الأقباط متحدون - الأكثر تزمتاً
أخر تحديث ٠١:٣٤ | الاربعاء ١٩ نوفمبر ٢٠١٤ | ١٠هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٣٩٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الأكثر تزمتاً

معرض الدولى للكتاب
معرض الدولى للكتاب

 زرت الأسبوع - قبل الماضى - إمارة الشارقة، مدعواً لمتابعة أنشطة المعرض الدولى للكتاب، هى الزيارة الأولى، لهذه الإمارة، ولم يكن مفاجئاً لى، أن أرى حركة نهوض عمرانية ونظافة الشوارع وانتظام المرور بها، ففى بلد يمتلك مقدرة اقتصادية يصبح من السهل أن يحدث ذلك كله وأكثر، لكن المفاجئ لى كان يتعلق بأمور أخرى، أولها أن هناك حركة واسعة لبناء مؤسسات وهياكل الدولة، جامعة الشارقة تشيد لها فروع وهناك جامعات أخرى، متاحف ومكتبات، انفتاح شديد على الحداثة وما بعدها، وإلى جوار ذلك حفاظ صارم على التراث بجميع أشكاله، ولا يمكن للمتابع أن يغفل بصمات الحاكم هنا، الشيخ سلطان القاسمى، هو رجل مثقف ويدرك الأبعاد الثقافية التى يجب أن تكون للدولة، ومعنى أن تقوم الدولة على مؤسسات راسخة ونظم حديثة.

 
المفاجأة الأخرى، تتعلق بالمجتمع ذاته، حيث يعيش مجتمع الشارقة حالة من الانفتاح الشديد، وبالتأكيد لعب الوضع الاقتصادى دوراً فى ذلك الانفتاح، هذا مجتمع يستقبل الوافدين للعمل أو للزيارة من شتى بقاع الدنيا، من آسيا من أفريقيا والولايات المتحدة، فضلاً عن أوروبا، ولن أتحدث عن الوافدين العرب، من مصر وسوريا ولبنان والسودان وغيرها، ومن ثم فنحن أمام مجتمع عالمى أو إنسانى بالمعنى الواسع للكلمة، وتعامل أبناء البلد مع أولئك الوافدين بمحبة حقيقية، لا غرور ولا غطرسة ولا استعلاء، ولا ضيق بالآخر، سوف تجد المطعم المصرى وإلى جواره المطعم العراقى ثم اللبنانى والسورى والإيرانى والصينى والهندى.
 
وهكذا فى الشارع، من العادى أن ترى سيدة منتقبة وأخرى ترتدى الملابس القصيرة، ولن تسمع كلمة نابية ولا نظرة بذيئة تجاهها، ناهيك عن المعاكسات الفجة من المتنطعين والتحرش من المرضى والمجرمين، الذين انتشروا بيننا منذ أكثر من عشر سنوات.
 
ويبدو لى النقاب هناك مختلفاً عنه هنا، عندنا النقاب تعبير عن موقف سياسى وأيديولوجيا خاصة ترتبط بالموقف السياسى، حتى وإن استند فى الظاهر إلى مبررات شبه عقائدية، لكن النقاب هناك يبدو باعتباره تقليداً اجتماعياً متوارثاً، بلا ظلال سياسية، ومن ثم لم يكن غريباً أن أرى فى الأمسية الشعرية التى خصصت للشاعر فاروق جويدة، سيدة منتقبة تهتف طالبة من الشاعر أن يلقى قصيدته «فى عينيك عنوانى»، ولم يكن غريباً كذلك أن يكون هناك عدد كبير من المنتقبات والملتحين بين الجماهير التى احتشدت لتحية عادل إمام فى ندوته، وقلت: سبحان الله، أمثال هؤلاء فى مصر اتهموا النجم الكبير بازدراء الأديان ورفعوا عليه العديد من الدعاوى القضائية.
 
ويجب أن نكون صرحاء مع أنفسنا، المجتمع المصرى فى الحقبة الأخيرة بات أشد محافظة من معظم المجتمعات العربية، لا أقارن هنا بين القاهرة والإسكندرية من جانب وبيروت أو تونس والدار البيضاء وطنجة مثلاً، بل بين مجتمعنا وعدد من مجتمعات الخليج، نحن صرنا أكثر محافظة وتزمتاً وأقل تقبلاً للآخرين، على جميع المستويات، أتحدث عن التقبل وليس عن الترحيب، نحن لم نعد نرحب بأحد، ولا حتى بأنفسنا، أفقنا الاجتماعى صار ضيقاً للغاية ومن ثم أفقنا الإنسانى، لأن حريتنا الاجتماعية فى انحسار، تأمل فقط كيف يعامل السائح أو السائحة هنا، وكيف يعامل فى بقية البلدان والمجتمعات؟!
 
لأسباب كثيرة تراجعت الحريات الاجتماعية وتراجعت معها الحريات الشخصية فى مصر، والغريب أن ذلك يحدث فى الوقت الذى تحدثنا فيه كثيراً، وناضلنا من أجل الحريات السياسية، وكنا نحقق بعض النجاحات فى هذا المجال، ولكن دون حريات اجتماعية لا مستقبل لحرية سياسية حقيقية، والحاصل أن المجتمع المصرى الذى شهد انفتاحاً مبكراً على العصر وبناء مؤسسات حديثة، هو اليوم من أشد مجتمعات المنطقة العربية تحفظاً وتشدداً.
 
المشكلة أن كثيراً من القوى السياسية والشخصيات العامة التى تطالب وتناضل من أجل تعميق الحرية السياسية، قد تعمل، هى نفسها، ضد الحريات الاجتماعية لذا تخسر وتفشل معظم الوقت، ويكون إنجازها هشا ومحدوداً.
 
وسط هذا كله، فإننا لم ننتبه بالقدر الكافى إلى حالنا وإلى أننا نتراجع، قياساً على ما كنا عليه من قبل، وقياساً على حركة الآخرين من حولنا فى العالم العربى، ولن أتحدث عن العالم المعاصر. سعيد أنا بما رأيت فى إمارة الشارقة، هم يستحقون ما يكتسبون، وما يحققون من تقدم ونحن لا نستحق ماصرنا إليه، وإذا ظل إهمالنا للحريات الاجتماعية والشخصية قائماً، وتركيزنا فقط على الحرية السياسية فلن نتقدم ولن ننهض ولن نجد حتى الحرية السياسية.
نقلا عن المصر اليوم 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع