بقلم د. منار الشوربجى | الاربعاء ١٩ نوفمبر ٢٠١٤ -
٠٨:
٠٣ م +02:00 EET
د. منار الشوربجى
تذكرنى المقولات التى تتردد هذه الأيام عن الجمهوريين فى أمريكا بمقولات مشابهة سادت فى نهاية التسعينيات من القرن العشرين. وقتها كان كلينتون، الديمقراطى، فى البيت الأبيض، وكان هناك عدم رضا عن السياسة الأمريكية، فعادت وقتها للصدارة مقولة قديمة عجيبة تم استحضارها من غياهب التاريخ، مؤداها «الجمهوريون أفضل بالنسبة لنا من الديمقراطيين».
المقولة فى ذلك الوقت، كما هو الحال اليوم، لا محل لها من الإعراب، وإن اختلفت مبرراتها «زمان» عنها الآن. ففى التسعينيات، أكرر التسعينيات، كانت المقولة مبنية على موقف أيزنهاور الجمهورى فى الخمسينيات(!) من العدوان الثلاثى على مصر. وأضاف إليها البعض، آنذاك، موقف بوش الأب الذى حكم قبل كلينتون، حين منع ضمانات القروض عن إسرائيل بسبب بناء المستوطنات. وكانت كل محاولات إقناع أصحاب المقولة فى نهاية التسعينيات بفسادها تبوء بالفشل. تقول لهم إن الحزب الجمهورى فى نهاية التسعينيات ليس هو مطلقا حزب أيزنهاور، ولا هو حتى حزب بوش الأب، فينظرون إليك كأنك قادم من الفضاء، ويصرون على مقولتهم! بعدها بأعوام قليلة، وصل بوش الابن للرئاسة وسط تهليل عربى، لا مصرى فقط. ولمَ لا؟ فالجمهوريون فازوا! بل جاء للحكم ابن الخواجة بوش الكبير الذى نعرفه جيدا! لكن ما هى إلا شهور قليلة حتى استيقظ الجمع على دمار وحروب مستمرة ومقولات مثل «الفوضى الخلاقة» و«إعادة رسم خريطة المنطقة»، وشهدت العلاقات المصرية الأمريكية واحدة من أسوأ مراحلها. عندئذ فقط اختفت مقولة «الجمهوريون أفضل».
غير أن المقولة عادت للظهور من جديد هذه الأيام، لكن بحجة أخرى طريفة للغاية، وهى أن الجمهوريين «يعطون الأولوية للأمن القومى، إذا تناقض مع حقوق الإنسان والديمقراطية»، وكأن الديمقراطيين يفرطون فى الأمن القومى لبلادهم، بل كأن عهود الديمقراطيين لم تشهد انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان داخل أمريكا وخارجها! الأطرف من ذلك أن أصحاب المقولة نسوا أن «المحافظين الجدد» الذين ناصبوا مصر العداء فى التسعينيات باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، جمهوريون برضه!
مقولات من نوع «الجمهوريون أجدع» أو «الديمقراطيون أحسن» لا علاقة لها بالواقع، لأنها مبنية على مشهد أو اثنين منعزلين تماما عن الطبيعة الخاصة للأحزاب الأمريكية التى تنطوى على تنوع داخلى شديد يجعل الحزب الجمهورى مثلا يضم جون ماكين (فاكرينه؟!)، الذى قال فى القاهرة فى يوليو ٢٠١٣ ما لم يقله أوباما فى واشنطن، ويضم معه وزير الدفاع الحالى تشاك هيجل، الجمهورى بالمناسبة، الذى اختلف موقفه عن ماكين اختلافا كبيرا، ويضم معهما بوش الابن فضلا عن أولئك الذين يدورون فى فلك «الإسلاموفوبيا» ممن سموا أنفسهم «أصدقاء مصر».
والحقيقة أنه لا الديمقراطيون أفضل ولا الجمهوريون أفضل، فكلاهما يعمل لمصالح بلاده ولا شىء غيرها. وأنت لا تبدأ البحث عن أيهما أفضل إلا إذا كنت تعتبر مصر مفعولا به، لا فاعلا له إرادة مستقلة.
لكن الأخطر من هذا وذاك هو أن مقولة «الجمهوريون أفضل» تلك، سعيا لحل مشكلة قصيرة الأجل، إذا كانت موجودة أصلا- تدفع لتبنى توجهات تخلق ورطة طويلة الأجل تضر بمصالح مصر العليا. فهى تحول بلادى إلى قضية حزبية، أى مرتبطة مصالحها بأحد الحزبين دون الآخر، يصعد نجمها بصعوده، وتتأثر سلبا بانحسار فرصه، بدلا من أن تكون دولة إقليمية كبيرة، يهم أمريكا الحفاظ على مصالحها معها، سواء هيمن الجمهوريون أو الديمقراطيون.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع