خلف باب هذا المبنى الرمادي في اسطنبول، يكمن الامل. فاللاجئون من العراق يهرعون يوميا الى مقر الطائفة الكلدانية الصغيرة في تركيا التي يزورها البابا فرنسيس هذا الاسبوع، بحثا عن مساعدة تمكنهم من سلوك طريق المنفى وبدء حياة جديدة.
اسطبنول: ينتظرون بالعشرات، حتى في الممرات. هم رجال ونساء معظمهم من المسيحيين الذين اضطرتهم الحرب والاضطرابات الامنية الى مغادرة الموصل او بغداد، الى شوارع اكبر مدينة تركية، على دروب طويلة جدا محفوفة بالمخاطر والمشقات.
تقول حنة، وهي أم لخمسة اطفال (تم تغيير اسماء اللاجئين حفاظا على خصوصيتهم) "بقيت خمس سنوات في سوريا، وأتيت الى تركيا قبل شهر". وتضيف "جئت على أمل أن ألتقي الاب فرنسوا حتى يساعدني على الذهاب الى استراليا حتى تتمكن بناتي من انهاء دراستهن".
فرنسوا يكن هو كاهن الطائفة الكلدانية. ومنذ اسس جمعيته للمساعدة الثقافية والاجتماعية ( قا-در باللغة التركية)، يعكف شخصيا على الاهتمام بوضع كل لاجىء على حدة.
فهو يعنى بكل شيء، من طلبات التسجيل لدى المفوضية العليا للامم المتحدة للاجئين، الى دفع الفواتير المتأخرة، وتأمين السكن للواصلين الجدد، او بكل بساطة توفير المساعدة الغذائية العاجلة.
واكد هذا الكاهن بلغة فرنسية متقنة ان "وضع اللاجئين لا يحتمل". وكرر القول ان "طلباتهم للهجرة تستغرق سنوات لأن البلدان التي تستقبلهم قليلة، وبسبب وجود طلبات كثيرة مقدمة هنا في تركيا".
واضاف ان "عائلاتهم الموجودة في الخارج تساعدهم عموما، لكن لا يحق لهم ان يعملوا وكذلك لا يحصلون على الرعاية الاجتماعية. لذلك فهم يواجهون صعوبات جمة".
ويجلس امامه زوجان من الموصل، هما فاهر واسماء. ويبرز الزوج الذي اجريت له اربع عمليات في القلب، فواتير مستشفى في اسطنبول هو غير قادر على تسديدها، اما الزوجة فتذرف دموعا ساخنة.
وقالت اسماء "نحن مشردون منذ 2008، ذهبنا في البداية الى لبنان، والان نحن هنا، وبتنا لا نعرف الى اين نذهب. ما باليد حيلة".
يرفع الاب يكن مرة ثانية سماعة هاتفه لطلب المساعدة من منظمة تركية شريكة. وقال "سنتفاوض على خفض الفاتورة، وهم يجب ان يساعدوهم. والمشكلة هي اننا لا نستطيع مساعدة كل من يحتاج الى المساعدة".
وبالمقارنة مع ميزانية كبرى المنظمات غير الحكومية للمساعدة الانسانية، تبدو ميزانيته هزيلة، وتناهز 150 الف يورو سنويا ولا تتعدى هذا المبلغ، وهي مخصصة حصرا للمساعدات الطارئة. ويلبي الامور الاخرى مما يؤمنه سخاء الطائفة المسيحية في اسطنبول والهبات التي تقدمها المنظمة الخيرية الأخرى.
وهذا ينطبق على كاريتاس لوكسمبورغ ومكتب المساعدة الانسانية للمفوضية الاوروبية (ايكو)، من اجل مشروع يتيح لجمعية المساعدة الثقافية والاجتماعية (قا-در) تأمين المواد الغذائية لأكثر من 800 الف سوري سنويا على الاراضي السورية نفسها.
وقال الاب فرنسوا يكن وهو يبتسم "كما لو ان مساعدة العراقيين لم تكن تكفي، وها نحن نساعد السوريين الان".
وحتى لو ان ما يقوم به ينطوي على معاناة شاقة، يعرب هذا الكاهن عن ارتياحه الشديد للنتائج التي يحققها. فقد قدمت مؤسسته خلال عشر سنوات، المساعدة الى 55 الف لاجىء وجدوا بعد ذلك بلدا يستقبلهم.
ويعتبر هذا النجاح باهرا اذا ما قيس بحجم الطائفة الكلدانية في تركيا، التي يتباهى الاب فرنسوا بالقول انها "الكنيسة الكاثوليكية الاولى" في التاريخ، ولا يبلغ عدد رعايها سوى 816 فردا في كل انحاء البلاد.
واضاف هذا الكاهن "عندما انظر الى ما نقوم به، اقول بسعادة اننا تجرأنا ... على انشاء جمعية لانقاذ هذه الاعداد الكبيرة (...) دورنا يقضي بحماية جميع مسيحيي الشرق الذين يتعرضون للاضطهاد بسبب ايمانهم".
وفيما ازداد التهديد الذي يواجهونه مع هجوم مقالتي تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، يأمل الاب فرنسوا في ان تحقق زيارة البابا نتائج بالغة الاهمية.
وقال ان "وصوله الى تركيا بادرة جيدة بالنسبة للسلام في الشرق الاوسط". واضاف "انها اشارة امل لمسيحيي الشرق الاوسط ولاسيما الذين يسلكون طرق المنفى ولالاف اللاجئين في تركيا".