قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(516)
بقلم : يوسف سيدهم
صدرت وطني الأسبوع الماضي في عدد خاص لتأبين الحبر الجليل نيافة أنبا ميخائيل مطران أسيوط الذي رحل عن عالمنا وهو يحمل ألقابا كثيرة منهاملاك كنيسة أسيوط…وشيخ مطارنة الكرازة المرقسية…والراعي الأمين لكنيسته وشعبه…والمدافع عن الحق بقوة وشجاعة…هذه نماذج من ألقاب كثيرة تغني بها شعبه ومن التقوا به ومن عرفوه.
ليس من السهل الوفاء بحق أنبا ميخائيل نظير خدمته الباذلة,وسوف تجود الأيام القادمة بالكثير والكثير وبرصيد عظيم وغزير عن إنجازاته ومواقفه وبصماته التي تركها في كنيسته وفي قلوب رعيته ومحبيه…لذلك من السابق لأوانه أن نستطيع جمع سيرته في مرجع نتداوله ونسلمه للأجيال القادمة,لكن حتما هناك من المحبين له والغيورين علي رصد ما صنعت يداه-ومنهم من الدارسين المدققين-الذين يتولون إنجاز توثيق هذه السيرة العطرة وتلك المسيرة المباركة.
ولعل من يقرأ هذا المقال تعتريه الدهشة من وضعه ضمن سلسلةقراءة في ملف الأمور المسكوت عنها ويظن أن ذلك تم سهوا وما كان له أن يحدث…لكن الحقيقة إني لا أكتب لأسجل عظيم محبتي وتقديري لأنبا ميخائيل وقيمته وقامته,بل كما أشرت في كلمتي التي سطرتها الأسبوع الماضي وداعا له أكتب عن علاقة حميمة ربطتني به علي المستوي الشخصي وفي إطار موقعي في أسرةوطني ….علاقة بقيت في القلب ولم يشأ نيافته أن أفصح عن تفاصيلها والتزمت أنا بذلك طوال الأعوام الخمسة عشر الماضية…والآن وقد انطلق هو إلي السماء لا يستقيم أن تبقي مسكوتا عنها وأشعر أن الوقت حان لأفي هذا الأب الطوباوي حقه.
كان أنبا ميخائيل متابعا لصيقا لمسيرةوطني ورسالتها وكما كان نيافته مدافعا عن الحق لا يخشي لومة لائم في نطاق خدمته,كان يري في دوروطنيذودا عن الأقباط ودفاعا عنهم إزاء ما يتعرضون له من ظلم وتهميش واعتداءات بسبب عقيدتهم, وكان دائم الاستفسار عن أحوال الصحيفة وأسرة محرريها والعاملين فيها بغية الاطمئنان علي استقرارها وقدرتها علي الصمود ومواصلة رسالتها الإعلامية والوطنية…كما أسهم في مناسبات عديدة في تعضيدوطني إعلانيا وهو مالم يكن يخفي علي القراء في النشرة السنوية التي كانت تنشر في مناسبة عيد السيدة العذراء وفي ختام نهضتها التي كان نيافته ينظمها ويحرص عليها ويتصدرها في ديرها العامر بدرنكة غربي أسيوط.
هذا يعرمه القراء…أما المسكوت عنه فكان أمرين قام بهما نيافته في صمت وبإصرار أن يظلا في طي الكتمان دون الإفصاح عنهما,حتي أني في إطار الإعداد لاحتفالوطني بمرور خمسين عاما علي صدورها(اليوبيل الذهبي1958-2008) وكانت مناسبة تم فيها الترتيب لتكريم روادها والعاملين فيها والشخصيات العامة والقيادات الكنسية ممن أسهموا في مسيرتها,أرسلت الدعوة لنيافته مع رجاء تشريف الحفل بالحضور وقبول التكريم المعد له عرفانا وتقديرا لدوره,وكان الرد الذي تلقيته وديعا لكن قاطعا يحمل التهنئة الحارة بالمناسبة والتقدير الكبير للصحيفة ورسالتها وفي ذات الوقت يعتذر عن عدم الحضور ويطلب بإصرار عدم ذكر أي شئ إطلاقا عما امتدت إليه يداه لدفع مسيرتها.
وأطعت وخضعت وقتها لرغبة نيافته ولكني في كلمتي إلي من شرفوا ذلك الاحتفال المهيب آنذاك وعلي رأسهم قداسة البابا شنودة الثالث ووسط تسجيل الكثير من آيات الشكر والعرفان لحشد ممن أسهموا في رسالةوطنيونجاحها لم أستطع الالتزام بالصمت الذي اعتبرته إنكارا فاكتفيت بإشارة غير مباشرة حين قلت:…ولا يمكنني أن أنسي ذكر شخصية كهنوتية لها عظيم الحب والتقدير ولها أياد بيضاء عليوطني لكنني أنزل علي رغبتها في عدم الإفصاح عنها وعما قدمت دفعا لهذا العمل.
الآن جاء وقت الإفصاح والوفاء,وكما قلت إنهما أمران:الأول أن أنبا ميخائيل دأب علي تشجيع نشر وتوزيع وطني بمبادرته بشراء كميات من أعدادها أسبوعيا ليتولي هو سداد قيمتها وتقديمها دون مقابل للمحيطين به وللمترددين عليه…وكان يقول دوما إنه لا يفعل ذلك لمجرد التعضيد المادي ولكن للحرص علي وصول الكلمة والرسالة الإعلامية لأكبر عدد ممكن من الناس.
الأمر الثاني وهو الذي يكتسب في داخلي قيمة غالية جدا حدث في خريف عام 1999 عندما دخل مكتبي الأستاذ الكبير مسعد صادق ووضع لفافة علي المكتب وقاللقد عدت لتوي من أسيوط ونيافة أنبا ميخائيل يبعث إليك بتحياته ويرسل هذا المبلغ تاركا لك حرية استخدامه لصالحوطني وهو لايريد ذكر هذا الأمر ولا الكتابة عنه إطلاقا بل يبقي في طي الكتمان…وأسقط في يدي وشعرت بالامتنان وتعجبت لتوقيت تلك المبادرة من جانب نيافته لأن المبلغ كان سخيا وجاء بينما كنا نخطط لإدخال الأجهزة الإلكترونية وأنظمة الكمبيوتر فيوطني لتحل محل أنظمة العمل الصحفي التقليدية ولنؤسس بها اللبنة الأولي لتطوير قطاعات التحرير وتصميم وإعداد الصفحات إلكترونيا لنواكب التطورات التقنية القادمة إلي حقل الصحافة…
وتم ذلك بالفعل وكان الإسهام السخي لأنبا ميخائيل هو الذي تم توجيهه نحو انتقال وطنيإلي عصر الأجهزة الإلكترونية وتحقيقها الاكتفاء الذاتي في جميع مراحل إعداد الصحيفة حتي ماقبل الطباعة.
وظل هذان الأمران مسكوتا عنهما منذ ذلك الحين وكنت أكتفي بين الحين والآخر كلما ذكرت نيافة أنبا ميخائيل أن أقول…نيافته له أياد بيضاء عليوطني…….أما الآن وقد رحل أنبا ميخائيل إلي السماء فقد جاء وقت الإفصاح والوفاء والعرفان.
نقلا عن وطنى