الأقباط متحدون - احتقان
أخر تحديث ٢١:٢٧ | الاثنين ٨ ديسمبر ٢٠١٤ | ٢٩هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٠٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

احتقان

أسامة غريب
أسامة غريب

مثلما أن الكاتب قد تسعده رسائل القراء وتعليقاتهم على ما يكتب فإنها أحياناً قد تصدمه وتصيبه بالغم. وأنا هنا لا أتحدث عن التعليقات التى تتضمن سباً وقذفاً ممن يختلفون مع الكاتب فيستبيحونه ثم تنشر الصحف اللطيفة شتائمهم للكاتب باعتبارها رأياً، وإنما أتحدث عن نوع محدد من التعليقات يتصور أصحابها أنهم ملكوا الصحيفة وصارت لهم الكلمة النافذة على عموم القراء. يقول أصحاب هذه التعليقات للكاتب: ما هذا الذى تكتبه يا رجل؟ هل هذا وقته؟.. أتترك الأمور الخطيرة التى يمر بها الوطن ثم تحدثنا عن كذا وكذا.. هل أنت فى غيبوبة أم ماذا؟

وجه العجب فى مثل هذا الكلام أن أصحابه هم فى الغالب الذين يعيشون فى غيبوبة، ولديهم من قصر النظر والجهالة ما يصور لهم أن الأجندة الخاصة المحفورة فى جمجمة كل منهم هى بالضرورة مُلزمة لعموم كتاب القُطر، وأنه إذا تغيرت بنود هذه الأجندة أو أعيد ترتيبها بسبب تغير المصالح أو تغير المزاج فإن على الكاتب أن يتبع البوصلة ويعيد ترتيب أولوياته بسرعة حتى لا يبوء بغضبٍ من حضرة القارئ الملتهب!

قد يكون مناسباً وطبيعياً أن تنصّب المعارضة والنقد على المكتوب ومضمونه، أما أن نغضب من كاتب لأنه كتب فى الاقتصاد ونسى الأدب أو كتب فى الفن وتجاهل السياسة أو كتب حدوتة رمزية وابتعد عن التناول الصريح، فهذا الموقف قد يكون على قدر كبير من التجنى.. أولاً: لأن كل شؤون الحياة مهمة بالنسبة لجانب من القراء، وثانياً: لأن ما لا يعجبك وتراه تافهاً قد يكون مثيراً ومُلهماً بالنسبة لغيرك، وثالثاً لأن الكاتب أيضاً هو إنسان له حقوق فى هذه الحياة وله أن يعبر عن نفسه بحرية بعيداً عن ضغط ما يطلبه المستمعون أو القراء.

وإذا كان هناك رأى وجيه قد يبرز فى هذا الشأن قائلاً إن هناك أحياناً من القضايا ما يصح أن يعلو على سواه وأن يشارك الجميع فيه بالرأى وإلا عُد هذا تهرباً من المسؤولية، فإن الرد على هذا بسيط وهو أننا ولعشرات السنين عشنا تحت ضغط رسمى يزعق طول الوقت بأننا نعيش مرحلة فاصلة، ونمر بمنعطف خطير، ونحاول العبور من عنق زجاجة ضيق، ونتعرض لمؤامرات من الأشرار الذين يحسدوننا على ما نحن فيه من حرية وعدل وكرامة..

هذا هو حالنا منذ وعينا على الحياة حتى إن الناس فقدت القدرة على التمييز بين الخطر الحقيقى والمصطنع، بين العدو الذى ينبغى مواجهته، والصديق الذى يتعين الوقوف بجانبه، فهل مطلوب من الكاتب أن يستجيب لهذا الهراء التاريخى المزمن ويظل «يحزق» على الدوام؟.. ثم بفرض أن الظرف هو حرج فعلاً والمنعطف خطير بحق وعنق الزجاجة شديد الضيق.. مَن قال لك أيها القارئ الهمام أن كاتبك لم يشارك بالرأى؟ ومن أدراك أنه لا يوجد من حالوا بين رأيه وبين الوصول إليك، وكيف لك أن تعرف أنه فى بعض الأحيان فإن الكاتب يمتنع من تلقاء نفسه عن الكتابة فى شأن معين لأنه عرف بالتجربة أن ما يكتبه لن يجد طريقه للنشر فيوفر الجهد ووجع الرأس ويكتب فيما يعرف أنه سيُنشر دون أن يتخلى عن قناعاته أو يتبنى ما لا يؤمن به.

نسأل الله أن يهدى الجميع، على الرغم من تأكدنا أن هذا لن يحدث!
نقلا عن المصرى اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع