الأقباط متحدون - الصيحة الأخيرة للإخوان المسلمين
أخر تحديث ٢١:٢٥ | السبت ٦ ديسمبر ٢٠١٤ | ٢٧هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٠٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الصيحة الأخيرة للإخوان المسلمين

الصيحة الأخيرة للإخوان المسلمين
الصيحة الأخيرة للإخوان المسلمين

 لم تُدرك جماعة الإخوان المسلمين، ولا من كانوا يأملون وراثة الجماعة من السلفيين أن المجتمع المصرى قد تغيّر نوعياً منذ ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١. فقد كسر المصريون جِدار الخوف من السُلطة، سواء كانت سُلطة دينية، أو سُلطة زمنية، بعد ستة آلاف سنة، كان يخاف فيها من رمز هذه السُلطة، فرعون كان أو سُلطاناً، رئيساُ كان أو أميراً للمؤمنين!

 
كما تسيّس الشعب المصرى كله، أى أًصبح كل الناس يهتمون بالشأن العام، خارج ذواتهم وخارج عائلاتهم، وخارج قُراهم، وخارج الشوارع والأحياء والمُدن التى يُقيمون فيها. وأصبح الشأن العام هذا، هو مصر كلها، إن لم يكن معها الوطن العربى كله. أى لم يعد هذا الاهتمام بالشأن العام حِكراً أو احتكاراً لنُخبة العشرة فى المائة الذين هم فى قمة المجتمع، كما تعودنا فى المائة سنة الأخيرة.
 
وقد أصبح مُعظم المصريين، للسببين المذكورين أعلاه، أكثر استعداداً، للمُشاركة فى صياغة هذا الشأن العام. كما يشهد بذلك حِرصهم على الإدلاء بأصواتهم فى الاستفتاءات والانتخابات العامة، ووقوفهم فى الطوابير لساعات، دون ضجر أو ملل، للإدلاء بأصواتهم، فى أربع مناسبات خلال السنوات الثلاث التى أعقبت ثورة يناير ٢٠١١.
 
ولأن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين قد تم غسيل عقولهم، وتسطيح أمخاخهم، خلال مسيرة تجنيدهم، فلم يعودوا يُعملون عقولهم، من طول تمرسهم بسلوك السمع والطاعة لقياداتهم، فإنهم يُصدقون كل ما يصدر لهم من هذه القيادات، حتى لو كان خُرافة، أو خارقا للعادة! بما فى ذلك الاستعداد لرمى أنفسهم فى التهلكة، واعتقادا منهم أن ذلك استشهاد فى سبيل الله، وأن مصيرهم الذى لا ريب فيه هو الجنة، خالدين فيها أبدا!
 
كذلك أصيبت قيادات الإخوان فى السنوات الأخيرة بالغرور التنظيمى. من ذلك مثلاً، أنهم بالغوا كثيراً فى قدراتهم على التعبئة والحشد. لذلك أسرفوا فى الدعوة إلى المليونيات الجماهيرية. وخدمهم فى ذلك اعتباران:
 
أولهما، أن قطاعات ليست بصغيرة من الرأى العام كانت تتعاطف معهم، إما اعتقاداً أنهم أهل تقوى وورع وإصلاح، وإما لأنهم كانوا فى أزمان ما قبل ثورة ٢٥ يناير ضحايا للتعسف والظلم فى عهود سابقة ساد فيها الفساد والاستبداد.
 
ثانيهما، أن الجماعة السلفية، والجماعات الجهادية الأخرى التى خرجت من العباءة الإخوانية، أو من المستودع الصوفى، كانت فى العادة ستؤيد الإخوان فى أى مواجهة مع السُلطة، وخاصة إذا رفعت الجماعة راية الإسلام أو الشريعة فى هذه المواجهة. لذلك حينما دعت جماعة الإخوان والسلفية الجهادية إلى مُظاهرات مليونية يوم الجمعة ٢٨ نوفمبر ٢٠١٤، أخذت أجهزة الدولة احتياطاتها تحسباً لعُنف متوقع فى ذلك اليوم. ولكن لدهشة أجهزة الأمن، والمُراقبين، وربما الإخوان والسلفيين أنفسهم، لم يستجب مواطنون كثيرون لهذه الدعوة. ولا لملحق الدعوة فى اليوم التالى، السبت ٢٩ نوفمبر. وسارت الحياة طبيعية هادئة فى اليومين، فى عموم القُطر المصرى، باستثناء مُظاهرات صبيانية محدودة فى أحياء المطرية والهرم وشُبرا الخيمة فى القاهرة الكُبرى، وفى محافظتى الفيوم والشرقية، سقط فيها ثلاثة قتلى، وحوالى ثلاثين جريحاً، من رجال الأمن ومن الإسلاميين، وهى الجمعة الأقل ضحايا منذ قيام ثورة ٢٥ يناير.
 
