بقلم : زهير دعيم
نظرت المعلّمة لميس بطرف عينيها الى خليل، الطّفل الصّغير ابن صفّ البستان، الجالس قريبًا من طاولتها، والذي انكمش في مكانه خافضًا بنظره الى الارض، في حين أخذ الطلاب يتلمّظون كما في كلّ يوم بأكل السكريّات والحلوى التي تأتي من الأهل.
نظرت المعلّمة إليه بشفقة وحسرة وهي تقول في نفسها:
" يا حرام ...ماذا فعَل هذا الطّفل حتى يُحرَم من الحلوى...اننّي أتقطّع حزنًا عليه..ماذا فعل يا الهي ؟!
وخليل طفل جميل ، بريء وخفيف الظلّ، يحبّ الحياة فيرسمها بألوانٍ زاهيةٍ بفكره الطفوليّ ؛ يرسم الازهار والعصفور والبوظة !
ولكنّ الحظّ وقف في طريقه، وأعطاه ما لا يريد، أعطاه مرضًا قاسيًا يُسمّيه الطبيب : " مرض سكّري الأطفال" ولا دواء له ، إلا ان يمتنع حامله عن أكل الحلوى واشياء أخرى .
وكثيرًا ما ألحَّ خليل على المعلّمة أن تعطيَه كما كان يقول : " شقفة" "نتفة" " من عيني"... ويضمّ أبهامه الصغيرة وسَبّابته في إشارة الى "النتفة".
وتهزّ المعلّمة رأسها .. لا .. ولكنها سرعان ما تقدّم اليه قطعة صغيرة جدًا ، تعطيه إيّاها وهي تعانقه بحرارة.
- الله يعلم يا حبيبي أنّه لو كان بمقدوري لاعطيتك بحرًا من الحلوى!!.
وتكاد تطفر الدّمعة من عينيها ، بل كثيرا ما كانت تطفر حقًّا فتمسحها بسرعة كي لا ينتبه اليها الطلاب.
ومنذ عدّة أيام والمعلّمة لميس تعيش في مشكلة ، فعيد ميلاد الطفل يسوع على الابواب ، وأكياس الحلوى الجميلة والمملوءة ببابا نويل من الشوكولاطة والحلوى الطيّبة قد صارت جاهزة.... ماذا ستفعل ، هل تعطي خليلا كيسًا مثل باقي الطلاب أم تحرمه مخافة أن يأكل في الطريق فيصاب بمكروه ؟.. مشكلة فعلا...
وفي اليوم الموعود، يوم انتهاء الفصل وبداية العطلة الشتائيّة وتوزيع أكياس الحلوى كانت المعلّمة ما زالت في حيْرة.
وبعد الحفلة الصغيرة ، وقبيل انصراف الطلاب ،
بدأت المعلّمة بالتوزيع ، فأخذت تنادي الاطفال واحدًا واحدًا تعانقه وتعطيه الهديّة..وتركت خليل حتى النهاية وهي لا تعرف ماذا تفعل ..هل تعطيه كيس الحلوى أم تأخذه هي بنفسها الى أهله؟
وعندما انتهت المعلمة وقفت برهة صامتةً، فرفع خليل اصبعه الصغيرة وقال ببراءة : معلّمتي ..في الليل عندما صلّيت قال لي يسوع : تستطيع ان تأكل حلويات غدًا ، لأنّه يوم عيدي ..لا تخف أنا سأحميك.
اغرورقت الدّموع في عينيّ المعلّمة، واتجهت نحو خليل، والكيس في يدها ، والطلاب الصغار في ذهول ، فعانقته بحرارة وهي تقول : أصدّقه يا حبيبي وأصدّقك..كل عام وأنت بخير.
وأخذ خليل الكيس والفرحة تطلّ من عينيه.