريئة. بل سينذهلون من العقاب الأبدي الذي لن يفلتوا منه؛ أمام الذين اتخذوا منهم سُخرة وغنيمة.. أما الذين استشهدوا فحالما أُغلقت أمامهم الأرض؛ انفتحت السماء.

ضد المسيح يهدد؛ لكن المسيح يضم، الموت اقترب منهم فتبعه الخلود.. اُنتُزِعوا من الأرض ووُضِعوا في الملكوت؛ ورشاقة الحياة الأبدية. لقد صار هؤلاء الأطفال شهودَ دمٍ؛ ولم تنقصهم الغيرة الملتهبة مقابل التعصب الوحشي، مقطِّرين دماءهم على قارعة الطريق بقوة روحية وبصفة دفاعية أخلاقية صِرفة؛ شاهدين لمسيحهم بقوة مذهلة، فأرسلتهم كنيستهم للسماء ومعهم شهادات كثيرة صامتة وبليغة؛ ضمن سلسلة افتراءات وتقتيل ومذابح وتهجير وسلب واغتصاب وحرائق واضطهادات طويلة المدى ولا تنتهي، في شهادة قدموها؛ تاركين ورائهم كل مالهم وأوطانهم؛ من أجل حقهم الجوهري لحفظ الإيمان وحق الوجود والعيش وبقاء الكنيسة أمام أشرس وباء شهدته البشرية .

وبالرغم من كل ذلك؛ فالمسيحي لا يبغض حتى الذي يضطهده؛ بل يصلي من أجله؛ لأن المحبة المسيحية ليست مقايضة بأن لا نحب إلا الذين يحبوننا، فالمسيحي يحب محبيه وأعداءه. وكلام المسيح هو لنا نفخة البوق التي بها نصبر ونحيا ونجتهد ونتشجع ونجاهر بالحق؛ ونحفظ الإيمان من دون خوف؛ لأنه لا خائفون يدخلون ملكوت السموات.. وكل من يقدم شهادة واعترافًا؛ غير هيّاب ولا مرتاع؛ سيُلبسه المخلص ثوب الأرجوان حسب قياسه؛ مع كل الذين أتوا من الضيقة العظيمة وغسلوا ثيابهم وبيَّضوها في دم الحمل. أليس هذا هو إيماننا وإنجيلنا الذي به آمنا وبه نعيش ونعترف ونبشر؟!!.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter