بقلم: ليديا يؤانس
ناس تعمل دبكة وناس تعمل ربكة!
ناس تهديك البهجة والفرحة وناس تهديك الغم والكآبة!
ناس تذهب لمثواها الأخير علي أنغام الدبكة والرقص والزغاريد وناس تذهب لمثواها الأخير بعد أن يدمروا حياة الآخرين أو يفجروا أنفسهم فيعملوا كارثة وربكة!
وصيتها لجمهورها وأحبائها لا تحزنوا لموتي بل إفرحوا وأرقصوا علي أنغام الدبكة، لبسوا الثياب المبهجة ورقصوا الدبكة، وكمان رقصوا النعش في مشهد عرائسي مفرح!
بدون حرج قالت، "أنا فخورة بأنني فتاة قروية ولكن كان لدي الكثير من الطموح!" هذه هي جانيت جرجس الفيخالي، اللبنانية الأصل من مواليد 10 نوفمبر 1927 من قرية بدادون، المغنية والممثلة المشهورة صباح، التي عرفت فنياً بإسم الشحرورة أو الصبوحة، والتي ذهبت إلي مثواها الأخير علي أنغام الدبكة في 26 نوفمبر 2014 عن عمر يناهز 87 عاماً.
أنا لست هنا بصدد كتابة السيرة الذاتية لصباح، وإن كانت تستحق!
الشحرورة أسعدت العالم العربي وجمهورها ومحبيها علي مدي ما يقرب من 70 عاماً من فنها المتميز بخفة الظل، وصوتها الجبلي القوي، فنالت شهرة وموقعاً ممتازاً في الفن قريباً من أم كلثوم ووردة وفيروز ووديع الصافي.
أطلقوا عليها الشحرورة بسبب عذوبة صوتها فالشحرور طائر أسود ولكن صوته جميل جداً، صباح دائماً ضاحكة، لم نرها قط حزينة أو كئيبة وذلك بسبب نظرتها المتفائلة للحياة، ولذا دائماً ما تحث الآخرين علي أن يبتهجوا ويفرحوا ولا يحزنوا وهذا ما حرصت عليه في أن يبتهجوا ويرقصوا في مماتها، ولقد نصحت الفنانة لبلبة بألا تحزن قائلة لها "ما تزعليش علي أي حاجة!"
الله ليس رجلاً عجوزاً معكراً المزاج، أنهكته سالف الأيام وغدر الزمان ، يجول ينفث غضبه في وجوه البشر لينكد عيشتهم ويربك حياتهم، ولكنه الأب الحنون الذي يريد سعادة البشرية.
الله خلق العالم وأعد كل شئ حسناً قبل أن يخلق الإنسان، لكي يكون كل شئ مُعداً لسعادة وبهجة الإنسان، الله يريدنا أن نفرح ونبتهج لإن الحياة قاسية بما فيه الكفاية.
سوف لا أدخل في نقاش حول مفهوم الإستمتاع بالحياة، لإنني سأجد قرون الإستشعار سترفع أصابعها إعتراضاً، وستتفتق الأذهان وتتحور الأفكار، بأن هذه دعوة للإنفلات الأخلاقي وعدم طاعة الله الذي دائماً كاتماً علي أنفاس البشر بالمحظورات والممنوعات، في حين أن الله مظلوماً ولا يقصد إطلاقاً أن يربك الناس ويجعلهم يعيشون في كآبة وغم وحزن
بل يريد أن الكل يفرح ويرقص طرباً للنعم التي يمن بها علي الإنسان، ولذا تقول كلمة الله "أيضاً كل إنسان أعطاه الله غني ومالاً وسلطة عليه حتي يأكل منه ويأخذ نصيبه ويفرح بتعبه فهذا هو عطية الله" (جامعة 19:5). وأيضاً تقول الكلمة الإلهية "أوصي الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم علي غير يقينية الغني بل علي الله الحي الذي يمنحنا كل شئ بغني" (1 تيموثاوس 17:6).
ماتت الشحرورة وتركت وراءها ثروة فنية هائلة، ما يقرب من 3500 أغنية، وحوالي 90 فيلماً سينمائياً، وأكثر من 20 مسرحية، بالرغم من ظروفها العائلية الغير مريحة والغير مستقرة ففي بداية حياتها الفنية، أبوها كان فظاً معها ودائماً ما يستولي علي ما تتحصل عليه من أجرها الفني، بالإضافة إلي أن أخيها قتل أمها لأسباب تتعلق بالسمعة والشرف، وبالرغم من ذلك حققت نجاحاً عظيماً.
صباح ماتت بدون أن تضر أحداً، بل أحبت الكل وأعطت بهجة وفرح بفنها لكل من حولها، حتي في مماتها لم تتمني أن يحزن عليها أحداً بل علي أنغام الدبكة يودعونها، وبالرغم من ذلك فكثيرين لم يعجبهم طريقة ملبسها وعمليات التجميل وزيجاتها التسعة!
صباح كانت شديدة الحرص علي مظهرها وجمالها، ولذا قالت أتمني أن أخسر ثروتي ولا أخسر في يوم جمالي وأناقتي!
ليست هي فقط بل كثيرين من الناس سواء رجالاً أم إناثاً لهم طريقة معيشة أو أفكار قد لا يقبلها العقل ولا المنطق، ولكن ما يهمنا نحن، هل هؤلاء مصدر فرح وسعادة بالنسبة لنا أم مصدر قلق ونكد بالنسبة لنا؟
أنا لن أدافع عن صباح أو غيرها، وأيضاً لن أدينها هيّ أو غيرها، ببساطة لأنه ليس من شأني حياتهم الخاصة، المهم هُمّ بيعاملوني أنا إزاي وهل ضروني أم لا!
حياة المشاهير دائماً متعريه أمام الناس، في حين أن كثيرين مما يقولون آراءهم فيهم ممكن يكون المستخبي في حياتهم أصعب بكثير ممن ينتقدوهم، ولكن أهم ما في الموضوع أن الله هو المُجازي، وهو فاحص القلوب والكلي، وهو الذي قال من منكم بلا خطية فليرمها بحجر أولاً.
كثيرين يظهرون أمام الآخرين وهم في ثياب الحملان متسترين خلف مظلات في الغالب دينية
ولكنهم قد يكونون سبب عثرة للآخرين بتفكيرهم ومعتقداتهم، والكتاب يقول "ويل لمن تأتي بسببه العثرات" وقد يسيئون لسمعة ناس أبرياء فقط لأن تفكيرهم غلط ، وربما لأن في حياتهم أشياء غلط ولذا يرون الآخرين من وجهة نظرهم أنهم غلط!
مثلاً لو واحدة ماشية غلط، تقول لك ما أصدقش إن فيه واحده ما عملتش ولا ما عرفتش!
ياتري إيه رأيكم في اللي بيفجروا أنفسهم في سبيل الله؟ هؤلاء يذهبون إلي مثواهم الأخير أيضاً، ولكن علي صوت المفرقعات وصراخ وعويل المجروحين والمكلومين، الأشرار موتهم دمار وخراب وحزن ونكد وربكة لنا، بالرغم من أن حياتهم الشخصية قد تبدو للبعض أنها سلوكياً ودينياً مقبولة.
نحن لا يهمنا إيمانك أو عدمه، لا يهمنا إذا كنت ستذهب السماء أو جهنم، إللي يهمنا سواء في حياتك أو مماتك هل أنت فرحتنا ورقصتنا علي الدبكة ولا كدرتنا وربكت حياتنا!