الأقباط متحدون - وقت المصالحة مع العالم
أخر تحديث ٠٥:١٠ | الاثنين ٢٤ نوفمبر ٢٠١٤ | ١٥هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٣٩٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

وقت المصالحة مع العالم


أخطر ما أزعج العالم الخارجى فى فترة حُكم الإخوان هو انفلات الأمور فى مصر، وصولاً إلى نقطة الانهيار الكامل. إنه سيناريو مُفزع، ليس للمصريين فحسب، ولا حتى لجيرانهم، وإنما للعالم بأسره. لا مبالغة فى هذا. مصر- على ضعفها البادى- تظل واسطة العقد فى شبكة التوازن الدقيق فى المنطقة. ضعف مصر- إلى حد التفكك والفوضى- مُزعج ومُربكٌ للجميع، تماماً كقوتها الزائدة.

الخلاص من الحُكم الإخوانى جعل الكثيرين يتنفسون الصُعداء. أصدقاؤنا فى الخليج شعروا كأن كابوساً ثقيلاً انزاح من على صدورهم. بالنسبة لهم، كانت المسألة- بالفعل- مسألة حياة أو موت. استمرار الحُكم الإخوانى كان سيضع هذه الدول بين مطرقة إيرانية وسندان إخوانى. ليس صعباً أن نتخيل السيناريوهات المحتملة لوضع مثل هذا. الخليج كان سيقفُ وحيداً تقريباً فى مواجهة قوى لا قبل له بها.

غير أن العالم لم ينظر إلى الأمر بالطريقة ذاتها. هاجس رئيسى سيطر على دول رئيسية فى العالم: أن تكون إزاحة الإخوان هى لحظة اندلاع الحرب الأهلية فى مصر. مرة ثانية، سيناريوهات الفوضى والانفلات، وصولاً إلى الانهيار، سيطرت على صناع القرار فى الغرب. مهمٌ أن نتفهم هذا، لأن الوضع كان- بالفعل- دقيقاً جداً. كان مفتوحاً على كافة الاحتمالات. الكثير من المصريين وضع يده على قلبه متوقعاً الأسوأ، فما بالك بالغريب البعيد؟ كان صعباً على العالم أن يتصور ما ستؤول إليه الأمور فى مصر بعد الإطاحة بمحمد مرسى.

الأسوأ لم يحدث. ما نمر به الآن- من عنف وإرهاب- هو أقل بكثير مما تحسبنا له، وتوقعناه. بصورة أو بأخرى، مصر لملمت شتاتها، وتراجعت قبل خطوات من الهاوية. جسدها ليس صحيحاً معافى، ولكن عللها تتنوع بين الضغط والسكرى وأمراض القلب المُزمنة. عللٌ خطيرة لا ريب، ولكن يُمكن التعايش معها. بل طالما تعايشت مصر معها. الجسد عليلٌ هزيل، ولكن المريض صُرف من غرفة العناية ليكمل تعافيه فى المنزل. الحمد لله فى كل حال.

العالم أيضاً يُعيد حساباته. ما يجرى فى مصر ليس مثالياً، ولكنه نقطة معقولة يُمكن البناء عليها. أزعم أن الموقف الدولى وصل إلى هذا الفهم مؤخراً. تحتاج مصر إلى دعم العالم فى هذه المرحلة، كما لم تحتاجه فى أى وقت سابق. نحن نتعافى بصعوبة وبطء، ووسط مناخ من المخاطر والتهديدات.

الرئيس السيسى يزور إيطاليا اليوم. هذا الجارُ المتوسطى هو شريكنا التجارى الثالث، بعد الولايات المتحدة والصين. إيطاليا هى شريكنا التجارى الأول فى الاتحاد الأوروبى. قيمة التجارة المتبادلة معها تصل إلى ٥.٨ بليون دولار. إنها صديق مهم، فى وقت تشتد فيه حاجتنا للأصدقاء. الاستثمارات الإيطالية فى مصر تُعانى كما تُعانى غيرها من الاستثمارات الأجنبية. هناك متأخرات للشركات العاملة فى مجال الطاقة مثل «إينى». هناك دعاوى مُضادة لخصخصة بنك الإسكندرية الذى استحوذ عليه بنك «انتيزا سان باولو» الإيطالى. المعالجة الجادة والحاسمة لهذه المشكلات تُمثل المسافة التى تفصل بيننا وبين أن نكون بحق بلداً جاذباً للاستثمار.

إيطاليا راقبت تطور الأوضاع فى مصر بقلق منذ ٢٠١٣. اليوم، تتطلع إلى منطقة بالغة الاضطراب، فترى مصر فى القلب منها كجزيرة من الاستقرار النسبى. رذاذٌ من هذا الاضطراب أصاب جيراننا فى المتوسط. تدفق المهاجرون انطلاقاً من ليبيا إلى السواحل الإيطالية. تجاوز عدد هؤلاء هذا العام ١١٨ ألفاً، وهو ثلاثة أضعاف العدد فى العام الماضى. الظاهرة مزعجة للغاية للإيطاليين، وهى ترتبط بصورة وثيقة بتدهور الأوضاع فى ليبيا. إيطاليا تحتاج لنا كشريك رئيسى فى أمن المتوسط. نحن أيضاً فى حاجة إلى دعمها لنا.

إيطاليا هى مجرد مثال لما يجب أن تكون عليه علاقة مصر بعالمها. سعود الفيصل قال فى سبتمبر الماضى إن «لكل بداية نهاية، ولا نستطيع أن نموِّل مصر إلى الأبد». صدق الرجل. الدعم الخليجى- السياسى والاقتصادى- كان حاسماً فى مرحلة مُعينة. هذا الدعم كان شبكة الأمان التى تلقفت مصر، وحالت بينها وبين السقوط. اليوم، ليس أمامنا من بديل سوى البحث عن أصدقاء إضافيين، باتساع العالم. علينا أن نفتش عن مصالح مشتركة تجمعنا بالآخرين، فى الاقتصاد والسياسة والأمن. علينا أن نُعيد نسج شبكة أمان عالمية داعمة للاستقرار فى مصر.

لا يمكن أن تعبر مصر مأزقها مع حالة سائدة من البارانويا فى مواجهة العالم الخارجى. الخطاب الإعلامى رسخ معنى المؤامرة الكونية التى تُحاك ضدنا بصورة أصبحت مرضية. آن الأوان أن يوضع حدٌ لهذه الحالة. فى العالم أصدقاءٌ كُثر نحتاج إلى دعمهم للخروج من مأزقنا.

نقلا عن المصرى اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع