الأقباط متحدون - القِدِّيسُ غرِيغُورْيُوسُ النِّيصِيُّ أسْقُفُ نِيصَصَ
أخر تحديث ٠٩:٢٨ | الخميس ٤ ديسمبر ٢٠١٤ | ٢٥هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٠٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

القِدِّيسُ غرِيغُورْيُوسُ النِّيصِيُّ أسْقُفُ نِيصَصَ

القِدِّيسُ غرِيغُورْيُوسُ
القِدِّيسُ غرِيغُورْيُوسُ

بقلم - القمص أثناسيوس فهمي جورج
هو أحد الآباء الكبادوك، وشقيق القديس باسيليوس الكبير وبطرس اسقف سيبسطيا وأختهما ماكرينا؛ لأمهم التقية أميليا؛ التي ربت أولادها للمسيح؛ وبَنَتْ كنيسة على رُفات شهداء سبسطية الأربعين.. عُرِف عنه براعة التفكير اللاهوتي ومَيْله للبلاغة والأدب، وقدرته على تقديم اللاهوت وشرح الثالوث القدوس وتفسيره الرمزﻱ الروحي للكتاب المقدس؛ لأنه نشأ ضمن جو صاخب منشغل بالحوار اللاهوتي في الحياة اليومية خاصة مع الأريوسيين، وكذلك بالرد على هرطقات (أبوليناريوس وأنوميوس ومقدونيوس).

يعتبر غريغوريوس أسقف نيصص من المهندسين المعماريين الذين أسسوا على ما بُني عليه في مجمع نيقية المسكوني، وأسهَمَ في بناء المصطلحات اللاهوتية الخاصة بالإيمان الثالوثي المستقر في الكنيسة الجامعة؛ خاصة وأن نشأته الأسرية التقية وتلمذته على يد أخيه الأكبر القديس باسيليوس الكبير؛ كان لها الأثر الأكبر في فكره؛ بعد أن اتخذ منه مثلاً أعلىَ، معتبرًا أنه أعجوبة العالم كله في الفلسفة الحقيقية.

انشغل غريغوريوس أسقف نيصص بدراسة اللاهوت والفلسفة؛ حتى أن نيصص الإبيارشية الصغيرة؛ اشتهرت بسبب كونه أسقفها... وكأنه خُلق ليكون لاهوتيًا ومفكرًا؛ ومع ذلك عانىَ الكثير من الانتقادات التي أثارها ضده أعداء خبثاء منتقدين كل تصرفاته؛ حتى مظهره وملابسه وحركاته؛ فجعلوا منها موضع اتهام؛ مما تسبب في إلقاء ظلال ضوء شاحب على أصالته اللاهوتية؛ بينما كانت تحركاته كشبه الشمس التي تبعث الحياة لكل من حولها وكالكواكب التي تتحرك بقانون ثابت؛ الأمر الذﻱ جعل محبيه يستقبلونه دائما كغالب ومنتصر؛ يرنمون ويتهللون؛ بينما دموع الفرحة تنهمر من عيونهم.

لقد نال النيصي شهرة كبيرة بسبب كتاباته اللاهوتية؛ واشتراكه في الحوارات المسكونية؛ وحله للمشاكل والمصالحات والقضايا الرعوية الجارية في زمانه؛ ولمناقشاته وشرحه لإجمالي التعليم المسيحي العظيم كوحدة واحدة متكاملة.. وكذا بسبب صيرورته أسقفًا مركزيًا لكل إيبارشية بنطس؛ وغزارة كتاباته الثمينة التي اشتملت على كتابات عقيدية وتفسيرية ونسكية، بالإضافة إلى الكثير من العظات والخُطَب والرسائل والمرثيات.. هذا وقد أتى جهده اللاهوتي ضمن مجهودات آباء كبادوكية؛ لكنه كان مميزًا بعلمه اللاهوتي أكثر من كونه أسقفًا إداريًا... بالرغم من مساهماته الكبيرة في إرساء حقوق الكنيسة اللاهوتية داخل الإمبراطورية البيزنطية، كونه لم يكن مؤسسًا لمشاريع اجتماعية أو مشترعًا رهبانيًا كأخيه باسيليوس... كذلك لم يكن خطيبًا شهيرًا كالذهبي الفم، أو شاعرًا كغريغوريوس النزينزﻱ، بل فاقهم كلاهوتي ومتصوف... مفكرًا فيلسوفًا ومتصوفًا Mystic ذا عينٍ فاحصة للأمور، صاحب تفكير منهجي وثقافي جعله معتبرا بأنه المرجع والرائد في الحوارات العقيدية؛ زاهدًا في المناصب حتى أُجبِر على قبول خدمة الأسقفية، صريحًا مع المضادين لمجمع نيقية؛ منفتحًا ومتصلاً بالنيقاويين القدامَى..

وقد صار مشيرًا موثوقًا به لدى الحكومة وله كلمة الفصل في إقصاء الأريوسيين وفي اختيار أساقفة نيقاويين مكانهم؛ حتى ذاع ذكره في الكنائس والمدن بين الأمم.. ولقبه مجمع القسطنطينية المسكوني عام ٣٨١ بأنه (أحد أعمدة الأرثوذكسية)...

لقد وجد بذور الخير والراحة والحرية والنور والفن الأسمَى؛ وجدوَى الحياة وقيمتها وجمالها الإلهي في المسيحية بكمالها وارتقائها للاقتداء بالطبيعة الإلهية وحمل المسيح في نفوسنا، منشغلاً بالتعليم عن الثالوث القدوس وعن طبيعة المسيح وفداء الإنسان؛ وعن الشركة الحية مع الله والثيؤسيس θέωσης (التمثل بالفضائل الإلهية). مهتمًا بمشاكل الإنسان وحياة التقوى السرية للنفس المرتحلة للرحلة الطوباوية نحو الله؛ والرجوع الشامل له؛ عبر مضمار السباق الإلهي في الفضيلة؛ ومسيرة صعود واستمرار الامتداد والإشعاع للأمام، إلى أن يتشكل فينا المسيح في تبادلية ثبوت بطريق المراقي الروحية والانعتاق من أوجاع الأهواء، حتى نبلغ صورة الله الكاملة البهية؛ حاملين اسم المسيح وشخصه .

تركزت كتاباته حول سر الكمال المسيحي المعاش : في مواعظه عن التطويبات والصلاة الربانية والبتولية والمزامير وسفر الجامعة والحياة المسيحية والكمال ونشيد الأناشيد والمؤسسة المسيحية وأيام الخليقة الستة). Hexameron وحياة موسي النبي وماكرينا البارة، مسترشدًا بالآباء السابقين له؛ كميراث تسلمه ليودعه الآتين من بعده.

أشارت كتاباته إلى تلمذته للعلامة السكندرﻱ أوريجين. كذلك إلى تأثره بنهج أخيه باسيليوس أسقف قيصرية... لذلك أكمل رسالة البابا أثناسيوس السكندري ومجمع نيقية في دحض الأريوسية. واقفًا على الدوام على صخرة إيمان الكنيسة الأم؛ متصديًا لأنصاف الأريوسيين والهراطقة. موظفًا ذكائه الحاد وسعة معرفته الفلسفية واللاهوتية ضد الهراطقة الذين ينكرون ألوهية الابن والروح القدس (أنوميوس / مقدونيوس)، وضد الذين يشككون بإنسانية المسيح الكاملة (أبوليناريوس)، شارحًا للكتابات المقدسة في تعليمه اللاهوتي الكبير، لا من أجل صياغة لاهوت أكاديمي مغلق على نفسه؛ بل ليقدم لوحة يتحرك فيها نظام التفسير التربوي للإيمان.

كذلك يعتبر القديس غريغوريوس أسقف نيصص من أوئل اللاهوتيين في توضيح مفهوم سيرة الكاهن وخدمته، منشغلاً بالعبادة الليتورچية في مساحة عريضة من كتاباته وعظاته. وقد عُرف بعمق وقوة التفكير؛ وبإنفتاحه على التيارات الفكرية المعاصرة له؛ إلى حد بعيد بالأقدمين؛ ولاسيما الفلاسفة أفلاطون وفيلون وأفلوطين، متخذًا في آرائه صورة أفلاطونية خاصة؛ مستقلة عن الأفلاطونية الحديثة؛ تجمع عناصر أفلاطونية إلى عناصر أرسطاطاليسية ورواقية.
كذلك تأثر كثيرًا بالآباء كليمنضس وأوريجين السكندريين. جامعًا لمقتطفات أقوالهم ومقتبساتهم في كتابه) Florilegia، وهو بحق مؤسس اللاهوت النسكي الصوفي (أب الحياة الباطنية)، وله فيه العديد من الكتب المتخصصة؛ على اعتبار أن شخص المسيح والشركة الحية معه هي محور كل تأمل وفكر لاهوتي؛ حتى أكمل جهاده بعد رحلة من الدراسة اللاهوتية التأملية؛ وبعد مواجهة الهرطقات والصعاب حتى النفي؛ انتقل إلى المجد في سنه ٣٩٥ م ، وتبقى ذكراه أبدية، حيًا عند إله الأحياء .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter