قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(515)
بقلم يوسف سيدهم
ينص الدستور علي أن للمسيحيين الاحتكام إلي شرائعهم الخاصة في اختيار قياداتهم الروحية…وشئونهم الدينية وأحوالهم الشخصية…والثابت أن الخطوات اللازمة لتفعيل تلك النصوص الدستورية ماضية في التطبيق,فلائحة انتخاب البابا تم تحديثها,ومشروع قانون بناء الكنائس في طريقه إلي الظهور,وها هي بين أيدينا لائحة قانون الأحوال الشخصية بعد أن راجعت وزارة العدالة الانتقالية المسودة الخاصة بها والتي شاركت الكنائس الثلاث الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية في دراستها وصياغتها كما أعادت إرسالها الأسبوع الماضي إلي العدالة الانتقالية حاملة الملاحظات النهائية عليها…وذلك كله تمهيدا لإعداد الصيغة النهائية لمشروع القانون توطئة لإصداره وبدء العمل به,سواء تم ذلك بقرار جمهوري أو انتظر انعقاد البرلمان لإصداره كتشريع حاكم للائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين.
ولعل لائحة الأحوال الشخصية لها أهمية خاصة بعد أن طال انتظار تحديثها لوضع نهاية للكثير من الأمور والقضايا المعلقة التي أربكت حياة عدد غير قليل من الأسر المسيحية,علاوة علي وضع نهاية للفجوة التشريعية التي تفصل بين سلطة القضاء والكنيسة…فالمعروف أن الأداة الموجودة في حوزة السلطة القضائية للاحتكام إليها عند الفصل في الأمور المتصلة بالأحوال الشخصية للمسيحيين هي ما اصطلح علي تسميتها لائحة1938 وهي في ذات الوقت الأداة التي تعترض عليها الكنيسة وتري أنها لا تمثل في بعض بنودها الإيمان المسيحي القويم,
وهو الوضع الذي أدي خلال العقود الأربعة الماضية إلي تراكم كثير من المشاكل ووضع الكنيسة في موقف لايرضاه لها أحد عندما كانت تعترض علي تنفيذ أحكام القضاء التي تفرزها لائحة1938…والحقيقة أن الكنيسة لم تكن مخطئة في ذلك لأنها علي مدي العقود الأربعة المنصرمة -منذ ستينيات القرن الماضي- دأبت علي إرسال مشروع تحديث وتعديل لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين إلي الحكومة-ممثلة في وزارة العدل-لتتولي عرضها علي مجلس الشعب لإقرارها وإصدارها كقانون حاكم للأحوال الشخصية للمسيحيين بدلا من لائحة1938,لكن لم تتوفر حتي يومنا هذا لدي جميع الحكومات السابقة الإرادة السياسية لحسم ذلك الأمر وتركت المشاكل تتراكم وتستفحل حتي جاءت الصياغة الأخيرة للدستور تعترف بحق المسيحيين في تشريعاتهم الخاصة وقامت وزارة العدالة الانتقالية بوضع ذلك في حيز التفعيل,إيذانا ببدء عهد جديد من الإصلاح التشريعي والحقوقي يكفله الدستور.
القراءة في مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين تدعو للارتياح فهو يتسم بالوضوح وبوضع جميع الضوابط التي تحكم تكوين الأسرة المسيحية ورعايتها والحفاظ علي كيانها من الارتباك أوالانهيار بدءا من مرحلة الخطبة وما تنطوي عليه من أركان وشروط الزواج وموانعه وإجراءات عقده وكافة حقوق وواجبات الزوجين وموانع الزواج…هذا بالإضافة إلي حزمة التشريعات الخاصة بالأبناء مثل السلطة الأبوية والحضانة وثبوت النسب والإقرار به وتصحيحه…ثم يمضي القانون نحو تحديد كيفية انحلال الزواج وكيفية التفريق بين الزوجين-ولعل ذلك من أكثر الأبواب دقة وحساسية بسبب ما كان يكتنفه من لغط في اللائحة السابقة-والآن أصبحت الحدود الحاكمة لإنهاء العلاقة الزوجية سواء بحل الزواج أو بالتفريق بين الزوجين واضحة لا لبس فيها ويبقي أن تتحول إلي أداة تشريعية يعمل بها القضاء حتي ينصاع الجميع لأحكامه.
أما الجانب الذي فجر عناوين إعلامية صارخة خلال الأسبوعين الماضيين سواء عن سوء فهم أو عن تربص فهو الباب الخاص بالزواج المدني غير الكنسي,حيث انطلقت العناوين تعلن عن قبول الكنيسة للزواج المدني…وهذا أدي إلي بلبلة ولغط كثيرين, وتساءل الكافة عن حقيقة ذلك في ظل الإيقان باستحالة موافقة الكنيسة -أو المؤسسة الدينية عموما-علي زواج يتم خارج إطار الإيمان وحدوده وضوابطه وطقوسه….وهذا ما دعاني لقراءة فاحصة متأنية للباب الخاص بالزواج المدني في مشروع القانون وهذه مقاطع أجتزؤها منه لإيضاح الهدف من هذا الباب وهو تحديد العلاقة بين الكنيسة والمتزوجين مدنيا وليس إقرار مبدأ الزواج المدني بجانب الزواج الكنسي أو بديلا عنه علي الإطلاق:
00لايتم الزواج الديني المسيحي الصحيح ولا ينحل إلا وفقا للقواعد والأحكام والشروط والضوابط المنصوص عليها في هذا القانون للزواج الديني المسيحي الصحيح وانحلاله,ولايجوز لأي من الزوجين المسيحيين اللذين تم زواجهما زواجا دينيا صحيحا أن يتزوج أي منهما زواجا مدنيا غير كنسي دون انحلالا علاقته الزوجية القائمة انحلال دينيا طبقا لنصوص هذا القانون.
00يجوز أن يتزوج المسيحي من مسيحية زواجا مدنيا غير كنسي وفقا لقواعد وشروط وضوابط الزواج المدني,ولا إلزام علي الكنائس المسيحية في مصر بالاعتراف بالزواج المدني ولا بإجراء مراسم زواج ديني مسيحي صحيح علي ذلك الزواج المدني.
00لاينعقد الزواج المدني غير الكنسي للمسيحيين في مصر إلا بين رجل واحد وامرأة واحدة كاملي الأهلية وبرضائهما الصحيح أمام الموثق المختص بمصلحة الشهر العقاري والتوثيق.
00تسري علي الزواج المدني موانع الزواج المنصوص عليها في هذا القانون وتطبق عليه الأحكام المتعلقة بحقوق الزوجين وواجباتهما ولا يجوز مخالفتها كما تطبق عليه كافة أحكام النفقة والحضانة والنسب…إلي آخر تلك الأحكام الواردة في القانون,كما ينحل الزواج المدني وينتهي عقده بناء علي توفر ذات الحالات الواردة في القانون لانحلال الزواج…وأتصور أن الهدف من وراء تعرض القانون لكافة ضوابط وحدود الزواج المدني ليس لمباركة الكنيسة لذلك الزواج,إنما لتوفير المعايير التي تتوافق مع الزواج الكنسي حتي يتاح للمتزوجين مدنيا التقدم للكنيسة لاحقا لتوفيق زواجهما كنسيا وطقسيا.
وداعا…ملاك كنيسة أسيوط
رحل عن عالمنا الأحد الماضي بعد حياة حافلة بالمحبة والرعاية والقداسة ملاك كنيسة أسيوط نيافة أنبا ميخائيل الملقب بشيخ المطارنة…رحل وسط انقسام محبيه إلي فريقين:فريق يحبه ويتعلق به ولايتصور مغادرته عالمنا الأرضي ولا غيابه عن كنيسته وشعبه,وفريق آخر يحبه ويتعلق به ويصلي إلي الآب السماوي ليعينه في أيامه الأخيرة وهو علي فراش المرض…
كلا الفريقين الآن يشعران بعمق الخسارة علي رحيل هذه القامة العظيمة ويعتقدان بركته ورعايته المتفانية لكنيسة أسيوط وشعبها علي مدي 68عاما (1946-2014) لكن فداحة خسارة الكنيسة لأنبا ميخائيل ليست مقصورة علي إيبارشية أسيوط وكنيستها وشعبها,إنما تمتد إلي ملايين القلوب التي عايشت هذا القديس ولمست بركته…وأنا واحد منها…جمعتني بنيافته علاقة حميمة تفيض بمشاعر الحب والتقدير علي المستوي الشخصي وفي إطار موقعي في أسرةوطني…علاقة بقيت في القلب ولم يشأ نيافته أن أوضح عن تفاصيلها والتزمت أنا بذلك طوال الأعوام الخمسة عشر الماضية,والآن أشعر أن الوقت حان لأفي هذا الأب الطوباوي حقه…ولهذه القصة حديث قادم بإذن الله.
نقلا عن وطنى