قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(514)
بقلم: يوسف سيدهم
معركة مصر ضد الإرهاب ماتزال مستمرة…ويخطئ من يتصور أننا نقترب من اليوم الذي نعلن فيه خلو مصر من الإرهاب ونجاحها في القضاء عليه تماما…
الإرهاب شيطان لعين يختبئ في الجحور كالحيات تخرج في الظلام لتلدغ ضحاياها وتعود مرة أخري لجحورها…الفرق شاسع بين المواجهات العسكرية بين الجيوش وبين معارك الإرهاب,فالمواجهات العسكرية تحكمها قواعد التكتيك والقتال والتسليح وتنتهي مهما طالت بطرف منتصر وآخر مهزوم,أما معارك الإرهاب فهي مواجهة لعدو غير معلوم مكانه ولا سلاحه ولا مكان أو زمان هجومه…هي مواجهة شرسة تعتمد علي المباغتة ولا تحكمها قيم أو مثل أو أخلاق…هدفها التدمير والترويع والإضرار بالأبرياء.
مضي زمن كنا نثق فيه أن بلادنا بمنأي عن الإرهاب وكنا نتابع شتي أشكال الأعمال الإرهابية ترتكب حولنا في دول الجوار دون أن نتوقع أن نعايش تلك الأعمال في مدننا وطرقنا ومرافقنا ونشهد شتي ألوان الهجمات والتفجيرات والاغتيالات بصفة شبه يومية تخلف وراءها التدمير والترويع والضحايا….حتي بات المطلب الأول للمصريين بعد نجاح ثورتهم في30يونية العام الماضي استعادة الأمن والأمان والقضاء علي الإرهاب بجميع أشكاله,لكن هذا المطلب ليس يسيرا يمكن إدراكه بسرعة ويتحتم أن تتكاتف جميع مؤسسات الدولة في حربنا ضد الإرهاب…
وإذا كانت قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية تخوض منذ فترة طويلة معارك شرشة طاحنة لرصد وتعقب ومواجة الإرهاب,تظل هناك في مدننا ومرافقنا ثغرات أمنية متروكة يتسلل منها الإرهاب ليوجه ضرباته…
ويتساءل الكثيرون:لماذا تترك تلك الثغرات؟…وهل كانت خافية علي المسئولين؟…إنه يلزم إغلاقها لتضييق الخناق علي الإرهاب وقطع الطريق علي لدغاته.
فإذا كانت هناك من الأماكن المفتوحة أو الساحات غير المسورة أو مجمعات القمامة أو الأسواق الخارجية أو غيرها من المرافق التي يصعب السيطرة عليها وبالتالي يسهل اختراقها بالهجمات أو بزرع المتفجرات والعبوات الناسفة….
فإنه في المقابل يتحتم علينا عمل كل ما يلزم لإحكام الرقابة والتأمين علي سائر المرافق والمنشآت المغلقة بحيث لانترك ثغرة يتسلل منها إرهابي مسلح أو تزرع فيها عبوة ناسفة…وفي هذا الإطار يجب أن نعترف أنه يصعب قبول أو تبرير تواتر أنباء انفجار عبوات ناسفة أو قنابل في محطات السكك الحديدية أو محطات مترو الانفاق أو أنباء العثور علي عبوات ناسفة تم إبطالها قبل انفجارها داخل القطارات أو عربات مترو الأنفاق!!!…تلك ثغرات أمنية خطيرة لايجب استمرارها ولايجب تركها دون تحقيقات ترصد المقصرين والمخالفين الذين يقفون وراءها مع تقديمهم للعدالة سواء بتهمة التواطؤ أو بتهمة الإهمال.
فكيف مع كل ما نسمع ونقرأ عنه من تحصين منافذ السكك الحديدية…ومحطات مترو الأنفاق بأجهزة الكشف عن المفرقعات والمعادن وبوابات مرور المواطنين والاستعانة بالكلاب البوليسية نعود ونفاجأ بانفجار قنابل في عربات المترو أو قطارات السكك الحديدية…ألا يسأل أحد نفسه كيف وصلت تلك القنابل إلي حيث وضعت؟…وأي إهمال جسيم سمح بذلك وهو في هذه الحالات إهمال يرقي إلي مستوي الجريمة نفسها؟!!
الثغرات ذاتها نجدها في التردد علي المنشآت العامة والخاصة حيث التواجد الأمني هادئ وروتيني ولايرقي أبدا إلي درجة الحرفية أو الاستنفار…فالمراجعة الأمنية للأفراد عند بوابات الدخول شكلية وغير جادة وتدعو للتساؤل:كم من المجرمين والإرهابيين الذين يرصدون تلك الإجراءات الهزيلة يمكنهم التسلل من خلالها لتنفيذ إرهابهم البعض؟..والأسوأ والأكثر خطورة من ذلك مداخل ومخارج السيارات ومداخل ومخارج مجمعات انتظار السيارات في جميع هذه المنشآت حيث يتم إجازة دخول السيارة بعد تمرير أحد الكلاب البوليسية-أو هكذا يبدو الكلب بوليسيا مدربا في بعض الأحيان!!!-وبعد فتح الحقيبة الخلفية للسيارة بسرعة خاطفة قبل اغلاقها والسماح بمرور السيارة!!…
وطالما تساءلت وأنا أتعرض لذلك السيناريو الشكلي:إن أحدا لم يفحص المتعلقات المتروكة:في حقيبة السيارة ليتحقق من خلوها من أي أسلحة أو متفجرات…لم يهتم أحد بفحص داخل السيارة نفسها حيث يسهل تهريب ذلك أسفل المقاعد…
وبينما أعجب من هذا الواقع الشكلي الهزيل أجدني لاحول لي إلا أن أقول:ربنا يستر ويحمي ويحافظ علي الأبرياء مما يحيكه بهم الأشرار!!!
والحقيقة أنني بينما أرقب ذلك وأرصد نقاط الضعف والثغرات الأمنية العديدة التي تحاصرنا في حياتنا اليومية وبينما أتطلع إلي التغلب عليها وإحكام التضييق علي أفاعي الإرهاب,أشعر بالفزع والرعب أن يسيل لعاب الإرهاب نحو استباحة مدار سنا أو معاهدنا أو مرافقنا الرياضية أو مجمعاتنا التجارية لأنها جميعها لاتزيد في آليات تأمينها عما استعرضته هنا إن لم تكن تقل عنه….
وهنا تبرز الحاجة الملحة للاستعانة بلاحساسيات بالخبرة الأجنبية لوضع السياسات ومتابعة ورقابة تنفيذها,فيجب أن نعترف أننا حديثي العهد في مواجهة ذلك الإرهاب الذي تفشي أخيرا في بلادنا وبالتالي لانمتلك كل الدراية أو الخبرة فيما يلزم أن نفعله علاوة علي النقيصة العظمي التي نتمتع بها وهي غياب اليقظة والمتابعة والرقابة في كل ما نفعل!!!
نقلا عن وطنى