يصف معتقلون سابقون لدى النظام السوري «عالما آخر» منفصلا عن العالم الواقعي يقبع فيه نزلاء السجون الذين يتعرضون يوميا لأساليب تعذيب مبتكرة، من الضرب المبرح والصعق بالكهرباء والتجويع أو تقديم طعام ممزوج بالذل والقمامة، إنه «كابوس» يصعب عليهم نسيانه.
ويقول الناشط محسن المصري، الذي كان يعمل قبل بدء المواجهات في الهندسة المعلوماتية، إنه «جرى نقله خلال سنتين بين سجون عدة عانى فيها الأمرين، من ضرب، وتعليق بالسقف من المعصمين لساعات، وإجباره على البقاء عاريا لعدة أيام وسط برد الشتاء القارس».
ومن أسوأ ما تعرض له، يروي قصة تعذيبه عبر الإنترنت: «ذات يوم، أخرجونا إلى الممرات لرش مبيدات للحشرات داخل الزنزانات، وبسبب بخ المبيدات، صارت الصراصير تخرج إلى الممرات وتطلع على وجوهنا، وأعيننا معصوبة وأيدينا مقيدة وراء ظهورنا، حملوا الصراصير ووضعوها داخل ملابسنا، ثم بخوا مبيدات علينا».
ومحسن المصري، واسمه مستعار، واحد من حوالى 200 ألف معتقل سجنتهم السلطات السورية، منذ منتصف مارس 2011، بسبب أنشطتهم المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد.
ويقول المرصد السوري لحقوق الإنسان إن حوالي 12ألف سجين قضوا نتيجة التعذيب داخل هذه السجون، بالإضافة إلى وجود آلاف المفقودين الذين لا يعرف مصيرهم.
ويقول ناشط من دمشق يقدم نفسه باسم محمد سمعان، 33 عاما: «لا شيء مما قرأته أو سمعته عن روايات الشعوب الأخرى كان في إمكانه أن يحضرني لتجربة الاعتقال الرهيبة التي مررت بها»، مضيفا: «اكتشفت أن هناك عالما آخر مرعبا موجودا في سوريا».
وكان سمعان يتحدث بهدوء، وهو يدخن سيجارة ويتذكر: «سجنت مرتين بسبب نشاطي ضد نظام الأسد، المرة الاولى لتسعة أشهر، والمرة الثانية لأربعة أشهر. وفي المرتين، تعرضت لأسوأ أنواع التعذيب النفسي والجسدي، وأضاف أن أحد المحققين في فرع أمني في دمشق قال له: (نحن لا نعذبكم بسبب نشاطكم ضد النظام، أنتم لا تؤثرون علينا، إنما نعذبكم لأننا نتلذذ بتعذيب الناس)».
ويشير سمعان إلى أنه تعرض للصعق بالتيار الكهربائي، وتابع: «ثم طلب مني المحقق أن أكتب كل ما أعرف عن نشاط المعارضين، ولم أشعر بالرعب مرة كما شعرت في ذلك الوقت، فعل كل شيء لتحطيمي».
ويتحدث المصري، 36 عاما، من جهته عن تفاصيل تبقى محفورة في ذاكرته، فقد تم توقيفه على الحدود بينما كان يحاول العبور إلى لبنان، ثم تسلمه فرع الأمن العسكري في دمشق حيث كان المحققون «يشتمون زوجتي ويهددون باعتقالها واغتصابها بين جولة تحقيق وأخرى، كانوا يوقفونني عاريا في الخارج، ثم يدخلونني ويطرحون الأسئلة وهم ينهالون على ضربا».
وظل المصري في الفرع سبعة أشهر، وكان المكان الذي ينام فيه «مساحته 36 مترا مربعا، ويضم خمسين شخصا في البداية، ثم أصبحوا مئة».
ويشير سوري ناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، رافضا الكشف عن هويته، لوجود أكثر من مئة سجن ومركز اعتقال في أنحاء البلاد، بينها سجنا عدرا وصيدنايا قرب دمشق اللذان مر فيهما كل من المصري وسمعان.
ويتحدث عن شبكة من السجون السورية والفروع الأمنية ومراكز الاعتقال السرية التي يصفها بـ«الكابوس»، بينها «30- 40 فرعا أمنيا غير قانونية» بمعنى أنها غير مخولة لإبقاء معتقلين لديها، «بالإضافة إلى عدد غير محدد من مراكز الاعتقال السرية»، ويضيف الناشط «هناك 4أجهزة أمنية في سوريا، وكل منها يبذل أقصى جهده ليثبت أنه أكثر عنفا من الأجهزة الأخرى».
ويمنع المحامون من مقابلة موكليهم، كما يمنعون من المثول أمام المحاكم الميدانية، ما يحرم المعتقل من أدنى مقومات الدفاع المشروع عن النفس.
وتقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان، سيما نصار: «في الفروع، نوعية الطعام سيئة جدا ومحدودة، والخدمة الطبية معدومة، ونادرا ما يتلقى المعتقل مساعدة طبية، عندما يصاب بكسور أو بجلطة مثلا، قد ينقلونه إلى المشفى العسكري الذي هو مثل الفرع تماما، يقوم الممرضون فيه بدور السجانين ويستخدمون الضرب والإهانات».
وفقد المصري أكثر من 50 كيلوجرام من وزنه وقال: «كنا نأكل وجبة واحدة في اليوم، رغيف خبز أو أقل أو خمسة ملاعق من الأرز، ربع حبة بطاطا أحيانا، أو ثلاث حبات زيتون وثلث بيضة»، ويضيف «كان يوضع الطعام عند الباب، وعلينا سحبه بسرعة كبيرة، لأن الحراس كانوا ينهالون بالضرب المبرح على الأيدي التي تمتد لسحب الطعام»، مشيرا إلى أن أحد الضباط عمل مرة على مزج مياه من كرسي الحمام بالطعام، و«مع ذلك أكلناه، لأننا كنا جائعين».
وأصدر الأسد، في يونيو الماضي، مرسوم عفو كان يفترض أن يشمل عشرات آلاف المعتقلين، لكن تم الإفراج عن العشرات فقط بينهم عدد محدود من الناشطين المعروفين، وتقول سيما نصار: «الناس الذين نعتبرهم صانعين للحدث، لا يفرج عنهم، النظام يخاف منهم ومن تأثيرهم».
ويقول النشطاء إن معظم الذين قادوا حركة الاحتجاج في السجن أو مفقودون، أو قتلوا أو هاجروا، أما الذين تمكنوا من الخروج من السجن، فهم في صراع يومي مع الذكريات الموجعة، ويقول سمعان: «الذكريات تسكنني وتطاردني كل يوم، عندما آكل، عندما أنام، الوضع غاية في القبح هناك، بعض الأمور لا يمكنني حتى التكلم عنها».