بقلم: مينا نبيل فرنسيس
لا خير في مستقبل أمة يتعرض أطفالها لأقسى وأصعب أنواع التسطيح الفكري والتفريغ الثقافي لهويتهم وإحساسهم بالقيمة، فأطفالنا يُفترض أنهم حدائق الإبداع التي مستقبلاً ستخرج لهذه البلاد أثمارًا مكتملة النضوج، علينا ألا نتجاهل ذكاء هؤلاء البراعم، علينا أن نعي جيدًا أنهم وهم في سن مبكرة يعون كل ما يحدث حولهم، علينا أن نعي أننا دون أن ندري نقتلع جذور الانتماء من أرضهم الخصبة المفعمة بالأمل والأماني النقية غير الملوثة..
فكيف سيحب الطفل بلده ويشعر أنه جزء من هذا الكيان وأن هذا الكيان جزء منه، وكل ما حوله سواءً أحداث أو ظروف أو أجواء أو إعلام، يجلد ويحطم ويقطع في أوصال هذا الجسد الذي يُفترض أن يشعر طفل اليوم ورجل الغد أنه جسده، وغالبًا ما يتكون معظم البنيان النفسي للطفل وملامح شخصيته في السنوات الخمس الأولى من عمره..
وحتى يُصبح الطفل صبيًا وفتى، وهو لا يسمع من ذويه سوى العبارات السلبية التي تخترق وجدان هذا البلد كرصاص مصوب من أحدث الأسلحة الفتاكة، فتارة يسمع "هو دا الشعب المصري"، وتارة يسمع "البلد دي عمرها ما ها تتغيير"، ويسمع "مفيش أمل ف البلد دي"، "الفساد ف كل حتة"، "أنا مالييش عيش ف البلد دي"، ناهيك عن كل ما يراه من سخط وضيق وضجر من الكبار الذين يمثلون مصدر استقائه لشخصيته وثقافته، فها مدرسه ساخط على كل شيء، وها أبواه يطلقان سيلاً من كلمات الخوف على مستقبل أبنائهم في بلد لا يشعرون بالأمان به..
والطامة الكبرى في الإعلام الذي له تأثير لا يتخيله أحد على مخيلة الطفل، فها الإعلام لا شغل له أو شاغل سواء عن طريق البرامج أو المسلسلات أو الأفلام إلا في سرد حالة الضياع والتردي التي وصلت إليها أحوال بلدنا العزيز، وهذا بالطبع إنما يُحفر في أبعد نقطة في نفسية وعقل الطفل الباطن..
إن ما دفعني لطرح تلك القضية خبر قرأته مؤخرًا عن إحصائية أصابت الرئيس المصري محمد حسني مبارك بالاستياء والغضب الشديد، عن أن 80% من الشباب المصري يريدون الهجرة والحياة خارج مصر!!
أنا لا أدعو لدفن رؤوسنا في الرمال وإنما أوجه دعوتي للمجمتع المصري كله وخاصة الإعلام والمؤسسات والأشخاص الذين يتعاملون مع أطفالنا وبراعمنا، أن يعوا جيدًا أن لهم تأثيرًا عظيمًا وبعيد المدى على تشكيل ورسم مستقبل هذه الأمة فتأثيرهم السلبي على أطفالنا قد يكون أشد فتكًا من المخدرات، وقد يكون ذا تأثير مقدس يحفر بداخلهم محبة واعتزازًا بهذا الوطن..
فكما أن هناك سلبيات، هناك إيجابيات، وهناك أمل، وهناك ناجحون، وهناك مضحون من أجل بلدهم، وهناك متحدون لأعتى وأصلد الظروف، وما علينا سوى تغيير لهجتنا وخطابنا الموجه لأطفالنا وإبراز القيم الإيجايبة التي تشعرهم أن هذا بلدهم، لأن أطفالنا هم ثروة بل وبحسب الإحصائيات فهم أذكى أطفال العالم، فيا هنا مصرنا بهم إن أعددناهم ليكونوا عصبها وعمادها، وياشقانا إن أعددناهم ليشعروا أن تلك ليست بلدهم وأنهم ليسوا أبناءها..