وخُلاصة القول أن دعوات الإخوان والسلفيين إلى التظاهر، أو الاعتصام، أو المواجهة مع أجهزة الأمن، لم تعد تلقى استجابة من غالبية المصريين، إما لعدم التعاطف مع الإسلاميين، أو للتعب والإنهاك الثورى للناس خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهو ما حدث فى ثورات أخرى، فى روسيا وإيران وبُلدان أوروبا الشرقية. والقيادات السياسية الحصيفة تدرك ذلك جيداً، فلم تُسرف فى دعوة الناس للخروج أو للتضحية فى سبيل الثورة أو فى سبيل مبادئها المُعلنة (مثل العيش والحُرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية)، أو فى سبيل الجماعة والحزب.
 
كما أن عدداً من المُراقبين المحليين والدوليين، كانوا قد لاحظوا أن أياً من ضحايا وشُهداء الثورة ابناً، أو أخاً، من أقرباء قيادات الإخوان المسلمين. كما لو كان الاستشهاد فى سبيل الله أو الجماعة هو واجب فقط على عامة الإخوان من الأعضاء، وليس على الخاصة من القيادات أو من ذويهم الأقربين.
 
ولذلك نُلاحظ أن عدم الاستجابة لم يقتصر فقط على يومى ٢٨ و٢٩ نوفمبر ٢٠١٤ ، ولكنه شمل كل دعوات الإضراب والاعتصام خلال السنة الأخيرة، خاصة منذ فض اعتصامى ميدانى رابعة العدوية (شرق القاهرة) والنهضة (الجيزة) فى أغسطس ٢٠١٣. ويبدو أن عدم الاستجابة الشعبية أصاب الإخوان بمزيد من الإحباط، فتضاعف تخبط القيادة، وعشوائية قراراتها فى الآونة الأخيرة، وهو ما أغرى الجماعة السلفية، بالتصرف والحديث كما لو كانوا هم وليس الإخوان، أصحاب التوكيل فى الحديث باسم التيار الإسلامى، ليس فقط فى مصر، ولكن أيضاً فى بقية العالم الإسلامى من إندونيسيا شرقاً، إلى نيجيريا غرباً.
 
ومع ذلك لم تفلح الجماعة السلفية فى محاولتها بأخذ زمام القيادة، فهى التى كانت قد بادرت بالدعوة لمليونيات ٢٨ نوفمبر، والتى جاءت الاستجابة لها فى غاية التواضع، كما رأينا. وربما حقيقة الأمر هى أن أغلبية المصريين قد اكتسبوا مناعة نفسية وروحية، ضد كل دعوات يشتمّون منها شُبهة المُتاجرة بالدين. ويمكن القول، والأمر كذلك، أن صيحة الإخوان والسلفيين، واإسلاماه يومى ٢٨ و٢٩ نوفمبر ٢٠١٤، كانت صيحتهم الأخيرة، على الأقل فى حياة هذا الجيل، أى أنه لن تقوم لهم قائمة سياسية ذات بال أو تأثير، خلال السنوات العشر القادمة. ولا يعنى ذلك أنهم سيختفون عن المسرح العام، ولكنهم لن يكونوا لا القوة الأولى، ولا الثانية، ولا حتى الثالثة. وقد رأينا مؤشراً لذلك فى الشقيقة تونس منذ أسابيع قليلة، حيث خسرت حركة النهضة، المُقابل التونسى للإخوان فى مصر.
 
والله أعلم..
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع