الأقباط متحدون - مصر والسيسى وأمن جنوب المتوسط
أخر تحديث ٢٢:٢٥ | السبت ٢٩ نوفمبر ٢٠١٤ | ٢٠هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٠٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مصر والسيسى وأمن جنوب المتوسط

د. سعد الدين إبراهيم
د. سعد الدين إبراهيم

أعادت الزيارة الموفقة التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى (٢٥-٢٨/٢٠١٤) لكل من إيطاليا وفرنسا، وقبلها بعدة أيام استقباله لرئيسى اليونان وقُبرص، بؤرة الضوء للبحر الأبيض المتوسط، كأحد المجالات الحيوية الأربعة التى يرتبط بها الأمن القومى المصرى. وهى على التوالى: المجال العربى، والمجال الأفريقى، والمجال الإسلامى، والمجال المتوسطى.

وكان الجُغرافى الموهوب الراحل جمال حمدان قد أشار إلى هذه المجالات، فى كتابه الرائع «مصر: دراسة فى عبقرية المكان». كما كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فى كتابه «فلسفة الثورة»، قد أشار إلى المجالات الثلاثة الأولى منها، العربى، والإسلامى، والأفريقى. فمصر دولة محورية فى كل من هذه الدوائر.

ورغم أن الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يكتب أو ينشر ما يُفيد رؤيته الاستراتيجية العامة أو فلسفته فى أصول الحُكم، إلا أن خطواته، منذ توليه مقاليد الأمور، فى مصر المحروسة، تُشير إلى أنه يتحرك تحركاً نشطاً فى هذه الدوائر أو المجالات الأربعة، وهو شىء محمود. كما أنه يؤكد الاستمرارية فى سياسة مصر الخارجية عبر قرن من آخر الزمان.

والشاهد إلى تاريخه، أن معظم بُلدان هذه الدوائر الأربع تُرحب وتحتفى بمصر ورئيسها، وتتطلع إلى التعاون معهما فى شتى المجالات. وربما كان الاستثناء الوحيد من بُلدان هذه الدوائر الأربع التى تُناوئ أو تتحفظ، فى الوقت الحاضر على نهج الأخريات، هى تركيا، تحت قيادة رئيس وزرائها طيب أردوغان، الذى يتزعم حزب العدالة والتنمية. وكان الرجل وحزبه هما الأقرب إلى جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، وإلى حركة حماس فى فلسطين. لذلك كان السقوط المدوى لجماعة الإخوان، بعد الرفض الشعبى لها فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ما اعتبره كل من أردوغان التركى وخالد مشعل الفلسطينى الحمساوى، نذير شؤم عليهما. إذ يبدو أن ذلك قد أفسد عليهما حلم بعث الخِلافة الإسلامية، التى سقطت فى استانبول فى أوائل عشرينيات القرن الماضى.

هذا، ولا يخفى أن الدائرة المتوسطية كانت ترتبط فى تاريخ مصر الحديث، ومنذ محمد على باشا الكبير، بكل مشروعات الحداثة والنهضة. فإلى بُلدان المتوسط أرسل محمد على البعثات الدراسية التى عادت وشيّدت كل المؤسسات الحديثة، ومنها القاهرة الجديدة، بجوار القاهرة الفاطمية. وضمن ذلك دار الأوبرا، والتى ألف لها وأدار منها فردى الإيطالى أوبرا عايدة، التى حكت بعذوبة ورقة قصة الأميرة الإثيوبية، التى أحبها الأمير المصرى. وهكذا جمع هذا العمل الفنى الكبير بين الدوائر الثلاث، الأفريقية والعربية، والمتوسطية، (مُمثلة فى الإيطالى فردى).

المهم لموضوعنا أن أهمية أمن مصر المتوسطية، قد تأكدت أيضاً، بعد العدوان على إحدى وحدات البحرية المصرية، قبالة مدينة دمياط، وهى التى لم تتعرض لمثل هذا العمل العدوانى من الشمال، ربما منذ الحروب الصليبية، قبل ألف سنة!

ويرتبط بنفس موضوع أمن مصر والبحر المتوسط وإيطاليا، اعتباران مُستجدان، أحدهما يخص جارتنا الغربية، ليبيا، والثانى يخص الشقيقة تونس.

فليبيا كانت إلى أربعينيات القرن الماضى مُستعمرة إيطالية. ورغم استقلالها فى خمسينيات نفس القرن، إلا أنها ظلت بها جالية إيطالية كبيرة. كما أن آلاف الليبيين، اشتروا عقارات فى إيطاليا، ويُقيمون فيها بشكل دائم، أو خلال عطلاتهم السنوية. وكانت ليبيا إحدى بُلدان ثورات الربيع العربى ـ مثل تونس ومصر. وقد ساعدت إيطاليا، مثلها مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة انتفاضة الشعب الليبى ضد مُستبدها المُخضرم، مُعمر القذافى. ولإيطاليا مصلحة فى نجاح تجربة التحول الديمقراطى فى ليبيا، والتحوط ضد اختطاف ليبيا بواسطة المُتشددين الإسلاميين.

وينطبق نفس الشىء على تونس، التى تُعتبر بحق سندريلا ثورات الربيع العربى، حيث كانت هى الأولى فى تفجير تلك الثورات. وكانت هى الأولى فى إنجاز دستور ديمقراطى توافقى، وكانت هى الأولى فى إنجاز التحول الديمقراطى، مع انتخاب الباهى السبسى رئيساً للجمهورية مؤخراً، ومع انتخابات نيابية، شهد العالم بنزاهتها، وتقبّل كل الفُرقاء المُتنافسين نتائجها بروح رياضية، بما فيهم حزب النهضة الإسلامى، الذى كان يحكم تونس خلال السنوات الأربع التى أعقبت ثورتها، أى منذ أواخر ٢٠١٠. وهنا أيضاً كانت كل من إيطاليا وفرنسا تراقب المشهد عن كثب. إيطاليا لأنها الأقرب جُغرافياً لتونس، وهناك تداخل بشرى وتجارى وسياحى بينهما.

أما فرنسا، فهى الدولة التى استعمرت تونس لما يقرب من مائة عام، وقامت كالعادة بفرنسة لُغة الحديث اليومى وأسلوب الحياة لمعظم أبناء الشعب التونسى. ومع هذه الفرنسة، أصبحت تونس قبلة السياحة الأولى للفرنسيين. وهنا أيضاً، تابعت فرنسا تجربة التحول الديمقراطى بحرص شديد. واعتبرت نجاح التجربة نجاحاً للنموذج الفرنسى فى الثقافة والسياسة.

ورغم عدم اليقين بما دار فى كواليس المُحادثات بين الرئيس السيسى وفرانسوا هولاند فى قصر الإليزيه، إلا أنه لا بد أنه قد تطرق إلى الأمن الاستراتيجى وكذا احتياجات التحول الديمقراطى والتنمية الاقتصادية فى بُلدان جنوب المتوسط. فلا يخفى أن أعداداً مُتزايدة من أبناء هذه الأخيرة، يُحاولون الهجرة يومياً إلى كل من فرنسا وإيطاليا، سواء بطريقة شرعية أو بطريقة غير شرعية. وأن مئات منهم يدخلون بُلدان شمال المتوسط ـ إيطاليا وفرنسا وإسبانيا ـ بطُرق غير شرعية، ويمتهنون أعمالاً فى أدنى السلم الاجتماعى. وأسوأ من ذلك قد تضطرهم الحاجة إلى الانخراط فى أنشطة مُنافية للقانون أو تُجنّدهم عصابات المافيا والجبرية المُنظمة.

لذلك فمن المأمول أن تتابع اللجان المُشتركة (المصرية ـ الإيطاليةـ الفرنسية) هذه الملفات، واقتراح السياسات الكفيلة بالتعامل معها تعاملاً رشيداً لخير مصر وشقيقاتها المتوسطات.

وعلى الله قصد السبيل.
نقلا عن المصرى اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع