بقلم د. محمد كمال | الاثنين ٢٤ نوفمبر ٢٠١٤ -
٠٦:
١٠ ص +02:00 EET
حسنى مبارك
من المتوقع أن يصدر الحكم على الرئيس السابق حسنى مبارك فى قضية قتل المتظاهرين خلال أيام قليلة. البعض أصدر بالفعل حكمه الشخصى على مبارك دون انتظار قرار المحكمة، والبعض سوف يسعى لتعميم حكم المحكمة فى هذه القضية على فترة مبارك بأكملها، ويعتبره عنوان الحقيقة لتلك المرحلة.
معظمنا يتجاهل أن هناك حكماً آخر سيصدر على مبارك؛ وهو حكم التاريخ. التاريخ لا يُكتب بالانطباعات، ولا يستند على الأقوال المرسلة، التاريخ سيعتمد على الوقائع والمستندات وعلى الحقائق والأرقام.
تاريخ مبارك لا يجب اختزاله فى حكم المحكمة، سواء البراءة أو الإدانة، ويجب النظر إليه فى مجمله بإنجازاته وإخفاقاته مثل من سبقه من الرؤساء.
مبارك الذى اتهم باستباحة المال العام فى قضية القصور الرئاسية هو مبارك الذى بذل جهداً خارقاً أدى لخفض ديون مصر الخارجية إلى النصف، وزاد فى عهده الاحتياطى النقدى من العملة الأجنبية ليصل إلى ٣٥ مليار دولار.
مبارك الذى ارتفعت فى عهده نسبة من يعيشون تحت خط الفقر (من ١٦% عام ٢٠٠٠ إلى ٢٥% عام ٢٠١٠) هو مبارك الذى تحسنت فى حكمه أوضاع فئات من الطبقة المتوسطة، وارتفعت قيمة ودائع المصريين بالجهاز المصرفى (بنسبة ٥٧% فى الفترة من ٢٠٠٥ إلى ٢٠٠٩).
مبارك الذى يتحدث البعض عن أن عهده شهد تراجعاً لدور مصر الدولى، هو مبارك الذى يرى آخرون أنه أعاد مصر لجامعة الدول العربية، ووقف مع دول الخليج فى محنتها أثناء الغزو العراقى للكويت، ولم تجرؤ إثيوبيا على بناء سد النهضة إلا بعد رحيله عن الحكم.
مبارك الذى قام ببناء علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة هو مبارك الذى رفض إقامة أى قواعد عسكرية أمريكية على الأراضى المصرية.
أزمة يناير التى مر بها نظام مبارك عام ٢٠١١ هى أيضاً نتاج لإنجازات وإخفاقات مبارك فى نفس الوقت. هى نتاج لنمو طبقة متوسطة، ولكن عدم القدرة على الاستجابة للتطلعات المتزايدة لهذه الطبقة هو نتاج للتمهل فى اتخاذ القرار الذى ميز أسلوب مبارك ولكن فى تلك اللحظة كان وبالاً عليه، فسبقته الأحداث وجرفته معها.. هو أيضاً نتاج للحرية غير المسبوقة للإعلام التى شهدها عهده، لكن غياب أى رؤية للتعامل مع هذه الأدوات الإعلامية سوى أنها وسيلة للتنفيس وإبعاد المشاهد المصرى عن قناة الجزيرة، فتحول الإعلام لأداة لنزع الشرعية عن نظامه.
أزمة يناير كانت أيضاً نتيجة لدخول نخب جديدة للعمل العام فى المؤسسات السياسية والاقتصادية فى السنوات الأخيرة لمبارك وليس تجريف النخب كما يشير البعض، ولكن أدى ذلك لحالة من عدم التجانس داخل النخبة الحاكمة، لم يحسمه مبارك، وساهم فى النهاية فى سقوط النظام.
بالتأكيد مبارك له إنجازات وإخفاقات أخرى لا يتسع المجال لذكرها فى هذا المقال، وقد يرى البعض أنها أكثر أهمية من تلك التى أشرت لها، ولهم الحق فى ذلك.
ولكن علينا ألا نضيع وقتنا فى الجدل حول حكم المحكمة فى قضية مبارك، مبارك الآن هو جزء من التاريخ، ولندع التاريخ يصدر حكمه عليه بهدوء وموضوعية. علينا أن نتطلع للمستقبل وأن نتذكر ما قاله مبارك نفسه أمام المحكمة، وهو أن عجلة التاريخ لا ترجع للوراء.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع