بقلم سمير مرقس | الاربعاء ١٩ نوفمبر ٢٠١٤ -
٠٦:
٠٣ م +02:00 EET
سمير مرقس
(١)
ميزنا فى مقالنا السابق بين الحراك الطبقى الجماعى وبين الحراك الطبقى الفردى. الأول: هو نتاج مشروع وطنى تنموى يعود بآثاره على طبقات المجتمع المتنوعة دون تمييز بدرجة أو أخرى، وقد أطلقنا عليه «حراك نضالات الاستقلال» والذى عاشته مصر على مدى نصف قرن تقريبا من ١٩١٩ إلى ١٩٦٩، استقلال وطنى سياسى/مدنى أو استقلال وطنى اقتصادى/اجتماعى.
أما الثانى: فهو نتاج فرص عادت على أفراد أو شبكات مغلقة بعينها تم اختيارها من قبل السلطة أو لعلاقاتها الخارجية الاقتصادية أو لثروة أنجزتها من الهجرة النفطية، أو لعودة العائلات القديمة التى «كمُنت» وقت النضال من أجل الاستقلال الوطنى ببعديه السياسى والاقتصادى،...،إلخ. لذا أطلقنا على الحراك الثانى «حراك تنافسات السوق» لأنها تمت مع منتصف السبعينيات مع تطبيق قانون الانفتاح فى ١٩٧٤ وامتداداته اللاحقة على مدى أربعة عقود.
(٢)
وعلى الرغم من أن الجسم الاجتماعى كان يموج «بالحراك» بتجلييه: الجماعى والفردى فى المرحلتين: نضالات الاستقلال وتنافسات السوق؛ فإن التحليل الطبقى كان «معطلا» إلا فى بعض دوائر اليسار الضيقة سواء السياسية أو ممن ينتمون إلى المدرسة التاريخية/ الاجتماعية/ الاقتصادية مثل: فوزى جرجس، إبراهيم عامر، سمير أمين، رؤوف عباس، عاصم الدسوقى، محمود عبد الفضيل، رمزى زكى، نزيه نصيف الأيوبى، عبدالباسط عبدالمعطى، محمود جاد، إبراهيم فرغلى،...،إلخ. بالإضافة إلى دراسات مجلة الطليعة.
وكان «التعطيل» يعود إلى اعتبارات كثيرة. اعتبار أن الدولة هى صانعة التغيير لا الطبقات الاجتماعية.
وأن النخبة بالمعنى السياسى هى التى تقود التغيير وهى التى تنتج الطبقات الجديدة.
ويرى عبدالفضيل أن الدولة قد «لعبت الدور الأساسى للدولة فى تحولات البنية الطبقية عبر سياسة التصنيع والتعليم والعصرنة».
ويشاركه كثيرون هذه الرؤية...هناك اعتبار آخر هو أنه لا ينبغى الحديث عن طبقات المجتمع فى سياق مجتمع يبنى نفسه بواسطة تحالف اجتماعى/سياسى عريض،
كما أن حديث الطبقات ـ حتما ـ سوف يلفت النظر إلى طبيعة الصراع بينها وهو ما يتعارض كليا مع رؤية الدولة... هذا فى مرحلة «نضالات الاستقلال»/«صراعات لقمة العيش»...واستمر هذا فى مرحلة «تنافسات السوق»، ولكن أضيف له اعتبار آخر...
(٣)
ما أضيف هو التسويغ الدينى بعدم الاقتراب من التحليل الطبقى...انطلاقا من أن الجسم الاجتماعى هو جسم ساكن ومستقر لا تطاله أى حركية أو تغير...كما أن التمايز الطبقى هو عملية قدرية يتم تقسيم الأرزاق فيها بين الطبقات بشكل يبقى الأمر على ما هو عليه.
وأذكر فى هذا المقام الحوار الذى دار بين الأديب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى وبعض رجال الدين منتصف السبعينيات فى مجلة روز اليوسف حول هذا الأمر الذى انتهى بغلق الملف نهائيا.
فالجسم الاجتماعى بات ينظر إليه ككتلة لا تمايز فيها ولا مصالح.. فماذا كانت المحصلة؟
(٤)
المحصلة، هى أن الدولة الحديثة أصبحت تتعاطى مع مواطنيها بحسب ارتباطاتهم الأولية. وجددت بذلك التكوينات ما قبل الحديثة.. فصار التقسيم المجتمعى السائد يقوم على كتل متماثلة: دينية، وفئوية، ومهنية،...،إلخ.
لم يلتفت أحد إلى أنه مع «تنافسات السوق» لابد عند نقطة ما أن تفترق المصالح حتى بين الديانة الواحدة أو الفئة النوعية الواحدة.. وهكذا. وأن تبدأ المصالح الطبقية تأخذ طريقها إلى التبلور، أردنا أو لم نرد.. وهو ما أطلقته بوضوح ٢٥ يناير.
وعلينا إدراك ذلك، وأنه لا يمكن العودة إلى تعطيل الحراك لا على مستوى التحليل أو الواقع.. فطالما هناك ثروة عامة لم يزل يغيب العدل فى توزيعها ـ مهما كانت درجة النمو ـ لابد أن ينشأ الصراع ومن ثم الحراك بحثا عن الحقوق ومن ثم وضع السياسات الملائمة لجسم اجتماعى فى حالة حركية.. ونواصل...
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع