من الواضح أن مصر – سواء على مستوى رئيس الجمهورية أو على مستوى السلطة التنفيذية ممثلة فى مجلس الوزراء أو على مستوى رجال الأعمال الجادين– تتطلع إلى مرحلة جديدة تتعلق بالاستثمار فى مصر، بحيث تصبح مصر، على حد تعبير رئيس الجمهورية «جنة الاستثمار والمستثمرين».
ويجرى الإعداد لعقد مؤتمر موسع للمستثمرين من كل أنحاء العالم فى مارس المقبل، وقد جرى الأسبوع الماضى عقد مؤتمر رجال الأعمال العرب الذى حضره قرابة ألف مستثمر عربى من رجال الأعمال العرب الجادين سواء من المملكة العربية السعودية أو من الإمارات أو من الكويت أو غيرها من البلاد العربية، وإذا كان هذا المؤتمر هو المؤتمر السادس عشر لرجال الأعمال العرب فقد آن الأوان، كما قال رئيس الجمهورية فى كلمته، أن ننتقل من مرحلة الكلام التى طالت أكثر مما ينبغى إلى مرحلة التنفيذ الجاد الذى يعود بالفائدة على شعب مصر وعلى شعوب الأمة العربية كلها. ومن الواضح فى الكلمات والتصريحات التى ألقيت فى المؤتمر أو حوله أن البعد العربى واضح تماماً.
دعونا نقرأ فى كلمة رئيس الجمهورية عبارة لابد أن نتجاوز العلاقات الثنائية وأن نبدأ فوراً فى العمل العربى المشترك لكى ندخل الأسواق العالمية بما يحقق مصلحة الأمة العربية.
والحقيقة أن فتح أبواب مصر للاستثمار العربى والأجنبى يقتضى أن تتخذ مصر من الإجراءات والتشريعات ما يعد جاذباً للاستثمار والمستثمرين.
كذلك فإن الاستثمارات الوافدة ستعود بالفائدة والنفع على كل جوانب الحياة فى مصر.
فما هى الإجراءات الجاذبة من ناحية؟
وما هى الفوائد المنتظر أن تعود على مصر من ناحية أخرى؟
هذان هما الجانبان اللذان نريد أن نعالجهما فى هذا المقال.
لعل أول العوامل الجاذبة للأموال الأجنبية للاستثمار فى بلد من البلاد أن يكون الأمن مستقراً فى ذلك البلد. ومن العبارات الشائعة فى هذا الصدد أن رأس المال جبان والجبان يريد أن يجد بلداً آمنا قبل أى شىء آخر. وأعتقد بغير مبالغة أنه رغم ما يحدث من تفجير هنا أو ما يحدث من مصادمات بين بعض المتخلفين عقلياً ورجال الأمن فإن هذه المصادمات لا تبلغ حد إخافة أو ترويع المستثمرين الأجانب، ذلك أن حقائق الأمور أصبحت واضحة لدى العالم كله، خاصة لدى من يريد أن يفهم الحقائق. هناك بعض من «عبدة الشيطان» والعياذ بالله مازالوا يثيرون هذا العبث قبل أن تتأكد نهايتهم. وهم حتما منتهون. ومن هنا فإنى أستطيع أن أقول إن الأمن مستقر فى مصر وأنه يزداد استقراراً يوماً بعد الآخر.
وبعد هذا العامل المتعلق بالاستقرار الأمنى، فإن العامل الثانى هو أن يتولى أمور الاستثمار مجموعة من العاملين المؤهلين علمياً وعملياً والذين يعرفون طبيعة المهمة الملقاة على عواتقهم، وأنها بالقطع ليست تعقيد الإجراءات القانونية وإنما – على العكس – تبسيطها. فى بعض البلاد وقد أذكر هنا بلداً عربياً – هو الإمارات – وبلدا أوروبيا هو إسبانيا يستطيع المستثمر خلال يوم واحد أن ينهى كل الإجراءات القانونية المتعلقة بقيام المشروع. لابد أن تنتهى حكاية «تعال بكرة» لأن «بكرة» لا يأتى أبدا للأسف الشديد ويضطر المستثمر الجاد أن يرحل إلى بلد آخر يرجب به ولا يسمع فيه «تعال بكرة» وإنما "أهلا وسهلا بك" ويبدأ العمل على الفور.
لابد أن نعرف ونعترف بأن الجهاز الإدارى فى مصر غالبيته ران عليه الفساد والبيروقراطية والرغبة فى عدم تحمل أى مسؤولية، وإذا كان اتخاذ قرار فى أمر من الأمور هو نوع من المسؤولية فإن الغالبية من العاملين فى الجهاز الإدارى يريدون أن يتفادوا المسؤولية بعدم اتخاذ أى قرار مهما كان خطيرا أو تافها، وأنا أعرف جيداً أنه يوجد كثيرون فى قمة الجهاز الإدارى حريصون على هذا البلد ويريدون الإنجاز. لابد أن يكون هناك ثواب ملموس لمن ينجز عمله وأن يكون هناك عقاب ملموس أيضاً لمن يؤخر عمله.
وأنا أعرف أن هناك مشروع قانون جديد لتشجيع الاستثمار وصلتنى نسخة منه ولا أدعى أننى قمت بدراسته دراسة متأنية ومع ذلك فقد توقفت عند المادة التاسعة من مشروع القانون التى تقول «لا يجوز إصدار قرارات متعلقة بتنظيم وإنشاء وتشغيل المشروعات ولا يجوز فرض رسوم أو مقابل خدمات عليها إلا بعد موافقة مجلس الوزراء».
استوقف هذا النص نظرى لأنه سيثير فى العمل كثيرا من الإرباك وكثيرا من الإجراءات التى يتطلبها العرض على مجلس الوزراء. لماذا لا نعطى هيئة الاستثمار الحق فى إصدار القرارات المتعلقة بإنشاء وتشغيل المشروعات ويقتصر اختصاص مجلس الوزراء على فرض الرسوم أو مقابل الخدمات. بل إن مقابل الخدمات – وهى غير الرسوم – يمكن أن يعهد به أيضاً إلى هيئة الاستثمار. هذه أمور يمكن تداركها.
ومع كل ما قدمت فإن الواضح أن الدولة ممثلة فى رئيسها وفى مجلس وزرائها تبذل جهدا واضحا لجذب الاستثمارات الأجنبية سواء من البلاد العربية أو من البلاد الأوروبية التى قام رئيس الجمهورية بزيارتها أخيرا – إيطاليا وفرنسا – وقد أبدى المسؤولون ورجال الأعمال فى هذين البلدين رغبتهما فى الاستثمار فى مصر.
إن فرص الاستثمار فى مصر واسعة بغير حدود وإذا أردت أن أضرب مثلا على هذه الفرص يكفى أن أذكر نشاطا واحدا وهو النشاط السياحى.
إن النشاط السياحى فى مصر يمكن أن يأخذ صوراً عديدة فى السياحة التاريخية – السياحة الدينية – السياحة الرياضية، إلى غير ذلك من صور النشاط السياحى الذى لا تستطيع دولة من الدول أن تتفوق على مصر فيه إذا يسرت الإجراءات القانونية.
إحساسى أن مصر مقبلة على مرحلة جديدة فى تاريخها. مرحلة تبشر بالأمل.
والله المستعان.
نقلا عن المصرى اليوم